مع توغل الرقمنة في المجتمع ، والتحكم في أغلب الخدمات المجتمعية، خاصة بعد جائحة كورونا والتي كانت فرصة سانحة وذهبية مكنت الرقمنة من كل المجتمعات بدون استثناء، رغم تفاوت المستوى التعليمي ومنسوب الوعي المجتمعي بها، ازدادت حدة الأنا في المجتمع، وتراجعات منظومة التماسك العائلي ، وبدأت تختفي أثار مؤسسة الأسرة والعائلة.
اليوم، كل فرد يعيش حياته، وحيواته عبر الوسائط الإجتماعية والمنصات التفاعلية، ولا غرابة أن تجد عائلة لاتلتقي إلا افتراضيا ، بل تحول الواقع إلا شبه افتراض، والافتراض أحياناً واقع ، في ظل صعوبة الفصل بينهما أو رسم حدود آمنة بينهما.
ومع هذا الواقع الشاذ في علاقة الأفراد بالرقمنة، وتشبت الجميع بهذا العالم الافتراضي في العمل وداخل البيت وفي الفضاء العمومي، لم يعد للفضاء العمومي بمختلف مؤسساته ( المدرسة ، المسرح ، القاعات العمومية، السينما ، المكتبات) أي دور مجتمعي في التنشئة والتأطير والتوجيه ، بل لم تعد تتحكم في الفرد الذي يخضع لسلطة الرقمنة والعالم الافتراضي.
إنها الأنا التي عادت إلى الوجود، بعد اختفاء دام لقرون، لتتحكم في الفرد، وتجعله لا يحس إلا بنفسه، ويكاد يكون خارج الجماعة أو المجموعة أو الوطن .
وقد نكون في باب عالم جديد ، لا يعترف بالاسرة ولا الجماعة التقليدية التي تؤمن بروابط علاقات تواصل وتفاعل واقعي، في إنتظار إنتاج نماذج جديدة من العلاقات المجتمعية تعتمد قوانين الافتراض والأنا إلا عند الضرورة.
ومن الواجب على الجميع التفكير الجدي، وتسخير كل الإمكانيات من أجل الحد من هيمنة الرقمنة وبداية المقاطعة مع الأساليب التقليدية في التواصل والتفاعل المجتمعي ، قبل أن يتحول مجتمع مازال يعيش التهميش والتفاوت في الخدمات ، وصعوبة الولوج إلى العولمة والرقمنة، وسوء الاستغلال ، إلى مجتمع أني ، تغلبه الأنا القاتلة والمجنونة.