من الجبهات النضالية التي اخترتها الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ النشاة، الإعلام المكتوب وذلك لأهميته في التواصل، ونشر الخبر، والتفاعل مع القراء، والتأسيس لأرشيف مكتوب، يوازي الإبداع الأدبي في الأيام الأولى.
وكانت لكل جمعية أمازيغية من الجمعيات الكبرى جريدة ورقية، أسبوعية أو شهرية، تعتمد على مناضلات ومناضلي تلك الجمعية، وتوزع ذاتيا وعبر المناضلين، وأحيانا كثيرة على نفقاتهم المالية في ظل غياب تام لأي دعم عمومي، على اعتبار موقف الدولة أنذاك من الأمازيغية وما يرتبط بها.
ورغم تلك الوضعية، وتلك الظروف الخاصة والصعبة للإعلام الأمازيغي الجمعوي النضالي، إلا أنه كان إعلاما في مستوى تطلعات الحركة الأمازيغية ، بل ساهم في التعريف بها، ومحاجة الفرقاء والأعداء، وفرض مواقف الحركة الأمازيغية ، ونشر مبادئها وأسسيها، وفتح شهية التخصص في الإعلام الأمازيغي بجميع أصنافه وتخصصاته أمام شباب ، أصبحوا اليوم يشكلون النواة الصلبة والمتينة للإعلام العمومي المحترف والمسؤول في القطب العمومي والخصوصي في شقه الأمازيغي.
ولا أحد يمكنه تجاهل دور ” تافسوت” ” تامونت” ” أمود” ” تمازيغت” ” تيلواح” وغيرها من التجارب الإعلامية الرائدة في مسار الحركة الأمازيغية بالمغرب، ولا أحد من مناضلات ومناضلي الحركة الأمازيغية لا يتوفر على عدد أو أعداد من هذه المجلات و الجرائد التي كانت بالفعل متنفس، وفضاء يسمح بالنقاش المسؤول، والترافع حول القضية الأمازيغية.
ومع خطاب أجدير ، والتحول الكبير الذي عرفه ملف الأمازيغية بالمغرب، وتبنيها من طرف الدولة من أعلى هرامها، وإنخراط الشعب المغربي بسرعة فائقة في الرقمنة، مما انعكس على الإعلام الورقي عموما، وإنفجار المواقع الإلكترونية ، والإعلام الإلكتروني ، لم تتمكن الحركة الأمازيغية من الإنخراط الفعلي في هذه الموجة، وذلك لأسباب ذاتية بالأساس، وأهمها أن هذا النوع من الإعلام يتطلب طاقم متفرغ بشكل كبير للاحداث والوقائع والاخبار، محترف، ومتواجد بكل ربوع المملكة ، ولا يمكن إعتماد النضال فيه لما يتطلبه من ميزانية مالية مهمة جداً ، إضافة إلى توجيه الدولة هذا النوع من الإعلام إلى التقنين عبر المقاولات الإعلامية، خاصة بعد فوضى 2011 في الإعلام الإلكتروني ، ورغبة هذه الأخيرة في تأطير وتنقية الإعلام الإلكتروني من كل الشبهات والمتطفلين.
ولم تصمد أي تجربة أمازيغية في الإعلام المكتوب أو الالكتروني بعد هذه التحولات والمستجدات القانونية والهيكلية، بإستثناء تجربة ” العالم الامازيغي” التي اختار طاقمها المقاولة الإعلامية كاختيار صائب في زمن يصعب فيه الإعتماد على النضال وحده في هذا المجال، وبعد تجربة الجريدة الورقية الشهرية ، والصمود أمام كل التحديات ، من تجاهل بعض المؤسسات لهذا المنبر الإعلامي في الدعوات لحضور الندوات الصحفية، والاقصاء في الدعم العمومي، واشكاليات التوزيع ، أحدث طاقم العالم الامازيغي موقع إلكترونيا بنفس الإسم ، وهو المنبر الوحيد اليوم في الساحة الوطنية الذي يمثل الأمازيغية في الإعلام الإلكتروني ، وكذلك عبر الجريدة الورقية الإعلام الورقي.
ومع سنوات التجربة، والطاقم الإعلامي الشاب، والمتمكن ، استطاعت العالم الامازيغي أن تجسد الحضور الأمازيغي المغربي المحترف في الساحة الإعلامية الوطنية والدولية.
بينما تعرف الجهات بعض التجارب الأخرى في الإعلام الإلكتروني والمكتوب، بعضها صامد أمام كل التحديات والصعوبات ، ” نبض المجتمع” بجهة سوس ماسة نموذجا.
وفي ظل هذا الوضع الذي يتطلب مزيدا من الإنخراط في المقاولات الإعلامية المكتوبة والالكترونية الأمازيغية ونحن في زمن الرقمنة، والتواصل السريع واليومي بشكل أسرع، وذلك لربح رهان القضية الأمازيغية على كل المستويات ، وما للإعلام المكتوب والإلكتروني من أهمية بالغة، ودور كبير في الترافع، وترسيخ الثقافة، والتعريف بها، وتشكيل الوعي المجتمعي .
على مكونات الحركة الأمازيغية بكل أطيافها أن تعي دورها في تشجيع الإعلام الأمازيغي المكتوب عبر القراءة والتتبع، والتفاعل، وحتى لا يستمر تهميش هذا الإعلام في الرفوف والاكشاك كما يحصل الآن ، مما يفقر هذه المقاولات الصامدة والمناضلة والتي إختارت خدمة الأمازيغية في مجال صعب وحساس جداً لا يقبل الخطأ، وسريع الإنتكاسة، ومكلف ماديا ومعنويا.
ورغم أهمية النضال وإعتماد الحركة الأمازيغية عليه في كل مناحيها إلا أنه من الضروري إقتحام مجالات الإعتماد على التخصص والإنخراط في الفعل الإعلامي المربح أو على الإكتفاء الذاتي من أجل الإبداع والتطور خدمة للقضية الأمازيغية وهي الأساس ومحور الإشتغال.