محمد فارسي*
لا يمكن النكران، أن حراك الريف قد جعل الكثير من المكونات السياسية تعيد خط مسارها السياسي و التنظيمي، لأن بروزه في هذا الوقت من تاريخنا، لم يكن وليد الصدفة، بل أتى نتيجة المسار المنحرف الذي كانت تسلكه الأحزاب لا على المستوى التنظيمي أي الهياكل، و لا على مستوى علاقتها مع المواطن.
قبل حراك الريف، كنا نرى بأن البديل الذي سيترأس الحكومة بعد العدالة و التنمية هو حزب الأصالة و المعاصرة كتنظيم حداثي تقدمي يمكن من خلاله أن يساهم في الإنتقال الديمقراطي الذي مكث طويلا و لم ينتقل بعد. من خلال هذه المعادلة السياسية التي كانت واضحة لأي متتبع للمشهد السياسي المغربي، أتت رياح الحراك، برأي أخر، و هو غربلة المنظومة السياسية بأكملها، و لعل أول حزب مسته الرياح، حزب الأصالة و المعاصرة، باعتباره جزءا من النقيض، فرض عليه أن يدخل غمار تصارع المتناقضات.
في هذا السياق، و لفهم الأزمة التي يتخبط فيها هذه التنظيم السياسي (الأصالة و المعاصرة)، لا بد أن نشير إلى المعطى الأولي الذي يتمحور حول أن حزب الأصالة و المعاصرة قد انصب اجتهاده حول منطقة الريف بالخصوص، وخاصة أن بروزه المنبثق من حركة لكل الديمقراطيين و التي شكلت هيئة الإنصاف و المصالحة على أحداث الريف 1958 مرحعية له، يؤشر أن في مرحلة قبل الحراك لم نسمع أبدا عن اختلالات تنظيمية من داخل هذا الحزب و هنا يمكن أن نرى العلاقة الجدلية بين القيادة و مشروعها.
إذا استندنا على فكرة القيادة و المشروع التي تطور الآلية ألتنظيمية و مصطلح المشروع هنا يمكن أن نترجمه إلى الأدبيات السياسية بأنه النظرية التي تؤطر عمل تنظيم سياسي معين، من هذا المنطلق نجد أن الأداة التنظيمية رهينة بنظرية أو مشروع جديد يطعم الأعمدة التنظيمية. و في وضعية حزب الأصالة و المعاصرة باختلالاته التنظيمية ما هو إلا ترجمة لعدم وجود مشروع جديد من خلاله يمكن أن يستأنف مساره السياسي.
اليوم، و بعد استقالة الأمين العام للحزب السابق إلياس العمري، أو بتعبير أخر استقالة المشروع، لا يسعنا إلا أن نقول بأن حزب الأصالة و المعاصرة تنطبق عليه المقولة العلمية التي تفيد بأن التاريخ يعيد نفسه، لأن المرجعية التي استند إليها عند انطلاقته قد توقف إليها في يومنا هذا.
و بما أن المغرب، شهد على مر التاريخ، عدة انتهاكات بالغة في مجال حقوق الإنسان، شكلت بدورها محطات عدة لإرساء قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان و تحديد معالم الانتقال الديمقراطي، فإنه من المستبعد أن يكون نفس السيناريو الذي سيحدث وذلك بالاستناد على التاريخ ، لأنه أمر واقع لا يمكن المفر منه و لا يوجد بديل أخر في ضل القواعد السياسية المتاحة.
و إذا اعتبرنا هذا المعطى حقيقة تاريخية لا يمكن نكرانه، فإنه سيكون مشروعا أخر لتنظيم سياسي أخر، لكن من سيحمل مشعله؟ و هل سيوفق في إنجاز تقديم حلول لهذه المعضلة التي تكبح عملية إرساء الديمقراطية في البلاد؟ أم سيبقى التاريخ يعيد نفسه، و يبقى الريف الحلقة المفقودة في هذه السلسلة المرتبطة التي لا تنفك؟
* أستاذ اللغة الأمازيغية