الأمازيغ والإرتداد نحو العروبة والديكتاتورية

بقلم: ساعيد الفرواح

في المغرب وليبيا وتونس والجزائر، لا يبدوا أن ثمة ما يدفع الأمازيغ ليستكينو لكل هذا الهدوء والصمت، مع كل الأخطار المحدقة بهم، فبعد ثلاث سنوات من اندلاع ثورات أريد لها أن تؤسس لربيع ديمقراطي في شمال افريقيا، تسير سفينة المنطقة معاكسة لرياح الديمقراطية، ولا يبدو أن عرب الخليج بعيدين عن كل ما يحدث.

سنة 2011 حين اندلعت احتجاجات الشباب بالمغرب موازية للثورة الليبية وعقب ثورة تونس، سارعت دول الخليج إلى التقدم بطلب غريب للمغرب، كسر الجغرافيا ومنطق التكتلات الاقتصادية والسياسية، وهو الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، ولم يكن ثمة ما يفسر هذه الرغبة الخليجية التي لم تنفذ بسبب معارضة نساء الخليج لها حسب ما قيل حينها، ورفض المغرب خوفا من عواقب غير محمودة، سوى الخوف الذي تملك أنظمة العرب من ثورة تضع حدا لنهاية حكمهم. ولكن بالتأكيد حتى وإن لم يكن ثمة انضمام مباشر للمغرب أو غيرها من دول شمال افريقيا لمجلس التعاون الخليجي، فيبدوا أن لهذا الأخير نفوذ كبير على المنطقة.

في ليبيا مكونات كثيرة تعادي الأمازيغ والديمقراطية لا تخفي ارتباطها بقطر أو السعوية، ويبدوا أن هاتين الدولتين وخاصة السعودية، هما من تقودان سفينة العرب المهترئة بعد سقوط وضعف أنظمة البعث خاصة في العراق، وسوريا، وتراجع النفوذ المصري عقب الثورة، وسقوط نظام القدافي، ولو حاولنا النظر للتغيرات التي تحدث بشمال افريقيا من زاوية دول الخليج، فسنرى أمرين يتمثل الأول في التوجه الحتمي للمنطقة نحو الديمقراطية والليبرالية، وكذا النفوذ المتنامي للأمازيغ.

بالتأكيد سيكون الخاسر الأكبر من نجاح أي دولة من دول شمال افريقيا في التأسيس لكيانات ديمقراطية ناجحة، هو بقية دول شمال افريقيا والشرق الأوسط الديكتاتورية، التي ستتطلع بالتأكيد شعوبها لتكرار سيناريو الثورة في بلدانها كطريق وحيد لإنتزاع حقوقها كاملة غير منقوصة، ونتذكر جميعا كيف حولت بعض الجماعات والدول في فترة من الفترات “العراق”، لمستنقع لم تستطع أمريكا الخروج منه إلا بتغيير شامل لإستراتيجيتها المتمثلة في تغيير ودمقرطة الأنظمة المعادية بالقوة العسكرية، لأن السماح بنجاح أمريكا في العراق يعني بشكل أوتوماتيبكي لدى دول معينة، أن هذه الأخيرة ستواصل سياستها العسكرية لتغيير الأنظمة، وربما تنتقل لايران أو حتى السعودية التي تتوجه نحوها الأصابع كلما كان ثمة تغيير في شمال افريقيا أو الشرق الأوسط، وخاصة إن تعلق الأمر بدمقرطة الدول بأي شكل كان.

يؤمن عرب الخليج بشكل راسخ، بكون منطقة شمال افريقيا أرضا فتحوها وغزوها، وانتصروا فيها على من اعتبروهم بربرا، كما يؤمن بذلك كل المتأثرين بأفكار القومية العربية أو الإسلام السياسي المستوردة من المشرق، وبالتأكيد سينظرون لأي إقرار للحقوق الأمازيغية أو أي تنامي لنفوذ الأمازيغ، كما لو كان خسارة لأمجاد العرب المسلمين التي حققوها بحد السيف قبل أربعة عشر قرن، لذا فحتى بعد ثلاث سنوات من ثورات شمال افريقيا، نجد أن كل الأطراف المرتبطة  بدول الخليج أو المتأثرة بالشرق، تعادي وبشكل كلي أي إقرار للحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في دول شمال افريقيا، مسنودة في ذلك من دون شك بقوى الشرق، وربما لهذا السبب لم يتم بأي شكل من الأشكال الإشارة في الدستور التونسي الجديد، لتاريخ تونس قبل قدوم العرب، بل أكثر من ذلك تم بعث أوهام الوحدة العربية والمغرب العربي فيه.

أما في ليبيا فرغم إحتجاجات الأمازيغ لأشهر لم تكترث المكونات العربية والاسلامية في المؤتمر الوطني الليبي لمطالبهم، وفي العشرين من هذا الشهر سيتم إنتخاب الهيأة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، من دون الأمازيغ الذين حددوا شروطا للترشح والتصويت ارتباطا بها، لم تتم الإستجابة لأي منها. أما في المغرب فقد مرت ثلاث سنوات على ترسيم الأمازيغية من دون أن يتم تفعيله بأي شكل من الأشكال، وبقيت الأمور كما كانت عليه قبل سنة 2011، بل أسوأ من ذلك، تبذل بعض الأحزاب الإسلامية والعروبية جهدها، لتعيد مراجعة المكاسب الضيئلة في السنوات الماضية للأمازيغية، وفي هذا الإطار نذكر تقدم فريق حزب الإستقلال بمقترح لكتابة الأمازيغية بالحرف العربي، وقبله حزب العدالة والتنمية الذي تقدم بمشروع كامل لحماية اللغة العربية، يمثل تأسيسا لتعريب أكثر حدة بالمغرب.

من وجهة نظر الخليج المؤثر في شمال افريقيا، وكذلك المرتبطين به من مكونات عروبية وإسلاموية بالمنطقة، فالديمقراطية والأمازيغية وجهان لعملة واحدة يعادونها جملة وتفصيلا، لأسباب ايديولوجية مرتبطة بتبنيهم لمرجعية القومية العربية في جزئها الإسلامي اليميني، وكذا اليساري العروبي، لهذا يقودون ردة سياسية لأوهام العروبة والديكتاتورية حتى بعد ثوارت شمال افريقيا، ونجحوا جزئيا في تونس، واحتمال نجاحهم وارد في ليبيا، والصراع قائم في المغرب، والمواجهة حتمية بالنسبة للأمازيغ.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *