قطعت القضية الأمازيغية أشواطا ونضالا طويلا، من إعتبار مجرد الحديث عنها جريمة أثناء سنوات الرصاص، إلى تبني حرف تيفيناغ والإعتراف الدستوري الرسمي باللغة سنة 2011. ولهذا يعتبر الإقرار الرسمي بالإحتفال برأس السنة الأمازيغية في شهر مارس الماضي، وإتخاده يوم عيد وطني وعطلة رسمية مؤدى عنها، قفزة نوعية في الإعتراف الرسمي بعمق جدور الهوية الأمازيغية، وعراقة الإنتماء التاريخي للمكون الأمازيغي، ورغبة وإرادة رسمية قوية لرد الإعتبار للغة والثقافة الأمازيغية. كما لا ننسى أن الإعتراف مكتسب حقوقي جاء نتيجة تراكم نضالات الحركة الأمازيغية وتتويج مسار وإمتداد للملف المطلبي لجمعيات المجتمع المدني من أجل المساواة. لكن الأهم على الصعيد الإنساني هو إعتبار الإعتراف تصحيح أخطاء تاريخية، وتصالح المغاربة مع الذات، وإحتضان تقويم سنوي أمازيغي ضارب في القدم، أكثر منه طقوس إحتفالية. فهل للقضية أبعاد وتدابير ودلالات أخرى؟
للسنة والتقويم الأمازيغي مميزات تميزه عن غيره. فلجل التقويمات مرجعية دينية وإرتباط بحدث او واقعة تاريخية. فالتقويم الغريغوري أو الميلادي المستعمل مدنيا على الصعيد العالمي، له إرتباط بميلاد المسيح/ اليسوع، وحل محل التقويم اليولياني الروماني الذي كان أقل دقة في مدة دوران الشمس كاملة على منازلها. أما بالنسبة للتاريخ الهجري فلم يبدأ العدة به إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إذ إتفق الصحابة بإعتماد يوم هجرة الرسول للمدينة عوض يوم ميلاد النبي لنخالف النصارى. فيما يخص التقويم الأمازيغي 2974 البعض يربطه بحدث إنتصار القائد العسكري شيشنق الأول ذو الأصول الليبية الأمازيغية على الفرعون رمسيس الثاني، بعد الترقي في صفوف الجيش وهرم السلطة، وإعتلاء عرش مصر وحمل لقب فرعون، سنة 950 ق.م.
فإذا كان عادة التأريخ للتقويمات ينطلق من واقعة معينة، فالغالب، أن التقويم الأمازيغي لا يعتد بواقعة غير محددة تاريخيا. ولا يجب حصر بداية الحضارة الأمازيغية في رقم تاريخي، تم تحديده بعد وجود هذه الحضارة بوقت أعمق من هذا التاريخ، نفس الشئ ينطبق على تواريخ المجتمعات الأخرى. فالتاريخ الأمازيغي مرتبط بالأرض وخصوبتها والفصل الفلاحي. وهذا ما يفسر إرتباط أهالي الجبال بالثلاثية: أكال، أفكان، أوال (الأرض، الإنسان، واللغة)، وصمودهم بأعالي الجبال وصبرهم لقساوة الطبيعة وإنسجامهم مع تقلبات الزمان. فالحضارة الأمازيغية تملك من المقومات ما يجعلها تقاوم خطر الإنقراض.
السنة الأمازيغية، على عكس مثيلاتها، ليس لها إرتباط ديني، أو عقائدي، بل لها تقويم زراعي وإرتباط وطيد بالأرض، و ترمز لقوة العلاقة بين الإنسان والأرض الذي تحتصنه. فمن بين عادات إيض ن يناير، هو ليلة خاصة عند الأمازيغ، يتم فيها تجديد الإرتباط بالطبيعة، والعمل الجماعي، إذ تجمع فيه النسوة كل ما تجود به الطبيعة من حبوب وتقيم بها أكلة تسمى في سوس “أركيمن”، أو “إدرنان” وذلك تيمنا بموسم فلاحي متمر. ولا تقام الإحتفالات في أماكن العبادة، بل في الهواء الطلق، ويتصدق بحفنة من الأطباق عند جدع بعض الأشجار الرمزية درءا لشر قوى ما وراء الطبيعة، وخوفا من مجهول السنة المقبلة. للإحتفال عدة طقوس قد لا تتسع المساحة لسردها.
إذا كان الإقرار الرسمي لرأس السنة الأمازيغية يوما تاريخيا، إلا أن التدابير المصاحبة للإحتفال بها لم ترقى لرمزية الحدث. الحدث يتجاوز الإحتفال الفولكلوري بالمناسبة، هو فرصة لفتح أوراش إصلاح وطنية لرفع الحيف الذي طال قرى أدرار ن درن، وساكنة جبال الأطلس. فزلزال المدمر الذي ضرب مداشير بالأعالي فاجأ المغاربة، قبل أن يكتشف العالم شعب من زمن آخر، ومدى هشاشة المنطقة، والعزلة ،والتهميش والفقر الذي تعيش فيه الساكنة. فالقرى بجبال الأطلس متضررة أصلا وعلى الدوام بدون هزات الزلزال الذي عرى على واقع متردي كان في غفلة الغافلين.
الإحتفال بالسنة أسلوب حياة وليس مظاهر فلكلورية ونهاية شعارات ترفعها الحركة الأمازيغية، الحدث مناسبة للتصلاح مع الهوية الوطنية، وجواز عبور لتدارك هفوات الماضي لإنصاف قاطني الجبال، والفلاح المغربي الصغير المرابط بالمناطق النائية. المناسبة فرصة للتأسيس للتوازن بين الجهات، وإقرار عدالة مجالية وإجتماعية أكثر إنصافا.
نخشى أن نخطئ موعدنا مرة أخرى مع التاريخ، فالملاحظ أن هناك تقصير في التعريف بالسنة الأمازيغية في سنتها الأولى بالمؤسسات التعليمية، وعلى منابر المساجد. نخشى أن نؤسس لإحتفالية فلكلورية أكثر منها فرصة لتنمية مناطق أمازيغية مهمشة، والتحسيس بالحفاظ على الموارد الطبيعية، خاصة عقلنة إستعمال الماء الذي تهدد نذرته البلد.
ختاما، أتمنى لكل المغاربة أسكاس أماينو إغودان.