على طريق رملي في شمال شرق سوريا، تنتظر امرأة مع اطفالها الأربعة بالقرب من لافتة خضراء جديدة كتب عليها جولدارا، وهو الاسم الكردي الذي استعادته القرية مؤخرا بعدما كانت تعرف منذ عقود بقرية شجرة.
في الجهة المقابلة، يعمل الرجل السبعيني عبد الرحمن حواس حمو في فناء منزله على اصلاح شاحنة بيضاء قديمة الطراز. ويشرح بالكردية لوكالة فرانس برس أن جولدارا التي تعني بالعربية برية تكسوها الاشجار كان اسم القرية قبل أن “تعربه الحكومة السورية العام 1962 ويتحول الى شجرة”.
وتعد هذه القرية التي تحتفظ بمنازلها الطينية المتواضعة وتضم قلة من السكان، واحدة من عشرات القرى والبلدات التي تعمل الادارة الذاتية الكردية في محافظة الحسكة منذ اشهر على اعادة اسمائها الكردية اليها تدريجيا بعد تعريبها منذ اكثر من اربعة عقود.
وقبل اندلاع النزاع السوري في آذار/ مارس 2011، عانى الاكراد الذين يشكلون اكثر من عشرة في المئة من السكان، من التهميش على مدى عقود، وكان العديد منهم محرومين من الجنسية السورية. لكن بعد نحو شهر من اندلاع النزاع، حاولت السلطات استرضاءهم، فأعلن الرئيس بشار الاسد منح الجنسية السورية لعشرات الالاف منهم في محافظة الحسكة.
وفي العام 2012، انسحبت قوات النظام تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية. وتحدثت تقارير عن “تفاهم ضمني غير معلن” بين الطرفين او عن التقاء مصالح. وتصاعد نفوذ الاكراد الذين اعلنوا إدارة ذاتية مؤقتة في ثلاث مناطق من سوريا هي الجزيرة (الحسكة)، وعفرين (ريف حلب)، وكوباني (في محافظة حلب أيضا). وسمّيت هذه المناطق “روج آفا”، أي غرب كردستان. وفي آذار/ مارس الماضي، أعلنوا النظام الفدرالي.
وباتت الادارة الذاتية المرجعية التي تتولى تسيير شؤون الناس وإدارة المؤسسات والخدمات، واتخذت سلسلة إجراءات أبرزها إدخال اللغة الكردية الى المناهج الدراسية.
وعلى غرار جولدارا، استعادت قرية تل احمر في ريف مدينة القامشلي قبل اسابيع اسمها باللغة الكردية وهو كرسور.
ويقول المزارع الستيني شيخموس رشو لفرانس برس بالكردية “قريتنا تاريخية وموجودة منذ مئتي عام، لكنهم غيروا أسماء القرى الكردية الى العربية ليقولوا مستقبلاً انها قرى عربية ولابعادنا عن قوميتنا الكردية ومنع لغتنا”.
استعادة لا تغيير
في الطابق الثاني من مبنى هيئة البلديات في مدينة القامشلي، يوضح الرئيس المشترك لهيئة البلديات في مقاطعة الجزيرة جوزيف لحدو لفرانس برس ان ما يجري “ليس تغييرا لاسماء المدن والقرى وانما اعادة اسمائها الطبيعية التاريخية الى سجلات الادارة الذاتية رغم بقائها معربة في سجلات الدولة”.
ويوضح ان “نسبة تعريب اسماء المناطق الكردية كانت اكثر من سبعين في المئة”.
وتهدف العملية التي تتولاها لجنة تجول على المناطق وتلتقي المجالس الشعبية وكبار السن، وفق لحدو، إلى “الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية” للمناطق الكردية.
بعد استعادة الاسم الكردي، تبدأ الادارة الذاتية، وفق لحدو، “التعامل به في سجلاتها ومراسلاتها، وكذلك في الخرائط مرفقة بالاسم العربي بين قوسين لتعريف السكان به”.
في مدينة عامودا، تمكن فريق فرانس برس من الدخول الى مبنى السجل المدني، المؤسسة الحكومية الوحيدة التي لا تزال تعمل في المدينة، حيث عاين السجلات الرسمية التي تظهر اسماء المناطق بالعربية.
وبحسب موظف في السجل رفض الكشف عن هويته، “حتى أسماء المواليد كانت تحتاج إلى موافقات أمنية ويتم تعريبها”.
وبدأت عملية التعريب بعد اجراء السلطات السورية احصاء استثنائيا في محافظة الحسكة في العام 1962، تم على أثره تجريد الاف الاكراد من الجنسية السورية. كما لم يكن في امكان الاكراد تعلم لغتهم في المناهج الرسمية، أو إحياء تقاليدهم مثل احتفالات عيد النوروز.
500 إسم معرب
ويوضح الباحث الكردي زوهراب قادو لفرانس برس في مكتبه في مدينة القامشلي حيث تتكدس عشرات الكتب والموسوعات انه “تم تعريب اسماء اكثر من 500 قرية في منطقة الجزيرة من العام 1978 حتى 1998″، وبينها مدينتا كوباني (عين العرب) وآفرين (عفرين).
ويلفت الى ان مدينة ديريك مثلا تحول اسمها الى المالكية في العام 1957 “تخليدا لذكرى عدنان المالكي”، احد مؤسسي الجيش السوري، ما يعني ان “تلك الاجراءات لم تكن بريئة وموضوع التعريب كان مخططا له”.
وبهدف “اضفاء الطابع العربي على المناطق ذات الغالبية الكردية”، عملت الحكومة السورية وفق قادو “بين 1974 و1975 على توزيع اراض في القرى الكردية على عرب قادمين من الرقة (شمال) يعرفون بـالمغمورين”.
ويطلق الاكراد تسمية المغمورين على افراد العشائر العربية الذين جاؤوا من الرقة الى الحسكة، بعدما فاض نهر الفرات على اراضيهم الزراعية.
في قرية هيمو حيث يقيم سكان اكراد وعرب، يقول احمد العبدولي (45 سنة) لفرانس برس “جئت مع عائلتي من الرقة في فترة السبعينات وتغير اسم القرية حينها الى هنادي، قبل ان تستعيد اليوم اسمها السابق هيمو”.
وبعد البدء بتعريب اسماء المناطق، اتخذت بلدية مدينة عامودا في محافظة الحسكة قرارا بتغيير اسماء الشوارع والمحلات الى اللغة الكردية ولغة اخرى، اما العربية او السريانية.
وسارع السكان إلى تطبيق هذه الاجراءات وبينهم عدنان هوشي الذي يطلق عليه تحببا اسم “ابو هجار”، وقد كتب بالكردية على واجهة محله موالح هجار.
ويقول بثقة وفخر لفرانس برس “هذا نصر ان نكتب اسماء محلاتنا باللغة الكردية”.
المصدر: وكالات دولية
و لماذا لا نقوم نحن الأمازيغ بتمزيغ ما عربه الأعراب في كل من “زيري” (الجزائر) و أمورأكوش (المغرب) و أموريطان (موريطنيا) و ليبيا و تونس ؟