الأنشطة الفلاحــــية والممارسات المرتبطة بها.. المعروف نتسواكlmaarouf n tswak

ابراهيم عفيف

رحلة التأملات في أعماق بحر الإنسانية

الأنشطة الفلاحــــية والممارسات المرتبطة بها
الجزء الرابــــع: المعروف نتسواكlmaarouf n tswa

….وتستمر هذه الوقفة التأملية التي تهم الفلاحة المعيشية، والأنشطة المجتمعية المرتبطة بها…بعد الوقفة التأملية حول الأنظمة الجماعية الخاصة بحراسة المحاصيل الزراعية، وبسقيها، ثم تلك الخاصة بنظام الرعي بالقبيلة، سنستمر في نفس الإطار ووفق نفس البراديغم الاجتماعي….لكـــن هذه المرة سنغير الوجهة في اتجاه العمل الجماعي بصيغة المؤنث…..

….معلوم أن الذرة ” أسنكــــار” Asngar، بمختلف أصنافه (أمليل، أبلدي، أزكاغ) هي المنتوج الفلاحـــي الأول المعروف منذ القدم بتاركا نايت ماست. منتوج غني من حيث قيمته الغذائية ومن حيث تكلفته المادية. للحصول على دقيق الذرة، الذي يستعمله الماسيون باستمرار لتحضير الحساء والكسكس، وحتى لإعداد الخبر خاصة باستعمال أبلدي الأسمر الذي لم يعد موجودا بالمنطقة ( إلا ناذرا)، تتم عملية الإنتاج عبر العديد من المحطات ( قد تكون لنا عودة لبعضها)….بعد الانتهاء من الحصاد الذي ينهي دورة فلاحية ويعلن ميلاد دورة أخرى، تعم الفرحة في صفوف اهـــل القرية…كيف لا واحتياجات الأسر السنوية قد تم تأمينها….الفرحة لا تكتمل إلا بتنظيم مأدبة جماعية تليق بالمناسبة….

….بعدما كانت كل العمليات السابقة، بدءا بتنضافت ثم تنكافت وأخيرا تاولا ذكورية بامتياز، لا بد من الإشارة إلى أن المرأة لم تكن يوما خـــارج إطار الهم اليومي. فهي المكلفة بجزء كبير من تربية المواشي، ورعاية الحقول ….دورها يكون بارزا وواضحـــا خلال فرحة الاحتفال بنهاية الدورة الفلاحية…حيث تقوم نسوة الدرب بالتنسيق فيما بينهن لتنظيم المعروف نتسوكت أو المعروف ن الدرب. فالمدشـــر مكون من مجموعة من الدروب (لا داعــــي لذكرها كلها). كل تاسوكت “الدرب” تنطلق فيها العملية وفق أجندة خاصة بنسوة الدرب….وأنا صغير، كم تكون فرحتي كبيرة أنا وأبناء درب أغروض Aghroud (اسم الدرب الذي كنت أسكن فيه) حينما نسمع بيوم المعروف…يبدأ التنسيق لهذا التجمع النسائي بإحدى منازل الدرب، يتم تحضير كل اللوازم من الأواني والحطب والخضر ودقيق الذرة وكل المستلزمات الخاصة بالطبخ….بعد صلاة العصر، يتم إغلاق “تاسوكت” Tassoukt بوضع حصيرة كبيرة على شكل باب في مدخلها…تنطلق العملية بتوزيع الأدوار بين النساء، بينما نحن الصغار نجتمع خارجا للعب…في انتظار الجولة الأولى من تناول أكلة الكسكس ….الرجال الذين يحسون بأن جزءا هاما من دورهم قد أنجز بنجاح، تجدهم مجتمعين في ساحة بنابو (ساحة المدشر الرئيسية ) للحديث عن أمور القبيلة وعن الدورات الفلاحية ومشاكلها، في انتظار نصيبهم من الكسكس….

تمر الأمسية وفق طقوس معهودة…يتناول الجميع وجبة الكسكس، ويختتم التجمع النسائي بأمداح نبوية، وبأغان نسائية معروفة …..قبل الانصراف، تجمع كل الأواني ويدعو الجميع المولى عزوجل ليزيد من نعمه ويقوي أواصر المحبة والتضامن بين الجميع….كل دروب الدوار تعرف تقريبا نفس الطقوس والممارسات، التي كانت تروم الاشتراك في الملح كما يقال ” أنشرك تيسنت”…وفعلا، بمثل تلك الممارسات المتكررة يجد كل واحد من أفراد المجتمع نفسه إزاء فرص متجددة للتصالح مع ذاته أولا ومع غيره من أفراد قبيلته ثانيا…إنها مناسبات لتجديد الحس الإنساني النبيل باستمرار في اتجاه الارتقاء به نحو الأفضل…

ولأن هذا الطقس كان ينظم من ألفه إلى يائه من طرف نسوة القرية، فإنه مازال باقيا في جل الدروب بالقرية، لكنه لم يعد مرتبطا بانتهاء الدورة الفلاحية الخاصة بالذرة…حاليا يخضع فقط لإرادة الجارات ودرجة التفاهم بينهن…الأساسي هو أن تلك الروح مازالت حاضرة في صفوف نساء قريتي المناضلات…

إلى تأمل آخـــر، أرجــــو لكم ليلة رمضانية كلها أحاسيس إنسانية …. إلى لقا ء آخر بحول الله
يتبع..

ملاحظات:
– الصور الخاصة بالمعروف مأخوذة من صفحة الصديق الحسين بوطعام
– الصورة الثانية لزاوية أخرى من تاركا ن تسنولت (ماست) بعدستي دائما

إبــــــــراهيم عفيف
سوس ماســـــة

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *