الأمازيغية بين الاستبداد و جلد الذات

ذ. محمد أمدجار

منذ بزوغ فجر الحركة الأمازيغية في صيغتها العصرية و فعالياتها تخلق الديناميات تلو الأخرى في سبيل حماية الأمازيغية و صيانة حقوقها ، ففكرت و تأملت و انتقدت و اقترحت و رافعت و قاومت لكي تعيش الأمازيغية وضعها الطبيعي الذي تستحقه على أرضها ، و لكي يعيش الأمازيغ على إيقاع الكرامة و الكبرياء كما اعتادوا على ذلك دوما ، و هي الغاية التي فهم الجميع أنها ليست سهلة بالمطلق ، فقدمت الحركة الأمازيغية صورا مجيدة من الشهداء و المعتقلين ، و قدم مناضليها التضحيات الجسام ، و تمسكوا بقناعاتهم و قضيتهم في جو سياسي و حقوقي لا يؤمن إلا بالنار و الحديد منهجا و بالإقصاء و التمييز و العنصرية سبيلا .

خلال اجتيازها لهذا الدرب (الذي لا زالت تقطعه ) صاغ مناضليها صفحات براقة و سجلوا حضورا قويا إن على المستوى الفكري و السجالي أو على المستوى النضالي الميداني في لحظات كثيرة ، كما بصمت على حضور باهث و دون المنتظر منها في لحظات أخرى ، و هو أمر نراه مفهوما و مبررا ، لأنه يعود لأسباب ذاتية و موضوعية يستوعبها كل من عاش الوضع من الداخل .

إن الحركة الأمازيغية هي حركة احتجاجية تصحيحية ترفض وضعا كائنا و تنظر ( التنظير ) لوضع يجب أن يكون و تناضل من أجله ، و هذا الوضع الذي ترفضه و تنتقده ، هناك مؤسسات و شخصيات و لوبيات تستفيد منه ، و هذا الوضع الذي تناضل من أجله من شأنه أن يغير الخريطة و يعصف بالمواقع و يفتح الباب على مصراعيه لتندفع رياح التغيير في اتجاهات قد لا تروق للبعض . هؤلاء و أولئك لن يقدموا الورود للحركة و لن يستقبلوا خطابها بالعناق و الزغاريد ، بل سيستنفرون كل الٱليات المشروعة و غير المشروعة و سيكذبون و سيهددون و سيبلورون الأساطير و سيستعينون بالعصا و الجزرة من أجل إبقاء دار لقمان على حالها مادام السيد لقمان مستعد لخدمتهم و حماية مصالحهم و التستر على جرائمهم .

لذلك فمضمون المشروع الذي تعمل من أجله الحركة الأمازيغية هو المعطى الأساسي الذي يمكن أن نرجع إليه سبب قلة النتائج المحققة ( رغم أهميتها ) مقارنة مع غنى التجارب التي راكمتها الحركة و حجم التضحيات التي قدمتها ، لأن الخطاب و المبادئ اللذان يتشبع بهما مناضلي الحركة و يؤمنون بهما و المبنيان بالأساس على العقلانية و النسبية و العلمانية و التعددية و العدالة و المساواة و التشبع بقيم تموزغا ، لا يمكن في الحقيقة ، غرسها في مناخ يسوده الظلم و الإقصاء و التمييز العرقي و العقدي و التفكير الخرافي اللاهوتي ، و من تمت فملامسة بعض مظاهر المشروع المجتمعي و السياسي للحركة الامازيغية على أرض الواقع يتطلب تغييرا جذريا و تضحيات أكثر و ربما وقتا أطول ، لأن جيوب المقاومة لن تتنازل عن كعكة تذوقوا لذتها ، بالسهولة التي يتخيلها البعض منا ، لذلك وجب على الجميع استحضار كل المعطيات الذاتية و الموضوعية الكفيلة بجعلنا نقيم ( التقييم ) بشكل موضوعي أداءنا و أداء من سبقونا ، و عدم الاكتفاء بجلد الذات بشكل باتولوجي يتجاوز نقد الذات من أجل تطويرها و دفعها إلى تحسين الأداء ، و الذي يعد أمرا مطلوبا .

إن طبيعة الخطاب الذي تتبناه الحركة الأمازيغية و المبادئ التي تحملها و الشروط الموضوعية التي تؤدي فيها رسالتها النبيلة ، جعل مناضليها يطرحون في كل مرة سؤال : ما العمل ؟ و كيف العمل ؟ السؤالان اللذان دفع تكرارهما بعضنا إلى الاعتقاد بأن ذلك يترجم نوعا من فقدان البوصلة و نوعا من الارتباك ، بحيث يتأسفون و يتذمرون كلما سمعوا أصوات تعيد طرح هذين السؤالين في كل محطة ، في حين أننا نرى في ذلك تعبير عن وضع صحي و سليم جدا ، لأن الحركة الأمازيغية تمارس ديناميتها في شروط متحركة و متغيرة باستمرار ، فلكل مرحلة خصائصها و ٱلياتها و مستجداتها ، و بالتالي فالبحث عن تغيير ٱستراتيجيات العمل في كل حين يبين بجلاء يقظة الحركة و واقعيتها و مواكبتها الدقيقة لكل ما يحدث في الساحة التي تقاوم فيها ، لكي لا تقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها اليسار المغربي على سبيل المثال ، و بالتالي فسؤال ما العمل ؟ لن يكون أبدا سؤالا متجاوزا أو عقيما ، بل هو سؤال يحيل على القراءة المستمرة و الموضوعية للشروط التي نعمل فيها ، و على صيانة بوصلة تحركاتنا بحسب ما يستدعيه واقعنا . و سيضل سؤالا حاضرا في أذهان مناضلي الحركة و على رأس قائمة هموم و اهتمامات تنظيماتها .

في سياق التفاعل مع سؤال ما العمل ؟ اجتهد مناضلي الحركة الأمازيغية و أبدعوا في اقتراح استراتيجيات العمل المناسبة كل من زاويته الخاصة ، و هو أمر لا يمكن إلا تثمينه مادام نابعا من الغيرة على لغة و أرض و إنسان نتقاسم النضال من أجلهم جميعا ، إلا أنه من الضروري الإشارة إلى أنه لا يمكن أبدا أن نتخندق جميعا في خندق واحد و لا يصح أبدا أن نقدم سبيلا واحدا على أنه الحل السحري الوحيد الذي سينهي ٱلامنا و يشفي جراحنا ، بل إننا في حاجة إلى قصف من أراد أن يكون عدوا لقضيتنا المشروعة من مختلف الجهات و بمختلف الأسلحة .

إن قضية متشعبة و مصيرية من حجم القضية الأمازيغية لا تسعها استراتيجية واحدة مهما بلغت قوتها و فعاليتها ، و ليس من الحنكة في شيء توهم إمكانية حلحلتها بورقة معينة . فقد يفشل الحزب و يستمر النضال من أجل الأمازيغية ، و قد تفشل الجمعية السياسية و يستمر النضال من أجل الأمازيغية ، و قد تفشل التنظيمات المدنية و التنسيقيات أو تضعف و يستمر النضال من أجل الأمازيغية ، و بالتالي فاقتراح ٱلية ما باعتبارها وسيلة من بين وسائل أخرى هو أمر مستحب و مرغوب فيه ، أما اقتراح ٱلية عمل معينة باعتبارها بديلا يحل محل غيرها فهو من قبيل العمى الإستراتيجي الذي سيجعل الهمم تخور و سيجعلنا نهدر زمنا نضاليا نحن في أمس الحاجة إليه ، لأن الحركة الأمازيغية تناضل ضد مأسسة الظلم و الإقصاء و ضد عقليات مازوشية حرص المخزن على تنشئتها بطريقة تجعلها تستمتع باحتقار ذاتها ، و كذلك ضد الزمن القاسي الذي يصر على إذابة بعض ملامح هويتنا في ثنايا أيامه و شهوره و سنواته .

إن الأمازيغية كقضية شاملة لم تغفل أي مكون ذي صلة بالإنسان كقيمة عليا ، إذ تعانق فيها الهم الهوياتي و السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و الحقوقي ، في أمس الحاجة للفاعل السياسي و المدني و الأكاديمي ( الأمازيغي طبعا ) ، و في أمس الحاجة إلى تضافر كل الجهود و من مختلف المواقع لحماية رأسمال رمزي و مادي يشكل أهم معالم وجودنا كذوات لا غربية و لا شرقية .

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *