نظمت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، مساء الجمعة 25 نونبر 2022، بالرباط، ندوة فكرية بمناسبة الذكرى 55 لتأسيسها حول موضوع: “الأمازيغية من المطلب إلى سبل تفعيل الطابع الرسمي: أية استراتيجية وأية تدابير؟”.
وفي كلمة افتتاحية للندوة، قدم عماد المنياري، الرئيس الحالي للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، سرد كرونولوجي لتأسيس الجمعية وبداية تشكل الوعي الأمازيغي، وقال إن “بوادر الوعي العصري للهوية الأمازيغية ورد الاعتبار لها والحفاظ عليها بدأ منتصف ستينيات القرن الماضي من قبل ثلة من نخبة ذات تكوين جامعي ومن أصول قروية، والتي استقرت في المدن الكبرى بحكم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي عرفها المجتمع المغربي اثر تعرضه للاستعمار الغربي”.
وأضاف أن “النواة التنظيمية الأولى للحركة الأمازيغية بالمغرب انطلقت بتاريخ 10 نونبر 1967 بإحداث الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالرباط من قبل ذاك الشاب المتعلم الذي أصبح فيما بعد يشكل نخبة الحركة الأمازيغية التي بلورت خطاب وفعل الحركة الأمازيغية”، مشيرا إلى أن الحركة الأمازيغية اعتمدت في بدايتها أسلوب التدرج وقوة الخطاب والحجة ونهج الحوار وتفادي الخطاب العاطفي وذلك في سياق مغرب الستينيات والسبعينيات الذي كان تطغى فيه على النخب الفكرية والسياسية خطابات القومية العربية والتعريب وبعض التوجهات اليسارية والتي كانت جلها تنظر إلى الأمازيغية بنظرة سلبية”.
واعتبر المنياري في سياق كلمته أن ” ما عزز هذا التوجه هو خطاب الأحزاب السياسية المنبثقة على الحركة الوطنية والتي وظفت أحد الظهائر السلطانية لتنظيم القضاء في بعض المناطق الناطقة بالأمازيغية كوسيلة للتعبئة السياسية والوطنية بخلفية دينية”.
وأشار المتحدث إلى أن “الخطاب الملكي للملك الراحل الحسن الثاني سنة 1994 مباشرة بعد ما يطلق عليه في أدبيات الحركة الأمازيغية باعتقالات كلميمة شكل أول تفاعل رسمي من أعلى سلطة في البلاد مع مطالب الحركة الأمازيغية وتالها بعد ذلك إحداث ما عرف بنشرة اللهجات في التلفزة الرسمية المغربية والتي اعتبرها العديد من المتخصصين استجابة جزئية وبادرة إيجابية تجاه مطالب الحركة الأمازيغية “، وزاد “انتظارات الحركة الـأمازيغي كانت كبيرة من تعديل الدستور لسنة 1996 إلا أنه جاء خاليا من الإشارة إلى الأمازيغية”.
واعتبر رئيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي أن الخطاب الملكي بأجدير لسنة 2001 أول إشارة واضحة إلى استيعاب مطالب الحركة الأمازيغية حيث أكد جلالة الملك محمد السادس أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية وأن النهوض بها يعد مسؤولية وطنية ومسؤولية جماعية وأن الأمازيغية رصيد مشترك لجميع المغاربة بدون استثناء”، مضيفا أن “هذا الخطاب جاء متناغما مع شعارات وأدبيات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وجزء مهم من الحركة الأمازيغية”، مشيرا إلى إعلان الخطاب الملكي عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي كان من المطالب الأساسية المسطرة في ميثاق أكادير للغة والثقافة الأمازيغيتين لسنة 1991 الموقع عليه من قبل ست جمعيات من مكونات الحركة الأمازيغية “.
واسترسل المنياري في سياق كلمته “شكل دستور 2011 بالنسبة للأمازيغية مرحلة جديدة من خلال الاعتراف بها في تصدير الدستور كمكون أساسي للهوية الوطنية الموحدة واعتبره الفصل الخامس منه لغة رسمية للدولة بكونها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة مخصصا قانونا تنظيميا يحدد مراحل تفعيل طابعها الرسمي مع إحداث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية مهمته على وجه الخصوص حماية وتنمية اللغتين الرسميتين الأمازيغية والعربية “.
وتساءل المتحدث، بعد 11 سنة من دخول الدستور حيز التنفيذ عن وضعية الأمازيغية وما الذي تحقق لصالحها خلال هذه المرحلة، مضيفة أنه “كان على الأمازيغية أن تنظر أكثر من 08 سنوات ليصدر القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها بالحياة العامة ذات الأولوية في شتنبر 2019، وتسع سنوات ليصدر القانون التنظيمي المتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية سنة 2020”.
وقال “إلى حدود اليوم لم يتم الإحداث الفعلي لهذه المؤسسة العامة والمنوط بها حماية وتنمية اللغة الأمازيغية مما يشكل هدرا كبيرا للزمن لا يخدم استمرار اللغة والثقافة الأمازيغيتين”، وأشار من جهة أخرى إلى الإحصاء العام للسكنى الذي قام به المغرب سنة 2014، مشيرا إلى أن “أظهر تراجعا كبيرا في استعمال مختلف فروع اللغة الأمازيغية، ورغم الملاحظات التي يمكن تسجيلها على منهجية الإحصاء إلا أن ما هو أكيد هو التراجع الواضح لاستعمال اللغة الأمازيغية بحكم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المغرب” يورد المتحدث.
وأكد عماد المنياري على أن “الوضعية الحالية للأمازيغية في المغرب تستدعي من الجميع بشكل متبصر قراءة المشهد بنبرة تتآلف مع المتغيرات التي يشهدها العالم ويستحضر كل التراكمات وذلك في إطار وقفة تأمل وطنية يمكن أن تكون عبر مناظرة وطنية أو أي شكل من أشكال التفكير الجماعي بهدف تدارك الخطر الذي يهدد وجودها في أرضها أمام ضعف التدابير والهدر الكبير للزمن مع ضرورة الضغط لاتخاذ تدابير تعتمد مبدأ التمييز الإيجابي لصالح الأمازيغية “.
وشدد رئيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، على أن “الوضعية الحالية للأمازيغية تسائل كذلك مختلف مكونات الحركة الأمازيغية حول اختياراتها السابقة والحالية واستراتيجية العمل من أجل تحقيق مطالبها”، مشيرا إلى أن “مسار ووثيرة تفعيل طابعها الرسمي لا تخدم اللغة والثقافة الأمازيغيتين”.
وشهدت هذه الندوة مشاركة كل من محمد بن عبد القادر الوزير السابق، والوزير السابق مصطفى الخلفي، بالإضافة إلى الفاعل الأمازيغي والكاتب المسرحي أحمد زاهد والباحث في الثقافة الأمازيغية، الحسين آیت باحسين، وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار محي الدين حجاج نيابة عن الوزير السابق محمد أوجار الذي تعدر عليه الحضور والمشاركة.
الرباط/ منتصر إثري