هل من حسن حظنا أن أغلب المغاربة يشعرون بأنهم تحت مجهر الدولة وعنايتها ، وهل المطلوب هو توجيه هذا المعطى في منحى الحماية والرعاية وليس فقط الحيطة والتوجس من النخبة في سياق الترقب والترصد بواسطة التنصت والتجسس، وهي وسائل مقبولة عرفيا من أجل حماية الأمن الداخلي والأمن الخارجي ؟ وإذا كانت هذه الوسائل التكنولوجية ، بالنسبة للأجهزة الأمنية ، قد تغني عن أساليب التعذيب من أجل انتزاع الإعترافات ، فإنها من جهة أخرى مكلفة وخطيرة العواقب لتماسها مع ضمان الحقوق والحريات.
وبالمقابل فنحن الحقوقيون ، ومعنا السياسيون ، نال منا الوقت السياسي والانتخابي حتى نسينا قيمة الزمن الإجتماعي ، شغلناه بأحلامنا فأحتوانا برداءته، وتحول هدفنا الى معارك لحظية وتجريبية تساير جدول سياسة الأمر الواقع، نعلق على الأحداث ونحصي الخسائر ، وفي أحسن الأحوال نتضامن مع ضحايا السياسة ، دون أن نبكي على أطلال فكرنا التقدمي ، أو على الأقل نشعل شمعة منجزاتنا النضالية ، ونثمن تضحياتنا ، وها نحن نعبئ المواطنين لمعارك التضامن والإدانة فقط وكقدر محتوم ، والحال ان العقل يقتضي بلورة مشاريع بديلة مقرونة باستراتيجية دائمة لتصريف المواقف ، بالنضال اليومي و بأفق دمقراطي ، وتقديم عرض سياسي يراعي متطلبات المرحلة.
وإذا كان لابد من تقييم أولي ؛ فإنه من بين الأخطاء الملموسة هو رفضنا للاهتمام بالشأن الأمني في علاقته بالبنية القانونية واستعمال القوة العمومية أو ما يسمى بتدبير العنف المشروع ، وفق مقاربة حقوقية ودمجه في السياسة العمومية ، وكذا سوء الربط مع الخصاص الإجتماعي ، وسوء تقدير التعامل معالحركية الاجتماعية حيث تردد الفاعل الحزبي بين الرغبة في تأطير الشباب ومرافقتهم وبين استقطابهم و إحتواء حماسهم ، بخلفية القرب او التأهيل الإنتخابي ، حتى لا تتماهى المسؤولية القانونية والسياسية وتتوه . غير أن ما يؤلم كثيرا هو انه خلال الوقفات والمسيرات تستغرق القضايا العارضة او الطارئة كل القضايا المصيرية العالقة ، والتي لم يتم الإستعاب ان حلها أو طي صفحتها بالعدل ، مهيكل لكل دعائم القطع مع الماضي.
وفي سياق أن المطلوب من دولة آمنة وقوية ، وليس دولة أمنية مخيفة ، ضرورة الوعي بأنه ليس عيبا أن تعيش الدولة على أنها المتهم المحتمل والمقترف الافتراضي لكل ما يقع من إنتهاكات، فهذه ضمانة للمواطنين بكون دولتهم دائمة اليقظة والمسؤولية لحمايتهم من بطش موظفيها الوطنيين وكذا من اعتداء الخوارج ، وذلك بالعمل الدؤوب على اتباث براءتها وبتحميل موظفيها المنفذين للقانون كافة المسؤوليات المدنية والجنائية كتصرفات شخصية وغير مرفقية ، هذا هو جوهر التعاقد ، وكل توتر في هذا المجال مؤطر بالحكامة الأمنية والأمن القضائي ويفترض أنهة قرينةً على تطهير الخروقات والانتهاكات من أية ارادة التواتر والمنهجية للدولة ، رغما عن تباث جوهر النظام السياسي اللا دمقراطي ، مما يقتضي ضرورة الوعي بمحدودية سقف الرهانات ،و قد يضايقنا الإمعان في تحويل أوراق التوت الى وثائق لتبادل الثقةوالولاء ، ولكن ماذا عسانا نفعل في ظل اختلال موازين القوى لصالح المد المحافظ، وهي بيئة خصبة لمزيد من تصلب مواقف التحالف المصالحي تجاه اي انفتاح سياسي او انفراج حقوقي.
فهلا كنا واضحين تجاه ذواتنا وهشاشة تراصنا و تيه بوصلتنا ، حيث لا يعقل ان نجهد في محاولات التوحيد القسري للإطارات الحقوقية والهيئات السياسية ،والحال ان الوحدة نضالية قبل أن تكون تنظيمية ، ليطرح سؤال أفق وحدود مطالبنا وردود أفعالنا تجاه ما يجري من مستجدات ووقائع كثيفة ومتسارعة ، سياسية وأمنية ، تبدو مرتجلة او عشوائية ، وذات نفحة استخباراتية من شأنها تهديد مصير كل ما تمت مراكمته من منجزات أو مكتسبات حقوقية إلى حد التقويض ، وإذا كنا واعين بطبيعة النظام السياسي وحدود نسبة تحوله أو وتكيفه ، وفق ثنائية الانفتاح أوالضبط ، عن طريق استعمال ورقة مناهضة الإرهاب ومواجهة كل الاعتداءات المفترضة ضد السيادة الوطنية وسلامة الدولة الخارجية ، والذي يضطر معها العقل الأمني إلى ردعها عن طريق ما يسمى بالوقاية والاستباق، وهو أمر حساس ومحفوف بمخاطر المساس بالحيوات الخاصة للناشطين الموضوعين تحت مجهر الرقابة الالكترونية أوالتنصت .
مما قد يتعارض مع مبدأ الحماية القانونية للمعطيات الشخصية والحياة الخاصة حيث يتم الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في حالة عدم الإشراف القضائي على تلك العمليات ، ليطرح سؤال مشروعية التوفيق بين مطلب شرعنة وسائل حماية أمن وسلامة الأوطان وبين شرعية حقوق المواطن والإنسان والذي لا يمكن تصوره بتاتا خارج رقابة سلطة القانون والقضاء . فمتى سنعيد للمفهوم الجديد للسلطة بريقه وللأمن القضائي جدواه واستقلال السلطة المختصة به معناه ؟