الأمازيغ.. هل يدينون بالولاء للدولة أم للعشيرة؟

يتوزع أمازيغ المنطقة المغاربية على أغلب دول الشمال الأفريقي، ويتقاسمون تقاليد ورثوها عن أجدادهم، الذين سكنوا هذه المنطقة قبل قرون.

ويسود المجتمع الأمازيغي تنظيم محكم للعلاقات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، يحتكم القبائل في الجزائر إلى ضوابط تعطي انطباعا بأنهم يمارسون ديمقراطية تشاورية على مستوى القرى والمداشر المترامية بين بومرداس وتيزي وزو وبويرة وبجاية، وبالتالي لا يدينون، حسب هذا التصور، بالولاء سوى لمؤسسات القبيلة.

فهل يعني هذا أن الأمازيغ لا يدينون بالولاء للدولة؟

بالجزائر.. صراع وعلاقة حذرة

خلال صراع أمازيغ الجزائر، خاصة القبائل، مع السلطة، من أجل الاعتراف بهويتهم، وترسيم اللغة الأمازيغية، دعا نشطاء الحركة الأمازيغية مجموع القبائل إلى الامتناع عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة، وهو ما عُرف فيما بعد بـ”إضراب المحفظة”، وقد دام موسما دراسيا كاملا سنة 1990.

وأعطت استجابة الدولة الجزائرية لنداء الحركة الأمازيغية، التي تضم جمعيات مطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية، صورة عن قوة حضورها في منطقة القبائل. فقد “كان المشهد نوعا من العصيان المدني”، تقول الناشطة الأمازيغية، حياة عبة.

وترى عبة أن القبائل، والأمازيغ بشكل عام، يولون أهمية كبيرة لما يصدر عن الهيئات التي تعنى بمشاكل الهوية والنضال، بقدر الأهمية التي يعطيها المواطن عامة للقانون الذي تحتكم إليه الجماعات المحلية، مثل البلدية والولاية.

من مظاهرات 14 يونيو 2001 بالجزائر

وفي حديث لـ”أصوات مغاربية”، تضرب عبّة مثالا بـ”حركة العروش” التي التفت حولها القبائل لتمثيلها في الحوار مع السلطة خلال أحداث “الربيع الأمازيغي الأسود” سنة 2001.

“السلطات بالجزائر تعرف جيدا أن حركة العروش تتمتع باحترام القبائل أكثر من المجلس الولائي، أو حتى الأحزاب السياسية”، تردف الناشطة الأمازيغية.

وتتابع المتحدثة ذاتها: “تعتقد القبائل أن من واجبها الانصياع للعشيرة أولا، ثم للسلطة”، مضيفة أن للقبائل “علاقة حذرة مع السلطة”.

في تونس والمغرب.. نقاش الولاء

في المقابل، ترى الناشطة الأمازيغية التونسية، مها الجويني، أن أمازيغ تونس، بالرغم من انتصارهم لهويتهم وتمسكهم بأصالتهم، ومطالبتهم بالاعتراف بهم كمكون أساسي في المجتمع التونسي، حبسها، فإنهم “يدينون بالولاء للدولة ممثلة في مؤسساتها”.

وفي حديث لـ”أصوات مغاربية”، توضح الجويني أن الولاء يجب أن يكون للدولة، فهي التي تتمتع باعتراف دولي، وتمضي الاتفاقات الدولية التي تحدد علاقة المجتمع بالمجتمعات الأخرى.

“أنا أمازيغية، وناشطة حقوقية، لكن ولائي للدولة، لأنها تقوم على مؤسسات معترف بها”، تزيد الناشطة الأمازيغية التونسية موضحة.

أما في المغرب، ورغم استمرار الحراك من أجل تعزيز الهوية الأمازيغية، إلا أن ذلك لم يؤثر على علاقة الأمازيغ بمؤسسات الدولة، إذ تخلى أغلبهم عن المؤسسة التي كانوا يحتكمون إليها إبّان الاستعمار، وهي “أمغار”، أو شيخ القبيلة أو العشيرة، الذي يُستشار في كل صغيرة وكبيرة، ثم يتخذ برأيه عن طيب خاطر أو عن إذعان.

هذا ما تؤكده رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي بالمغرب، أمينة ابن الشيخ، موضحة أن “احتكام أمازيغ المغرب للعشيرة، توقف بمجرد استقلال البلاد، وقيام مؤسسات الدولة”.

“في مغرب الاستقلال، أصبحت الدولة هي الممثل الوحيد للسلطة، ومن ثم انتقل الولاء من العشيرة إلى السلطة أوتوماتيكيا”، تردف ابن الشيخ.

وتضيف: “ليست لأمغار أي سلطة على توجهات الأمازيغ اليوم، ومعظم مسائل الأمازيغ تعالج ضمن إطار الدولة”، ثم تردف: “نائب السلالية (قبيلة تجمع بينها علاقات دم) مثلا، ينوب عن الأمازيغ ضمن صلاحياته، وهو شكل آخر من الولاء للدولة”.

في ليبيا.. لمن الولاء؟

من جهته، يرى الناشط الأمازيغي الليبي، مادغيس ؤمادي، أن مصطلح الولاء “مطاطي”، ولا يمكن وصف “اتباع مرحلي” بالولاء، على حد قوله.

ؤمادي، وبخلاف الآراء السابقة، يرى أن الولاء له عدة مستويات، فقد يحتكم الأمازيغي إلى عشيرته أو إلى السلطة تبعا لحاجته.

وفي حديث لـ”أصوات مغاربية”، يوضح الناشط الأمازيغي الليبي أن “الأمازيغ يتمتعون بروح وطنية لا يمكن لأحد أن يشكك فيها”، ويرى أن ولاءهم، في مسائل خاصة بالقبيلة أو العشيرة، ليست نكرانا لمؤسسات الدولة بقدر ما هي ممارسة اجتماعية متوارثة، فـ”اختلاف الأخ مع أخيه، يمكن أن يُعالج على مستوى القبيلة ما لم يرتكب أحدهما جرما يعاقب عليه القانون”.

وفي تصوره، فإن ولاء الأمازيغ للعشيرة، كان سائدا في القدم، عندما لم يكن مصطلح الدولة ككيان سلطوي متضحا بعد.

ويعتبر مادغيس ؤمادي أنه لا يوجد ولاء مطلق للدولة في المجتمع الأمازيغي، معتبرا أن القانون يحدد المسائل التي تستوجب الولاء للدولة، وبالتالي فإن الأمازيغي، حسب المتحدث، “ومن منظور المواطنة يستن بقوانين الدولة التي ينتمي إليها، إذا تعلق الأمر بنوازل قانونية، وبخلاف ذلك، فهو يأتمر هرميا بأوامر شيخ القبيلة أو الهيئة المتعارف عليها في كل مجتمع”.

المصدر: أصوات مغاربية

شاهد أيضاً

ندوة دولية بأكادير حول أهمية التربة في التنمية المستدامة

افتتحت يوم الاثنين فاتح يوليوز بأكادير ندوة دولية حول موضوع “متجذرة في القدرة على الصمود: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *