الأراضي الجماعية مشاريع قوانين … سرقة موصوفة مع سبق الإصرار والترصد

أحال الأمين العام للحكومة بداية السنة الجارية ثلاث مشاريع قوانين على البرلمان ويتعلق الأمر ب (مشروع قانون رقم 17-62 بشأن الوصاية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها- مشروع قانون رقم 17- 63 يتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية- مشروع قانون رقم 17-63 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري)، وذلك بعد أن صادق المجلس الوزاري على هذه المشاريع التي أعدتها مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية.

وتحيل مذكرة تقديم أعدها وزير الداخلية، تقديما لمشروع قانون 17-62 على بند عريض فضفاض تحت عنوان ( مشروع قانون يتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، كما تم تغييره وتتميمه….)، فبماذا تم تغييره وتتميمه؟ أليس بظهير 6 فبراير 1963، ولماذا لم يتم ذكر هذا الظهير ومجموعة من المذكرات والمراسيم والقوانين المنظمة أو المعدلة أو المتممة لظهير 1919؟ وهل يتعلق الأمر بالوصاية على الأراضي التي تعود ملكيتها للجماعات السلالية أم على الجماعات نفسها؟ كما تشير مذكرة تقديم وزير الداخلية إلى أن هذا التغيير/ التتميم جاء بناء على توصيات الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية، والتي من بينها إصلاح الإطار القانوني المنظم للجماعات السلالية وتدبير الأراضي الجماعية والذي سبقت الإشارة إليه. من جهته، تابع التجمع العالمي الأمازيغي، أشغال ما سمي ب”الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية”، ومختلف المستجدات المرتبطة بهذا الملف، وأنجز تقريرا مفصلا حول الأراضي الجماعية بالمغرب، حيث سيتم نشره كاملا على صفحات جريدة العالم الأمازيغي.

تقرير التجمع العالمي الأمازيغي حول الأراضي الجماعية بالمغرب

يشكل ما تبقى من الأراضي الجماعية ( مساحتها المتبقية مقدرة ب 15 مليون هكتار لأكثر من 10 مليون نسمة ضمن 4560 جماعة سلالية بأكثر من 8 آلاف نائب جماعي)، احتياطا عقاريا مهما، ظل لعقود طويلة محط استيلاء وترامي وتفويت وحجز…وعرف تدبير هذه الأراضي صراعات بين الجماعات السلالية ومصالح الوصاية التابعة لوزارة الداخلية من جهة ونزاعات الجماعات السلالية من جهة أخرى. إذ لم تعد مصالح الوصاية، عبر مجلس الوصاية ومديرية الشؤون القروية، تجيز للجماعات السلالية استغلال هذه الأراضي حسب القانون العرفي الأمازيغي، محاولة إخضاعها لتعليمات الوصاية، بناء على مجموعة من النصوص التشريعية التي تستمد مرجعتيها من الترسانة القانونية التي وضعها خبراء القانون الفرنسي تحت وصاية المقيم العام الفرنسي المار يشال ليوطي منذ بداية القرن المنصرم.

فالنظام العرفي الأمازيغي، وإن اختلف بشأن تأويل أحكامه وقراراته، فقد ظلت بمقتضاه الأراضي الجماعية أو السلالية ملكا لمجموعة من القبائل أو لقبيلة واحدة أو حتى لسلالة معينة… وهذا الملك الجماعي لا يمكن تحويله إلى قبيلة أو جماعة أخرى أو حتى تفويته أو بيعه، ويتم تسييره والإنتفاع من عائداته، زراعيا أو رعويا… دون المساس بأصل الملك، حسب الأعراف السائدة لدى كل جماعة، حيث شكلت لديها موردا حيويا للثروة ومصدرا للعيش، ما جعلها عبر التاريخ، موضوع أطماع خارجية وداخلية…فمنذ بداية القرن المنصرم امتدت الأيادي الأجنبية الأوروبية، وخاصة الفرنسية والإسبانية منها، للإستيلاء على موارد الثروة بالبلاد، وخاصة منها الأرض والمياه والغابات. وقد أدت المقاومة الشرسة التي واجهتها القوى الحامية من طرف القبائل الأمازيغية، إلى نهج سياسة التهدئة وشرعنة الإستيلاء وحجز الأراضي لصالح المعمرين، عبر سن نصوص قانونية وتنظيمية لتفعيل مضمون معاهدة الحماية، ولتحقيق أهدافها السوسيو قتصادية، شرعت فرنسا خصوصا في وضع اللبنات الأساسية للنظام العقاري بالمغرب.

Manifestation à Casablanca en faveur des terres collectives le 25 novembre 2018

تعتبر الوضعية القانونية للأملاك العقارية بالمغرب من أهم الموضوعات التي كانت حاضرة بقوة في الإتفاقيات الدولية الغربية ( المتواطئة ) على استعمار المغرب قبل سنة 1912. لذلك فور فرض التوقيع على اتفاقيات الحماية على المغرب من طرف كل من فرنسا وإسبانيا مع الوضعية الدولية الخاصة لمنطقة طنجة ، تجسد الإهتمام بالوضعية القانونية للأملاك العقارية بالمغرب، لتأسيس وإقرار سياسات استراتيجية استعمارية بشأنها، من خلال أول نص تشريعي سمي ” الضابط المؤقت ” بتاريخ( 11 /11/ 1912 ( تضمن مختلف أنواع الوضعيات القانونية للأملاك العقارية وكذا الطبيعة القانونية للحقوق المترتبة عنها ، وقد نشر هذا النص بأول عدد للجريدة الرسمية ـ بالعربية ـ التي صدرت بتاريخ ( 01/02/1913 ( ـ صفحة 3 ـ ، وقد تضمن ذلك النص تصنيفا لأنواع العقارات حسب نوعية وطبيعة ملكيتها والأشخاص الذاتية أو المعنوية التي تملكها أو تتصرف فيها في إطار حقوق عينية أخرى لاترقى إلى ملكية الرقبة بشأنها . لذلك يعتبر هذا النص التشريعي وثيقة مرجعية أساسية لدراسة الموضوع وهي وثيقة حديثة مقارنة بما يحيل إليه البعض من وضعيات تعود لعدة قرون .

بشأن منهجية ومقاربة وزارة الداخلية للحوار الوطني حول الأراضي الجماعية:

من خلال متابعة التجمع العالمي الأمازيغي لأشغال “الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية” الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية في فصل ربيع 2014 ، اتضح لنا أن ما سمي ( الحوار الوطني) استنفذ الكثير من المجهودات والطاقات في موضوع مهم وحساس جدا ، وسجلنا خلالها أن المقاربة و المنهجية المعتمدة قد لاتؤدي للوصول لنتائج ناجعة، سواء بخصوص الحالات الخاصة أو بخصوص تفعيل التوجهات الإستراتيجية للدولة كما رسختها مضامين دستور يوليوز 2011 بخصوص الجهوية الموسعة والحكامة الجيدة في تدبير المجالات الترابية والبيئة بشكل يجسد المفهوم الحقيقي للديمقراطية التشاركية المستهدف للتنمية البشرية المستدامة التي تراعي الحقوق الفردية والجماعية على حد سواء وبشكل يخلق التوازن والتكامل بين المصالح الخاصة المشروعة والمصلحة العامة ، وفق المعايير الدولية بيئيا وثقافيا وتنمويا متوازنا مع جعل الإنسان هو الأساس .

وقد قمنا بتقييم أشغال هذا الحوار المنظمة بكل من وجدة وإيفران وورزازات ومراكش والقنيطرة، خلال ندوة نظمت في أكتوبر 2014، ولا حظنا أنه تم التركيز من خلال ثلاثة ورشات على موضوعات من اختصاص عدة قطاعات حكومية أو مؤسسات أخرى ، غير وزارة الداخلية، من قبيل المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر والوكالة الوطنية لحماية الواحات ومجال أركان والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية وغيرها. ..

أما بخصوص منهجية أرضيات معالجة الموضوع، فتم التركيز على منطق الإستماع لمعاناة المتضررين الذين يركزون في مداخلاتهم على مصالحهم الشخصية المتضررة، دون علمهم بأصل الداء ومصدره، لكن يطلب منهم اقتراح الحلول – دون التوفر على المعطيات والوثائق والمعلومات الكاملة الموثقة والمحفوظة في مختلف أرشيفات ومحفوظات عدة إدارات من بينها المشرفة على ما سمي بالحوار .

كما أن المناقشات العمومية بهذه المنهجية، إنما تنصب على أعراض المرض وتبعاته التي تعطى عنها مسكنات ويؤخر العلاج الأصلي بشكل سيجعل المشكل أو المشاكل تتفاقم في تعقيداتها وتبعاتها المستقبلية ، وهو أسلوب لايصح ولايليق في منطق تدبير المسؤوليات في الدولة التي تراهن على استقرار واستمرار التراكمات الإيجابية لمرافقها العمومية بما يستوجب التقييم العلمي الموضوعي المحايد لجهة محايدة تقوم عند الإقتضاء بتفعيل مقتضيات الدستور فيما رسخته من قاعدة ” المسؤولية تقابلها وتقويها المحاسبة ” أي ” التقويم بعد التقييم ” .

إن قواعد الموضوعية تستوجب التقدير الإيجابي وتأكيد أهمية المجهودات المبذولة بخصوص الحفاظ على الطبيعة والوضعية القانونية لرصيد كبير من الأملاك العقارية الجماعية، لفائدة أعضاء الجماعات السلالية وجماعات القبائل التي تم حصرها مبدئيا في خمسة عشر مليون هكتار من خلال جواب حديث ـ 2014 على سؤال شفوي بقبة الببرلمان لوزير الداخلية ـ فإن ذلك لايجب أن يحجب إثارة الإنتباه إلى بعض الإختلالات والسلوكات اللاقانونية التي طالت أو ستطال هذا الرصيد الاقتصادي التنموي الكبير، إما بسبب التدبير أو التعدي العمدي أو بالتحايل على القانون دون إغفال الآثار السلبية للتدبير المنغلق من طرف بعض القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية التى أدى عدم التنسيق بينها إلى خلق وضعيات ومراكز قانونية معقدة، من أمثلتها الواقعية تحفيظ أملاك جماعية لفائدة أشخاص عبر مختلف طرق التدليس أو استغلال النفوذ أو عن طريق عمليات تزوير وثائق رسمية أو عرفية تؤدي أحيانا إلى تأسيس رسوم عقارية شخصية ضدا على المقتضيات التشريعية والقانونية الخاصة التي توفر الحماية القانونية الخاصة للأملاك الجماعية، المملوكة ـ على سبيل الشياع ـ لأعضاء الجماعات السلالية وجماعات القبائل الخاضعة، حسب فلسفة التشريعات الجاري بها العمل منذ بدايات استقلال الدولة المغربية المؤسسة في دساتيرها المتتالية والتشريعات الصادرة في إطارها لترسيخ اختيارات المساواة والإنصاف ووجوب ترسيخ منطق سيادة القانون وضرورة التقيد بضوابطه وضماناته وأن تكون الدولة ومؤسساتها أول الملتزمين بذلك كقذوة للمواطنين في علاقتها معهم أو في علاقاتهم البينية بشأن يحسن فهم الوضعيات الواقعية أو المركز القانونية بكل صدقية أساسها نزاهة فكرية علمية محايدة وبشكل يستحضر فيه كل شخص أو مسؤول إداري أو سياسي حقيقة وحدود دوره وصلاحياته القانونية ـ الجاري بها العمل في فترة مسؤوليته ـ الواجب عليه التقيد بها ، ومن ذلك تدبير الإختصاصات والصلاحيات القانونية، دون أي تمييز بين الدولة والمواطنين أو التمييز في إدارة المسؤوليات والتعامل مع المراكز القانونية للمواطنين ـ بصفتهم الأعضاء المالكين شرعيا وقانونيا في الأملاك الجماعية بحكم كونهم ، أعضاء جماعات سلالية أوجماعات قبائل مجالية ـ ، ليس من حسن القانون أو الشرع حرمانهم من حقوقهم الثابتة بمقتضاهما أو حرمانهم منها بمعيار جنسم المفاضل بين الذكور والأناث( الرجال والنساء) أو حسب سنهم وأعمارهم ( راشدون أو قاصرون ) أو حسب أماكن إقامتهم إما داخل المغرب أو خارجه وبالأحرى التمييز بين المواطنين أصحاب القانونية الشرعية، بمنطق المفاضلة بين الموسرين ضد المعسرين .

Femmes portant le portrait de la victime d’Akal d’Azrou, Mme. Fdila Akioui, morte le 26/9/2018 https://ledesk.ma/2018/09/29/affaire-fadila-ce-que-dit-le-rapport-dautopsie/

النساء والأراضي السلالية

أثار توزيع عائدات الأراضي الجماعية على الرجال دون النساء موجة من السخط في الأوساط النسائية، ولم يصل هذا السخط أوجه إلا بعد أن رفعت مصالح الوصاية من وتيرة التفويتات ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة لفائدة الدولة أو للمؤسسات العمومية أو الجماعات المحلية أو المنعشين العقاريين في إطار ما يسمى ب”اتفاقية الإستثمار”. وقد خلف توزيع المبالغ المالية المستخلصة من المبيعات في العديد من الجهات المغربية على الذكور دون الإناث، مجموعة من الطعون والتعرضات والتعبير عن التظلم بمختلف أساليب الإحتجاج من شكايات ومراسلات للمسؤولين ووقفات احتجاجية وتصريحات لوسائل الإعلام. وهو ما وضع الأجهزة الوصية على الأراضي السلالية، تتباين في تقديراتها وتأويلاتها للحدث، فمن هذه الأجهزة من يعود بأصل الإشكال إلى تجاوز ” العرف الأمازيغي الذي يحرم النساء من الإستفادة”، وبدعوى وجود أعراف وتقاليد قديمة تحرم النساء من حقوقهن، ومنها أيضا من يحيل في ذلك إلى مقتضيات نص الظهير المنظم للأراضي الجماعية الذي صدر في 27 أبريل 1919، كما وقع تعديله وتغييره بمقتضيات عدة ظهائر. وبين هذا وذاك، فنجد أن أصل المشكل يكمن في تفويت أو تمليك أراضي جماعية لفائدة القطاع العام أو القطاع الخاص على السواء، في حين أن الأراضي الجماعية لم تكن في الأصل قابلة للتفويت ولا للحجز، بل كانت تسير وفق أعراف ذات الجماعة لانتفاع أرباب العائلات منها أو من ينوب عنهم. ويبدو أن الإنتفاع أصبحت له مفاهيم أخرى فتحت الباب أمام تجاوز تأويلات تارة باسم العرف وتارة بمقتضى الظهير المذكور، حيث شكل الفصل 11 منه استثناء( يقضي بتفويت وحجز الأرض الجماعية)، يتناقض أصلا مع مبدأ عدم التفويت أو التمليك المنصوص عليه في النظام العرفي، ومن تم عدم الخلط بين مفهوم الأنظمة والقوانين العرفية وبين القرارات والأحكام العرفية.

لذلك فقد أدى الحراك الحقوقي و السياسي الذي خلفه هذا الإشكال إلى إصدار وزير الداخلية لدورية في 25 أكتوبر 2010 إلى ولات الجهات وعمال الجهات والعمالات وأقاليم ومقاطعات البلاد، تقضي بتغيير القواعد الجاري بها العمل على صعيد الجماعات السلالية، قصد تمكين النساء من الإستفادة إسوة بالرجال من العائدات المادية والعينية التي تحصل عليها هذه الجماعات إثر العمليات العقارية التي تجري على بعض الأراضي الجماعية، مع الحرص التام على تطبيق مقتضيات الدورية الوزارية رقم 51 بتاريخ 14 ماي 2007 حول مسطرة وضع لوائح ذوي حقوق الجماعات السلالية ذات الصلة، وكان ذلك بناء على فتوى شرعية صادرة عن المجلس العلمي الأعلى المغربي بتاريخ 18 ماي 2010 التي تؤكد على أحقية النساء في الإستفادة من الأراضي الجماعية أو القبلية. إلا أن الدورية لم تحدد نصيب النساء من هذه العائدات، على اعتبار الامر يعود في ذلك إلى تقاليد واعراف كل جماعة سلالية على حدة. فمن جهة يتهم العرف والتقليد الأمازيغي بالتمييز ضد النساء ومن جهة أخرى يعيد إليه حق التدخل والتصرف في النزاعات القائمة بين الرجال والنساء على أساس الإنتماء للأراضي الجماعية، وذالك في تحديد نصيب هاته النساء باعتبار الأمر يعود لأعراف وتقاليد كل جماعة سلالية على حدة. فلماذا إذن هذا الإجترار في المسؤوليات. ويبدو أن المجلس العلمي استدل بالآية 32 من سورة النساء” للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن” إلى غير ذلك من الآيات والأقوال الشرعية، وهو موقف ملتبس في تحديد نصيب كل امرأة بالنسبة للرجل، وكأنه حسب دورية وزارة الداخلية، يفتح المجال للاجتهاد واحتكام كل جماعة سلالية إلى أعرافها والتي وصفتها حيثيات الفتوى بأعراف وعوائد” كان عليها أهل الجاهلية قبل الإسلام….”، هذه اللغة التكفيرية المستعملة ضد الأعراف والتقاليد والعوائد وكذا ضد الجماعات السلالية التي تحتكم إليها، نابعة من التمييز العنصري الممارس على الأمازيغ سلالات وقبائل، أفرادا وجماعات، ثم نساء ورجالا من طرف أجهزة الدولة الدينية والعرقية. فالعاقل لا يمكن إطلاق هكذا أوصاف على نظام عرفي يتميز بمبادئ وقواعد ذات فلسفة وعمق سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ديمقراطي، يعتمد المناصفة بين الإناث والذكور حتى في الإرث في إطار نظام “تمازالت”، فضلا على أن الأراضي الجماعية هي ملك جماعي لقبيلة أو جماعة سلالية ينتفع كل رب عائلة منها، إسوة بالعائلات الأخرى، نيابة عن كل أفراد عائلته التي تشتمل على النساء والرجال وكذا على البالغين والقاصرين.

ترامي “مديرية الشؤون القروية” على اختصاصات مجلس الوصاية المخول له بمقتضى ظهير 6 فبراير 1963

أشرفت “مديرية الشؤون القروية” على برمجة وتنظيم أشغال الملتقيات الجهوية للحوار الوطني حول الأراضي الجماعية، وهو ما يعد تراميا على اختصاصات “مجلس الوصاية” المخول له بمقتضى ظهير 6 فبراير 1963. وبينما كانت الأضواء تسلط كثيرا على مناقشة “مجلس الوصاية على الجماعات السلالية ” واعتباره هو المكلف بتدبير أملا ك تلك الجماعات، إلا أن من بين أهم ما أبرزته تلك اللقاءات الجهوية، هو وجود جهاز إداري كبير جدا أسندت له صلاحيات واسعة هو” مديرية الشؤون القروية ” بوزارة الداخلية التي تم إحداثها بمقتضى مرسوم رقم 2.97.176 (15 /12/ 1997) في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الداخلية، هذه المديرية أسندت لها ممارسة الوصاية باسم وزير الداخلية على الجماعات السلالية و حددت مهامها بمقتضيات المرسوم وبصفة أساسية المادة 35 .

ولم يبق ل”مجلس الوصاية” إلا أداء فاتورة الأعطاب أو تقصير ” مديرية الشؤون القروية ” في إنجاز المهام والصلاحيات المسندة لها ، وهو أمر بدا جليا من خلال بعض المطالب بإلغاء “مجلس الوصاية “دون الإشارة لمسؤولية ” مديرية الشؤون القروية ” التي يشكل أطرها العليا أغلب مكونات وأعضاء “مجلس الوصاية. “..

وقد استعمل المرسوم عبارة أو تسمية” الجماعات السلالية “، في حين يستعمل النص الأعلى” الظهير” الذي صدر في إطاره النص التنظيمي تسمية أخرى وهي ” الجماعات وتحديد نظام الأملاك الجماعية”، فأي التسميتين هي الصحيحة؟ وما هي فلسفة اختيار تسمية دون أخرى؟….

كما أناط المرسوم التنظيمي بمديرية الشؤون القروية- بوزارة الداخلية- مهمة ممارسة الوصاية باسم وزير الداخلية على الجماعات السلالية، وكذا إدارة ممتلكاتها والمحافظة عليها والدفاع عن مصالحها وإعادة هيكلة الأراضي الجماعية…. في حين أن الظهير يسند هذا الإختصاص لمجلس الوصاية…. ولم ينص المرسوم التنظيمي على العلاقة القانونية بين مديرية الشؤون القروية ومجلس الوصاية.

في حين أسند المرسوم التنظيمي الوصاية لوزير الداخلية ضدا على مقتضيات الظهير الذي أسند ذلك لمؤسسة مجلس الوصاية المكون وفق الشكل المحدد في القانون. والذي لا يتكون فقط من مكونات وزارة الداخلية التي تتوزع على الشكل التالي: وزير الداخلية أو نائبه- رئيسا، مدير الشؤون السياسية أو نائبه، مدير الشؤون الإدارية أو نائبه، وعضوين إثنين يعينهما وزير الداخلية. بل يتكون كذلك من وزير الفلاحة والغابات أو نائبه ( مع العلم أنه وقع فصل قطاع الغابات عن وزارة الفلاحة، بعدما أسند تدبير الأملاك الغابوية للمندوب السامي للمياه والغابات- بدرجة وزير).

وقد جاء هذا المرسوم التنظيمي للتحايل على مقتضيات ظهير 1963، من خلال تركيز المسؤولية بيد مديرية الشؤون القروية لوحدها، التي تتوزع على شكل مصالح بعمالات وأقاليم البلاد، لتصبح أملاك الجماعات السلالية وجماعات القبائل تحت رحمة العمال والقياد، بل وتحت شطط سلطة أعوان المخزن، وقد نتج عن هذا الخلل في التدبير إهدار لهذه الأملاك واعتقالات في صفوف ذوي الحقوق.

“مجلس الوصاية ” اختصاصاته…. والتهرب من المحاسبة

يعتبر إسناد مهام وصلاحيات تدبير الأراضي الجماعية ل ” مديرية الشؤون القروية” بمقتضى مرسوم (15 /12/ 1997)، بدلا من ” مجلس الوصاية” بمقتضى ظهير 6 فبراير 1963، نوعا من خلق اللبس حول الجهة أو المؤسسة المسؤولة بشكل مباشر على هذا التدبير. مما ساهم في عدم تحديد المسؤول الرئيسي عن الإختلالات والإختلاسات التي طالت ممتلكات وعائدات استغلال الأراضي السلالية والتي تحال منذ ستينيات القرن الماضي على صندوق الإيداع والتدبير. وقد جاء ذلك للتستر على الجرائم الإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي خلفها تدبير مجلس الوصاية لهذا الملف، والذي ينفرد بقرارته الفوقية دون الرجوع إلى قرارات الجماعات السلالية التي تبلغه بها عن طريق نواب الأراضي الجماعية المفروض انتخابهم من طرف ذوي الحقوق، وذلك طبقا لمقتضيات ظهير 6 فبراير 1963 المعدل والمتمم لظهير 27 أبريل 1919، والذي يحدد العلاقة بين ملاك الأراضي الجماعية ومجلس الوصاية باعتباره أعلى هيئة إدارية وقضائية تعنى بهذا الملف، وليس تعيينهم من طرف أعوان السلط الإقليمية والجهوية.

وللتشويش على الرأي العام، وفي إطار لبس عدم تحديد المسؤوليات الإدارية والقضائية، تحال مختلف الآثار القانونية المترتبة عن عدم التقيد بمقتضيات ظهير 1963 ، وإحالة كل الجرائم المالية والإقتصادية والإجتماعية المرتكبة في هذا الشأن على منصوص ظهير 1919 . حيث وجهت اللجنة المشرفة على أشغال الحوار الوطني حول أراضي الجموع، أنظار الحضور إلى المطالبة بإلغاء الظهير الإستعماري المنظم لهذه الأراضي الصادر في 27 أبريل1919. إلا أنه وبالرجوع إلى الظهير المذكور ، لايوجد ما يحيل على”الوصاية إلى وزارة الداخلية ولا إلى غيرها»، لأن وزارة الداخلية لم تكن موجودة في ذلك الحين، وأن الصدر الأعظم هو الذي كان يقوم بتفعيل ما يقتضيه «تنظيم ولاية الدولة على الجماعات الأهلية وضبط تدبير الأملاك المشتركة بينها وتفويتها»، بمقتضى ظهير المقيم العام الفرنسي هوبير ليوطي، ولم تظهر «وصاية الداخلية» على الأراضي الجماعية إلا في عهد الإستقلال ، وذلك بمقتضى ظهير 28 يوليوز 1956، بتغيير الفصل الثالث من ظهير ليوطي، وحل محل «مجلس الولاية» الذي كان يترأسه قاضي بمحكمة الإستئناف آنذاك( عام 1919) ما سمي ب”مجلس الوصاية» الذي أصبح يترأسه وزير الداخلية بمقتضى ذات الظهير، حسبما وقع تغييره أو تتميمه بظهائرأخرى، كان آخرها ظهير 6 فبراير 1963 المتعلق ب”تنظيم ولاية الدولة على الجماعات وتنظيم الوصاية الإدارية عليها وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها”.

مشروع قانون 17-62 بشأن الوصاية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها المعروض على البرلمان

أحال الأمين العام للحكومة بداية السنة الجارية مشروع قانون 17-62 بشأن الوصاية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها على البرلمان، وذلك بعد أن صادق المجلس الوزاري على هذا المشروع الذي أعدته مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية.

وحول شكل هذا المشروع، انطلاقا من العنوان، فقد يطرح سؤال ما إذا كان يتعلق الأمر بالوصاية على الأراضي التي تعود ملكيتها للجماعات السلالية أم على الجماعات نفسها؟ هذا بالإضافة إلى عنوان مذكرة تقديم، أعدها وزير الداخلية لهذا الغرض، تحيل على بند عريض فضفاض( مشروع قانون يتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف المؤرخ في 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، كما تم تغييره وتتميمه….)، بماذا تم تغييره وتتميمه؟ أليس بظهير 6 فبراير 1963، فلماذا لم يتم ذكر هذا الظهير ومجموعة من المذكرات والمراسيم والقوانين المنظمة أو المعدلة أو المتممة لظهير 1919؟

وتشير مذكرة تقديم وزير الداخلية إلى أن هذا التغيير/ التتميم جاء بناء على توصيات الحوار الوطني حول الأراضي الجماعية، والتي من بينها إصلاح الإطار القانوني المنظم للجماعات السلالية وتدبير الأراضي الجماعية والذي سبقت الإشارة إليه.

أما من حيث مضمون المشروع، أحدث مجالس للوصاية على الصعيد الإقليمي إلى جانب مجلس الوصاية المركزي.

مجلس الوصاية / مجلس الوصاية المركزي…. التركيبات والإختصاصات

لقد سبقت الإشارة إلى تركيبة واختصاصات مجلس الوصاية طبقا لمقتضيات ظهير 1963، وليس استنادا إلى ظهير 1919 الوهم، وبعد 56 سنة من ممارسته للمهام المنوطة به، فيما يخص تدبير الأراضي الجماعية والبرمجة والتتبع والمراقبة، وبعد أن تم التشويش على اختصاصاته من خلال إسناد صلاحيات واسعة لمديرية الشؤون القروية بمقتضى مرسوم 15 دجنبر 1997، وذلك لأكثر من 20 سنة، تعود بنا وزارة الداخلية 100 سنة إلى الوراء، أي إلى ظهير 1919، لخلق مؤسسات أخرى جديدة/ قديمة تسند إليها مهام الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية . الحدث الجديد/ القديم هو إحداث “مجلس الوصاية المركزي”، فهل يتعلق الأمر بإحداث مجلس وصاية جديد أم بإعادة هيكلة مجلس الوصاية القديم، الذي توارى عن الأنظار، كما سبقت الإشارة إلى ذلك والذي يعد المؤسسة المسؤولة بشكل مباشر على الإختلالات والفساد الذي عرفته وتعرفه الأراضي الجماعية إلى حد الآن، سواء من خلال مباشرة صلاحياته في تدبير الأراضي الجماعية أو من خلال إسناد هذه الصلاحيات لمؤسسة أخرى وهي “مديرية الشؤون القروية”. وهذا التداخل غير المبرر إلا بمرسوم وزاري فضفاض، في صلاحيات المؤسستين، انعكس على مستوى الجهات والأقاليم، حيث تنفرد مصالح مديرية الشؤون القروية بتدبير أملاك الجماعات السلالية، وحيث عمال الجهات أو الأقاليم وقواد الدوائر الترابية هم من يديرون مصالح هذه المديرية. وهو ما جعل سوء تدبير الأراضي الجماعية يجد امتداداته في مختلف أجهزة السلطة حتى حدود سلطة الشيوخ والمقدمين، المؤثرين بشكل مباشر على قرارات نواب هذه الأراضي، بعد الإعتماد على التعيين وليس عن طريق اختيار ديمقراطي موكول لذوي الحقوق.

وللتستر على هذا السوء في التدبير وما ينتج عنه من تجاوز وترامي واستغلال النفوذ المؤدي بطبيعة الحال إلى اختلاس الأملاك والعائدات معا، وجدت وزارة الداخلية تخريجة أخرى، عن طريق إحداث مجالس وصاية إقليمية يترأسها عمال الأقاليم والجهات، حيث توكل الوصاية المحلية على الجماعات السلالية لهؤلاء العمال. وهو ما يطرح السؤال من جديد حول ما إذا تعلق الأمر بالوصاية الإدارية للعمال على الجماعات السلالية أم على الأراضي المملوكة لهذه الجماعات؟

فما هو الفرق بين الجهازين: “مجلس وصاية إقليمي” و” مديرية الشؤون القروية” الإقليمية ومصالحها الترابية، إذا كان عامل الإقليم يجمع بين يديه رئاسة الجهازين؟ وكيف يمكن استقلالية مؤسسة عن الأخرى؟ والحال أن الترامي على اختصاصات مجلس الوصاية من طرف مديرية الشؤون القروية على المستوى المركزي، جاء نتيجة إسناد رئاسة المؤسستين لوزير الداخلية، وهذا الترامي، من شأنه أن يمتد مؤسساتيا من المستوى المركزي إلى المستوى المحلي، وذلك استنادا إلى منصوص مشروع القانون 17-62، الذي استعمل عبارات مختلفة تارة يتحدث عن “سلطة الوصاية”، وأخرى عن “مجلس الوصاية”. فماذا تعني ” سلطة الوصاية” الواردة في أكثر من مادة( المادة 5، 18، 23…)، مما قد يخلق ارتباكا وتداخلا في الصلاحيات.

أما عن تركيبة وهيكلة المجلسين المركزي والإقليمي، دون ذكر علاقتهما ب”سلطة الوصاية”، فقد أسندت رئاسة مجلس الوصاية المركزي لوزير الداخلية أو من يمثله، ويتألف من ممثلين عن الإدارة وعن الجماعات السلالية، وذلك حسب المادة 32 من مشروع القانون.

كما أسندت رئاسة” مجلس الوصاية الإقليمي” لعامل العمالة أو الإقليم أو من يمثله، ويتألف من ممثلين عن الإدارة الإقلمية وممثلين عن الجماعات السلالية التابعة للعمالة أو الإقليم، حسب المادة 33. فأي إدارة يتحدث عنها المشروع؟ وهل توجد تمثيلية مركزية وإقليمية للجماعات السلالية ؟

هذه العبارات فضفاضة وتفتح الباب لعديد من التجاوزات واستغلال للنفوذ، فالحدود ينبغي أن تكون ضرورية ومتناسبة ولا يجب تطبيقها بكيفية تعسفية، زد على ذلك لا بد أن تكون هنالك، بالنسبة لكل قيد مفروض بمقتضى القانون، إمكانية الإحتجاج وجبر الضرر في حال التطبيق التعسفي، فالعقوبات المنصوص عليها في هذا الشأن، بناء على اعتبارات عائمة ومن شأنها أن تفسح المجال للتجاوزات والتعسفات، فمثل هذا الوضع كفيل بإلحاق الضرر بذوي الحقوق. فلا يمكن للمؤسسات المشاركة والداعمة للتعسف والتجاوز أن تجد نفسها ملزمة بالإمساك عن الحياد في قضية معروضة في انتظار بث إحدى مجالس الوصاية. فمثلا عندما يأمر وزير أو أحد العمال بفرض قيود وعقوبات عبر محاكمات قضائية أو بإصدار قرار( لمجلس الوصاية قرارات إدارية وقضائية)، فإن السؤال المطروح هي معرفة ما إذا كان هنالك من آلية للتصحيح الفعال تسمح بالمنازعة في هذا التقييد ومن وسيلة للطعن ضد الشطط في تطبيقه. وهل تتوفر في ذوي الحقوق الصفة للمنازعة في قرار جائر مثلا، اتخذه مجلس الوصاية بصيغتيه المركزية والإقليمية، أم أن الوصاية مفروضة على ذوي الحقوق وممتلكاتهم على السواء. وما إذا كان ذوي الحقوق طرفا معنيا في القضايا الجنائية المنصوص عليها، حيث تمثل النيابة العامة الصالح العام.

توصيات التجمع العالمي الأمازيغي:

وبدوره يوصي التجمع العالمي الأمازيغي ب:

  • رفع الوصاية كيف ما كان نوعها عن الجماعات السلالية والقبلية مع اعتماد القوانين العرفية في إطار التطابق مع مبادئ حقوق الإنسان و الديمقراطية وبدون أي تمييز بين الرجال و النساء أو بين البالغين والقاصرين.
  • إعادة كل الأراضي والغابات والموارد إلى الجماعات والأفراد والقبائل التي كانت تملكها أو تنتفع بها وانتزعت منها في عهد الحماية أو في عهد الإستقلال بدون احترام الموافقة المسبقة الحرة والمستنيرة، مع التعويض العادل والمنصف في إطار قواعد جبر الضرر؛ على أن يتم إخضاع حسابات الجماعات السلالية والقبلية، التي من المفروض أن تكون على شكل أرصدة مالية بصندوق الإيداع والتدبير، للتدقيق المالي وتسليمه لذويه.
  • تشكيل لجنة تقصي حقائق تتكون من ممثلي ذوي الحقوق بشأن تفاصيل كل الموارد المالية التي كانت تسيرها مصالح وزارة الداخلية وإعلان مداخل صنادقها ومصاريفها.
  • الكف عن السياسة التي تنهجها الدولة ومصالحها الوطنية والمحلية في نزع ومصادرة الأراضي الجماعية بطرق ملتوية وممنهجة.

إعداد سعيد باجي

شاهد أيضاً

ندوة دولية بأكادير حول أهمية التربة في التنمية المستدامة

افتتحت يوم الاثنين فاتح يوليوز بأكادير ندوة دولية حول موضوع “متجذرة في القدرة على الصمود: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *