المشرع المغربي بعد نقاش وجدال عميق و شاق و طويل و بعد مد وجزر و تأخير و تأجيل امتد سنوات حسم أمره و استجمع أنفاسه و قرر أن يهوي” بنص ” خاطف و أسرع و أنجع ” من شمال الكلب “سيطرح به أرضا الفساد و يضرب به ضربة فاصلة قاضية ناهبي المال العام و الخاص و سيشل من فعالية المرتشين و المتلاعبين بنفوذهم و مراكزهم و سلطاتهم التي يوظفونها أساسا في تكديس الثروات في البنوك هنا و هناك لهم و لزوجاتهم و أبنائهم و لخليلاتهم و لجميع ذرياتهم من بعدهم .علينا أن نسعد و نفرح و نصفق و نقول لبعضنا البعض في احتفائية ملحمية و نحن حفاة عراة ” افوس؛ ضرب الرش ” أيوز، برافو ” للبرلمان المغربي و للحكومة المغربية للعثماني للمالكي لبن شماش لأغراس اغراس و لكل الأحزاب السياسية على هذا الإنجاز العظيم فبعد صدور القانون الجنائي و بعد نشره في الجريدة الرسمية سيختفي الفساد و ينمحي و يدخل لصوص مراكز القرار و مواقع النفوذ جحورهم خوفا و ذعرا !!!
لنرى قوة الإنجاز و روعة الإبداع و شجاعة فرسان قبة “سيد”البرلمان و مدى حرصهم على تحصين مؤسساتنا السياسية و القضائية الاقتصادية و المالية … من الفساد و من ضعاف النفوس الذين يرون في الوطن مجرد بقرة حلوب ان جف ضرعها لن يرحمو لحمها و عظمها و جلدها !
أعود إلى النص العجيب و الغريب الذي جاء ضمن مشروع القانون المتعلق بتغيير و تتميم مجموعة القانون الجنائي و القاضي بتجريم الاثراء غير المشروع و الذي جاء فيه ” يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع و يعاقب بغرامة من 100 ألف درهم إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل تبث بعد توليه للوظيفة او المهمة ان ذمته المالية او ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة و غير مبررة انطلاقا من التصريح ……..”
نص ظريف و لطيف و حنون و ممتع و مغري و محفز و مشجع و مطمئن على أن الإفلات من العقاب ثابت بمقتضى القانون و ان الملايير التي قد تكدس غذرا و وخيانة و تحايلا لن تكون عقوبتها سوى غرامة مالية تبتدأ بمقابل عشاء فخم ساهر 100 م و تنتهي في أقصاها بمصاريف عرس” شبه باذخ مليون درهم ؟ دون ان تكون ذمة الزوجة الكريمة موضع مراقبة او محاسبة حسب النص على حالته اعلاه … اما السجن نافذا او موقوفا فهو لا يليق بأصحاب” الفخامة ” من مصاصي دماء أبناء الوطن خلسة و علانية .
نص ذكي، لن يحرم من خالفه وانطبقت عليه شروطه وأركانه، من الترشح للبرلمان بمجلسيه، ولن تقف الإدانة بموجبه في وجه طموحات من صدرت في حقهم أحكام بالإدانة، سيعيدون استثمار جزء من ثروتهم النتنة في تشغيل مصاعد الارتقاء السياسي، والظفر بمناصب وكراسي للتحكم في مختلف المؤسسات السياسية والدستورية .
نص ماكر، سيغلق الباب امام القضاء، في تطهير الحياة السياسية، وسيفتح الباب أمام إمكانية تكييف جنايات تبديد واختلاس اموال عمومية، إلى مجرد جريمة الاثراء غير المشروع، التي ينظمها نص كان أولى ان يكون ضمن مقتضيات قانون الالتزامات والعقود، لا ان يقحم حشوا في القانون الجنائي، قانون الرذع و الجزر وقانون إعطاء العبرة ….
لو كان غالبية البرلمانيين نزهاء وصلوا البرلمان بنظافة يد، وبالنضال وبخدمة المواطن وبالوفاء لقيم المواطنة الصادقة، لما ارتضوا لأنفسهم، ولمستقبل وطنهم ومؤسساته، نصا تافها، لن يفيد البتة، في مواجهة الإثراء غير المشروع، ومؤدياته ونتائجه .. ولما جعلوا أمواله وخيراته وأموال المواطنين وحقوقهم ومصالحهم، رهينة بين يدي ثلة من المجرمين، لن يطالهم الجزاء المناسب مهما عبثوا بمسؤولياتهم ..
علاقة البرلمان والحكومة، بهؤلاء ينطبق عليها المثل” البدوي ” شي يحلب وشي يشد من الكرون او كما يقول اشقاؤنا بدويو تونس الجميلة، في تكامل معنا “واحد يحلب وواحد يشد المحلب ”
“هنيئا ” لمن يهمهم الأمر، وإلى نص اخر !