الافتراء على الأمازيغ

الدكتور محمد المهدي علوش

لقد سبق لي أن قرأت في بعض التدوينات والإشارات العابرة هنا وهناك في بعض الصحف وقنوات التواصل الاجتماعي كلاما كثيرا بعضه تسفيه للحركة الامازيغية وبعضه تبخيس لنشاط الجمعيات الأمازيغية وبعضه الآخر إنكار للهوية الأمازيغية وخصوصيتها إلى غير ذلك من أشكال التجريح والتحامل على الأمازيغ. لكن مستوى هذه التدوينات وسياقها والإيديولوجية الكامنة وراءها جعلتني أعرض عن الرد عليها لأن أصحابها لم يتصرفوا بدافع علمي معرفي قابل للنقاش، وإنما كانت نيتهم التجريح والتخوين بدافع إيديولوجي صرف، مما لا ينفع معه أي نقاش علمي رصين. أما وقد طالعنا مؤخرا أحد “خريجي شعبة التاريخ والحضارة بجامعة محمد بن عبد الله بوجدة” بنفس الكلام الإنكاري négationniste عن تسمية الأمازيغ وحرف تيفيناغ والسنة الأمازيغية فإن الأمر يختلف كثيرا، وأصبح من الواجب على أي أمازيغي الرد على ترهات وأقاويل ومزاعم لا تنم فقط عن جهل مطبق لصحابها، ولكنها تستفز مشاعر الأمازيغ وتطعنهم في أعز مقومات وجودهم ألا وهي جنسهم ولسانهم وهويتهم. وقبل الرد أعرض عليكم أهم ما قاله أستاذنا عن مقومات الخصوصية الأمازيغية: تسميتهم (الأمازيغ) وحرفهم (تيفيناغ) وتقويمهم (السنة الأمازيغية)، أي كل ما يمثل الهوية الأمازيغية في صميمها.

– لا وجود لشيء اسمه “السنة الأمازيغية”، على الأقل قبل 1970 على أبعد تقدير، بل هي السنة الفلاحية أو السنة الأعجمية… والعجم غير البربر في العرف والاستعمال.

– لا وجود لاسم “الأمازيغ” بمعنى سكان شمال إفريقيا في كتب التاريخ: لا الكتب الإسلامية ولا العربية ولا الرومانية ولا اليونانية ولا القوطية ولا الوندالية ولا المصرية… بل اسمهم في كتب التاريخ هو “البربر” أو “الليبيون” أو “الإثيوبيون” أو “الفينيقيون”… وكل هذه التسميات هي لفروع من البربر وليس كل البربر. ولعل أقدم من ذكر كلمة “أمازيغ” هو ابن خلدون، حيث نسب بعض البربر (وليس كلهم) إلى مازيغ بن كنعان… فأول مصدر ترد فيه كلمة “أمازيغ” عربي إسلامي، ولكن متعصبي الأمازيغانية لا يعجبهم هذا.

– لا وجود لحرف إسمه “التيفيناغ”، بل هذه الحروف جلها أنشئت إنشاء، وجدوا بعض الخربشات عند الطوارق، (حوالي 8 رموز، وليست حروفا) ثم نسجوا على منوالها واخترعوها، وكتبوها من اليسار إلى اليمين، مع أن هذه الرموز الطواريقية الصحراوية كانت توضع من فوق إلى الأسفل.

هذا كله مع أن أجدادنا الأمازيغ كتبوا الأمازيغية بالحرف العربي وكفى، مثلهم مثل العجم من الترك والهند والكرد… كلهم تبنوا الحرف العربي، وهناك مخطوطات في التفسير والشعر والعقيدة بالأمازيغية بالحرف العربي…”

السيد عبد السلام أجرير صاحب هذا الكلام لم يقف عند هذا الحد ولكنه تحدى أن يرد عليه أحد بعكس ما قال معتقدا أنه قد امتلك ناصية الحقيقة بقوله: ” وأتحدى أي شخص يعطيني مصدرا قديما يطلق لفظ “أمازيغ” على البربر…”. كيف لا وقد قرأ كتب التاريخ الإسلامية والعربية والرومانية واليونانية و القوطية والوندالية والمصرية. وأنا أتساءل بأية لغة قرأ الكتب اليونانية والوندالية والقوطية مثلا.

للرد على الأستاذ أجرير أبدأ بتصحيح معلومتين بسيطتين بديهيتين هما: الأولى، ابن خلدون ليس أقدم من نسب “بعض” البربر إلى مازيغ بن كنعان…بل هو آخرهم، والثانية إن البربر يُعتبرون عجما حسب المعاجم العربية بدون استثناء “العَجَمُ : خلافُ العَرَبِ ، الواحد : عَجَمِيٌّ ، نَطَقَ بالعربية أو لم ينطِق”. كذلك كان وضع جميع المسلمين غير العرب في دولة الإسلام مثل الفرس والترك وغيرهم من الأجناس.

في ردي التالي سأركز على تسمية الأمازيغ علما بأن ما قاله عن السنة الأمازيغية وحرف تيفيناغ فيه شيء من الحقيقة. لكن “الأستاذ” وضف “حقيقته” بطريقة مغرضة استفزازية من قبيل الحق الذي أريد به باطل. وهو أمر قابل للنقاش على كل حال. وسأكتفي هنا بالقول إن مسألة التقويم والحرف موكولة إلى الاختيار الحر للشعوب والأجناس وليست أمرا منزلا من السماء. هل يعرف صاحبنا كيف تم اختيار التقويم الهجري والتقويم الميلادي؟ وهل يعرف كيف اختارت كثير من الشعوب والأمم أحرف لغتها بكل حرية؟ وماذا سيكون موقف صاحبنا لو أن الأمازيغ اختاروا بداية السنة الأمازيغية بمقتل عقبة بن نافع على يد الأمير أكسيل (كسيلى) أو بهزيمة حسان بن النعمان على يد الملكة ديهية مثلا؟ الأمازيغ أحرار في هذا، وقد اتفقوا على سنتهم وربما اختلفوا أو ترددوا في اختيار حرفهم، لكن هذا شأنهم وهم أحرار فيه وكفى.

أما بالنسبة لتسمية “أمازيغ” فإن الأمر يتعلق بمجال معرفي لا دخل لحرية الاختيار فيه. وليكن في علم الأستاذ أن المؤرخ اليوناني هيرودوت يعتبر أول من تعامل مع مصطلح “أمازيغ” بشهادة أكبر المؤرخين وعلماء الأنتروبولوجيا الذين تخصصوا في تاريخ شمال أفريقيا. وأخص منهم بالذكر ستيفان كزيل Stéphane GSELL الذي ألف تاريخة المشهور عن أفريقيا الشمالية القديمة في سبعة أجزاء، وإرنست ميرسيي Ernest MERCIER الذي ألف تاريخه عن أفريقيا الشمالية أيضا في خمسة أجزاء، وأخير كابريال كامبس Gabriel CAMPS عالم الأنتروبولوجيا الذي كرس حياته الأكاديمية للبحث في البلاد الأمازيغية وألف عشرات الكتب عن جنس الأمازيغ ولغتهم وهويتهم وتقاليدهم وغيرها من مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية للشعوب الأمازيغية قديما وحديثا. هذه المؤلفات كتبت انطلاقا من القرن التاسع عشر، وهي تحيل كلها على المؤرخين والجغرافيين الإغريق واللاتيتيين القدامي سابقين عن العصر الإسلامي بقرون وخاصة الإغريقي هيرودوت. وهي بالتالي لا تعكس طروحات ذات خلفية استعمارية تسعى إلى التفرقة بين العرب والبربر كما قد يدعي البعض تبخيسا لها وطعنا في مصداقيتها.

المؤرخ الفرنسي أرنست ميرسيي صاحب كتاب “تاريخ أفريقيا الشمالية من أقدم العصور إلى سنة 1830” الصادر سنة 1888م، نسب إلى هيرودوت كلمة “Maxyes” التي تنطبق بشهادة جميع المؤرخين على “أمازيغ”، وهم من جملة القبائل الكثيرة التي ذكرها هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد والتي كانت تستوطن منطقة شمال شط الجريد (بحيرة تريتون lac Triton) التونسية بالساحل المقابل لجزر كركنة المنتمية اليوم إلى إقليم صفاقص بالشرق التونسي. ويضيف ميرسيي مستشهدا بقول هيرودوت وهو يصف القبائل الواقعة إلى الغرب من بحيرة تريتون : “وراء بحيرة تريتون نجد جبالا مكسوة بالغابات يقطنها سكان من المزارعين يدعون Maxyes” أي أمازيغ. ويضيف هيرودوت بأنه سمع عن وجود جبل عظيم يقع في نفس الاتجاه في أقصى الغرب يدعى أطلس(إرنست ميرسيي، تاريخ أفريقيا الشمالية… ج 1، ص. 4). ومن أقوال هيرودوت نفهم بكل وضوح أن قبائل تحمل اسم “إمازيغين” كانت تعيش في منطقة ممتدة من شرق البلاد التونسية إلى جبال الأطلس المغربية.

يذكر ستيفان كَزيل أن المؤرخ اليوناني هيرودوت رصد في القرن الخامس ق.م، سواء من روايات تلقاها مباشرة أو من قراءات لمؤلفين سابقين، عددا من أسماء القبائل والشعوب التي كانت تعيش بين صحراء برقة الليبية والمحيط الأطلسي. وقد استعرض هيرودوت في القرن الخامس ق.م أسماء القبائل الليبية (الأمازيغية) التي كانت منتشرة على الساحل المتوسطي من برقة إلى المحيط الأطلسي. وميز فيها بين قبائل الرحل التي تنتشر بين برقة وشط الجريد جنوب تونس، وبين القبائل الواقعة ما وراء هذا الشط، أي إلى الغرب حسب هيرودوت، حيث يوجد نوع آخر من “الليبيين” يتعاطون الفلاحة ويعيشون في بيوت قارة. وتدعى قبائلهم ماكسياس Maxyes. ويوضح كَزيل أن المنطقة المقصودة تخص الساحل التونسي الشرقي (كَزيل، تاريخ أفريقيا الشمالية القديم،1927، ج5، ص. 82-84). كان هذا أول ذكر للأمازيغ في القرن الخامس قبل الميلاد في البلاد التونسية. وفي القرن الثاني للميلاد، يقول كَزيل، سيذكر بطليموس قبيلة تحمل اسما يذكرنا بماكسياس Maxyes موطنها بجوار خليج كابس التونسي الذي كان يدعى سيرت الصغرى مقارنة بسيرت الكبري بعرض الساحل الليبي. (نفس المصدر، ص. 84، الهامش11).

وعلى عكس كلمة “بربر” التي اعتبرها كَزيل دخيلة وغريبة وغير معبرة عن الأصول الإتنية الحقيقية لسكان شمال أفريقيا، أوضح أن كلمة أمازيغ Amazigh مؤنثها Tamazight وجمعها إمازيعن Imazighen متداولة في عدد من مناطق شمال أفريقيا باعتبارها تدل على سكانها وتعين جنسهم. وذكر من بين هؤلاء سكان الريف والأطلس المتوسط بالمغرب وسكان السند بجنوب تونس وسكان جبل نفوسة بمنطقة طرابلس وصحراء غدامس بليبيا وكذا طوارق الأيير شمال النيجر(نفس المصدر، ص. 115- 116). وقد أكد كَزيل استعمال هذا اللفظ في الزمن القديم في كتابات ليبيكية (أمازيغية) كاسم شخصي على شكل MSK، كما عُثر عليه في كتابات رومانية تعود إلى نفس الفترة تحت أشكال: Mazic، Masik،Mazix . وتحدث كَزيل عن عدة قبائل كانت تحمل هذا الإسم في القرون الأولى للميلاد: بطليموس ذكر وجود إمازيغن Maxyes في موريطانيا الطنجية بمنطقة الريف، وفي موريطانيا القيصريية ليس بعيدا عن مليانة جنوب شرشال (القيصرية) إلى الغرب من الجزائر العاصمة. وفي عهد الإمبراطورية السفلى (من القرن 3 إلى القرن 5 الميلادي) سُجّلت غارات رجال من الصحراء يحملون نفس الاسم الأمازيغي Maxyes على واحات بغرب مصر وبمنطقة طرابلس. وفي وثيقة تاريخية مشهورة ترجع إلى القرن الثالث الميلادي وردت عشائر الموريين الأمازيغ Mauri Mazazeses. ويتعلق الأمر بقائمة فيرونا Liste de Vérone التي تستعرض أقاليم الإمبراطورية الرومانية في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وفيها ذكرت موريطانيا الطنجية كإقليم تابع لدوقية إسبانيا، بينما ذكرت موريطانيا القيصرية وموريطانيا السيطيفية بدوقية أفريقيا. وتذكر هذه الوثيقة أيضا أسماء الشعوب غير الرومانية Barbares التي كانت تعيش بهذه الأقاليم. ومن الشعوب المحسوبة بالوثيقة على موريطانيا: الأمازيغ والباوار والباكوات Maures Mazices, Maures Bavares, Maures Baquates. . كما سُجل وجود أسقفيات أمازيغية Mazaces Episcopi في نوميديا (الجزائر) في القرن الخامس الميلادي (نفس المصدر، ص. 116-117).

وفي رأي كَزيل، قد يكون الاسم الذي نقله الإغريق واللاتينيون على شكل Mazices و Mazaces دالا على قبائل إفريقية قبل الاحتلال الروماني. وقد يكون هو نفسه الاسم الذي الذي ذكره هيكاتي Hécatée (هيكاتي ميليت مؤرح وجغرافي يوناني من القرن السادس قبل الميلاد) بليبيا حوالي سنة 500 قبل الميلاد، وورد في منتصف القرن الخامس عند هيرودوت الذي وطّنهم غرب نهر تريتون على الساحل التونسي الشرقي كما سبقت الإشارة. وفي نشرة جغرافية تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد جاء ذكر متوحشين (غير متحضرين) barbares في الصحراء وراء أفريقيا الرومانية (جنوب تونس) من بينهم Mazices. ويعلق كَزيل على هذه البيانات بأن اسم مازيس Mazices يبدو من استعماله أنه ينطبق على مجموعة من القبائل المنتشرة على فضاءات شاسعة جدا (نفس المصدر، ص. 118). ثم يخلص، بعد استعراض الحالات والظروف والوثائق والحقب التي استعمل فيها لفظ Mazices، إلى : “يبدو أن اللفظ الذي لا زال متداولا على شكل أمازيغ Amazigh، إمازيغن Imazighen، كان يعني، منذ زمن قديم جدا، جزءا مهما من سكان أفريقيا الشمالية. (نفس المصدر، ص. 119).

وفي هذا الصدد يورد غابريال كامبس Gabriel Camps، الأنتروبولوجي الخبير المختص في بلاد تامزعا، فقرات من كتاب هيرودوت يصف فيها الشعوب والإتنيات الليبية حيث يميز بين الليبيين الموجودين على طول البحر إلى نهر تريتون (خليج قابس) الذين يعتبرهم بدوا رحلا، وبين الليبيين الموجودين غرب هذا الخليج، والمختلفين عن سابقيهم في التقاليد وطريقة العيش، إذ ينعتهم هيرودوت بالمزارعين المتوفرين على بيوت ويسمون ماكسييس Maxyes. وبلاد هؤلاء كثيرة المرتفعات والغابات، خلاف ليبيا الشرقية (الحالية) ذات الأراضي المنبسطة والرملية (غابريال كامبس، ماسينيسا أو بدايات التاريخ، ص. 28). ويوضح كامبس أن وصف هيرودوت ينطبق على بلاد الأطلس أي المغرب الكبير من قرطاجة إلى المحيط. وكلمة ماكسياس التي هي تحريف لكلمة مازيغ، يؤكد كامبس، نطقها المصريون القدماء على شكل مشويش Meshwes، واليونان Mazyes واللاتينيون الرومان Madices ،. Mazices ويوضح كامبس بهذا الخصوص: ” في الواقع هناك اسم إتني واسع الانتشار نجده في كل جهات البلاد البربرية، يتجاوز اسم الأشخاص إلى اسم المكان، مما يسمح باعتباره الاسم الحقيقي للشعب البربري. وجذر الاسم المقصود هنا هو: “م ز غ MZG” أو “م س ك MSK” الموجود أيضا في أسماء مازيس Mazices، مازاس Mazaces، مازازاس Mazazaces خلال الفترة الرومانية. وكذا في اسم ماكسايس Maxyes في هيرودوت ومازيس Mazyes في هيكاتيوس، ومشويش Meshwes في النصوص الفرعونية. وتحتفظ تسميات إموشاغ Imusagh غربي فزان وإماجيغن Imagighen في الأيي(Air, Niger) وإمازيغن في الأوراس والريف والأطلس المتوسط بهذا الاسم، وتماسغت Tamaseght في لغة الطوارق الذين يتسمّون بدورهم إموشاغ”(نفس المصدر، ص. 38). وقد وضع كامبس جداول مفصلة على أربع صفحات تبين صيغ الأسماء والمناطق التي كان يستوطنها مازيكس بمختلف فئاتهم من ليبيا إلى شمال المغرب (نفس المصدر، ص. 39-42). وهو نفس ما ذهب إليه العالم اللساني سليم شاكر بخصوص الأشكال المختلفة التي ورد بها اسم إمازيغن في الكتابات اللاتينية القديمة (دراسة حول أصل ودلالة كلمة أمازيغ، سليم شاكر، الموسوعة البربرية، ص. 562 -568) والمؤررخ الفرنسي ستيفان كَزيل (س. كَزيل ، ص. 119).

ابن خلدون الذي قسم البربر إلى برانس وبتر يرد أصلهم إلى جد واحد مشترك وهو بر. غير أنه ذكر إحدي الروايات التي تقول بعدم انحدار فرعي البرانس والبتر من أب واحد هو بر، بل ينسب البرانس إلى بر بن مازيغ بن كنعان وينسب البتر إلى قيس بن غيلان، وهي الرواية التي لم يرجحها بن خلدون وفضل عليها رواية ابن حزم القائلة بانتساب البرانس والبتر إلى أب واحد هو بر. ونحن نعلم أن حديث ابن خلدون في هذا الباب متأثر بما يسمى بعلم الأنساب ذي الطابع الأسطوري البعيد عن قواعد علم الأنتروبولوجيا الحديثة. ثلاثة قرون بعد ابن خلدون، كتب الحسن الوزان أن شعوب أفريقيا الشمالية “تستعمل لغة واحدة تطلق عليها اسم أوال أمازيغ” أي كلام أمازيغي (الحسن الوزان، وصف أفريقيا، ترجمة الأستاذين محمد حجي ومحمد الأخضر، القسم الأول، ص 39) . فكيف ياترى أخبر الوزان الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي، باسم “أمازيغ” الذي ابتدعه أحد” الصهاينة” في القرن العشرين؟

وأخيرا لابد من الإشارة إلى أن التراث والتقليد الشفويين لدى الأمازيع لا يتضمنان اسم “أمازيغ” بصورة معممة على جميع المناطق الأمازيغية. ويؤكد علماء اللسانيات والباحثين في الثقافة الأمازيغية وعلى رأسهم الأستاذ سليم شاكر أن سوس المغربية ولقبايل الجزائرية مثلا ليس في تقليدهما لفظة “إيمازيغن”، على عكس أهل الريف والأطلس المتوسط الذين ورثوا كلمة “إمازيغن” عن أسلافهم منذ أقدم العصور. فأهل الريف الذين أنا منهم مثلا ورثنا عن أجدادنا أننا “إيمازيغن” ونتحدث “ثمازيخت”، بينما أهل سوس يعتبرون أنفسهم “شلوح”. وهذا طبيعي في بلاد تامزغا الشاسعة المترامية الأطراف. لكن الاسم الغالب والمتداول لدى أكثر القبائل هو الذي يعمم في الأخير لكونه يعكس الخصائص والمقومات المشتركة لدى جميع سكان الشمال الإفريقي الأصليين. دلوني في عالم اليوم على الشعوب والأمم التي تحمل أسماء تنطبق على جميع مكوناتها الاجتماعية والعرقية والثقافية، بل غالبا ما تنسب الأمم والشعوب إلى الجماعة الغالبة عدديا أو سياسيا أوعرقيا.

صحيح، الحركة الأمازيغية الحاملة لهموم الهوية والثقافة الأمازيغيتين والغيورة على استمرار الوجود الأمازيغي بين الأمم والشعوب هي التي عملت على نشر الوعي بهذا الاسم بين أمازيغ العالم حتى انتشر بالشكل الذي نعرفه اليوم. لكن اسم “أمازيغ” الدال على جماعات كثيرة جدا من الأمازيغ منتشرة عبر شمال أفريقيا كله من مصر إلى المحيط، هذا الاسم كان موجودا منذ الأزل ولم يأت من فراغ، كما أنه ليس “أوهام وإنشاء …من العدم…من قبل أعداء الأمازيغ الذين تزعمهم الصهيوني الفرنسي “جاك بينيت” (Jacques Bénet) ” كما جاء في كلام أخينا الأمازيغي المتعلم. ولعل اللهجة القدحية الواردة في عبارته الأخيرة ووصفه للحركة الأمازيغية بالأمازيغانية لخير دليل عن خلفيته الإيديولوجية الانفعالية المتحيزة والمنافية للروح العلمية المجردة والرصينة والنزيهة.

بوسطن في 20 يناير 2020 محمد المهدي علوش

اقرأ أيضا

جزائريون ومغاربة يتبرؤون من مخططات النظام الجزائري ويُشيدون بدور المغرب في تحرير الجزائر

أثنى متداخلون مغاربة وجزائريين على دور المقاومة المغربية في احتضان الثورة الجزائرية ودعمها بالمال والسلاح، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *