دعا التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975 إلى “تذكير المسؤولين الجزائريين بثقل مسؤولية شاملة تظل ثقيلة”، وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لقرار الحكومة الجزائرية بطرد آلاف المواطنين المغاربة الذين كانوا يقيمون بصفة شرعية في الجزائر.
وأفاد التجمع في بلاغ توصلت وكالة المغرب الرسمية للأنباء بنسخة منه أمس الاثنين، أنه “بمناسبة هذه الذكرى المؤلمة (8 دجنبر) نوجه نداء إلى كل الأشخاص الذين تحركهم مباديء … التضامن والاحترام المتبادل وليس الكراهية والحقد … كي يلتحقوا بنا من أجل تقاسمها وحملها وإيصالها إلى حد الاعتراف بالخروقات الحاصلة، ولتذكير المسؤولين الجزائريين بثقل مسؤولية شاملة تظل ثقيلةً. وبدون ذلك، نكون مضطرين للتذكير بالأمر في شهر دجنبر من كل سنة”.
وأضاف التجمع أن “الأمر يتعلق بمواصلة العمل على هذه الأحداث “التاريخية” من أجل تسجيلها وفق منظور تاريخي، و إعادة الاعتبار لكرامة آلاف الأشخاص، وكذا التحذير كي لا تتكرر فترات مأساوية كهذه”.
وذكر التجمع بأنه “في الثامن من دجنبر 1975 اتخذت الحكومة الجزائرية قرارا بطرد آلاف المواطنين المغاربة المقيمين بصفة شرعية بالتراب الجزائري”، مشيرا إلى أن “هؤلاء الأشخاص الذين اندمجوا منذ عقود بالجزائر أسسوا أسرا (خاصة جزائرية مغربية) وحملو السلاح … في مواجهة المحتل الغاشم، لتتم مجازاتهم في النهاية بقرار الطرد التعسفي بدون سابق إشعار نحو المغرب”.
وبعد أن ذكر البلاغ بأن الأمر بتنفيذ هذا القرار المتسرع أعطي في يوم عيد الأضحى، العيد الذي تحول إلى مأساة إنسانية، بالنسبة للذين شملتهم وكافة أفراد أسرهم عمليات الطرد، أشار إلى أنه بحلول الذكرى 45 لهذه “المناسبة” الأليمة، لازال الأفراد الذين طالهم قرار الطرد ومن ذوي حقوقهم، يتساءلون مجددا حول هذه الوقائع، مسجلا أنها “ذكرى كئيبة كما هو الشأن في كل سنة”.
ولفت التجمع إلى أن هذا المشهد وقع في الوقت الذي كان فيه المسلمون، عبر العالم، يحتفلون بأحد أهم الأعياد الدينية: عيد الأضحى، حيث اقتيد الآلاف من النساء والرجال والأطفال والمسنين ومن ذوي الإعاقة في اتجاه الحدود المغربية، موضحا أن الأمر يتعلق بأفراد من أصول مغربية، أرغموا على مغادرة الجزائر مطرودين من البلد الذي استقروا به، منذ عقود من الزمن، وغالبيتهم رأوا النور به.
وشدد على أن “المعاناة تصبح كبيرة عندما يكون من يقف وراءها وتسبب فيها، مسؤولون ببلد جار، بلد شقيق”، مضيفا أنه “بسبب مشاعر الخجل/ أو الرغبة في نسيان مآسى هذا الماضي الأليم والأحزان التي تراودهم دوما، حافظ الأشخاص المطرودون من الجزائر على الصمت ورباطة الجأش، جاعلين الألم مضمرا في أعماق نفوسهم، إلى حين دفنه معهم”.
وأضاف التجمع أن الأبناء والأحفاد ورثوا هذا الموضوع، الذي “أصبح في نظرهم عملا مؤسسا لذاكرتهم وماضيهم، واحتفظوا أيضا بآثار هذا الطرد، ولكن، على عكس آبائهم، حركتهم إرادة قوية في أن يروا هذه الأحداث معترفا بها، كي يتم رد الاعتبار لهم ولتاريخهم وآلامهم. وانطلاقا من ذلك تاريخ صيانة ذاكرة أعزاءهم الراحلين وآلامهم ولو بشكل غيابي”.
وأشار التجمع إلى أنه “مع تجاوز خطاب الضحية وتعبئة روح الانفتاح والتصالح والإنصاف التي تحدوهم بشكل دائم، قرر (هؤلاء الأبناء والأحفاد) أن يحولوا مشاكلهم وآلامهم وصعوباتهم ضمن استراتيجية جماعية، تقوم على ضمان مصلحة أكبر عدد ممكن من الأفراد، وهو تمرين جيد على مقاومة الضغوط من أجل إعادة امتلاك جزء من تاريخهم دون نوستالجيا ودون حقد أيضا، ومحاولة للفهم، فهم وتحليل مع العودة إلى الماضي، والاستماع للشهادات وتقاطع الأحداث…، وبكلمة واحدة إعادة تشكيل هذه المرحلة من التاريخ التي تم نسيانها بسرعة، إنها صفحة من التاريخ تم طيها لكن دون قراءتها”.
وأبرز التجمع الدولي أن ذوي الحقوق، الذين عاشوا هذه المأساة الإنسانية، حرصوا على تحيينها وجعلها ذاكرة حية من خلال تأسيس جمعيات لهذا الغرض، أو عبر القيام بأعمال فردية، ومن خلال شهاداتهم وكتاباتهم ومرافعاتهم المتعددة، مشيرا إلى أن “أحداث” دجنبر 1975 معروفة اليوم بالنسبة للعموم، وبالنسبة للهيئات الدولية، التي اطلعت على الملف، من قبيل مجلس حقوق الإنسان ولجنة حماية العمال المهاجرين. وأكد أن مواصلة إثارة هذا الملف ضرورة وواجب.
وشدد البلاغ على أن هذه الاعترافات المذكورة مهمة، ولكن تبقى غير كافية بشكل كبير، وناقصة وجزئية، خاصة عندما يتم أحيانا حجب الأحداث نفسها وتداعياتها، وإعادة النظر في وجودها، مسجلا أنه أمام هذه التأكيدات لحملات الطرد، فإن الغرض منها ليس التنقيص من جدواها أو نفيها تماما من قبل السلطات الجزائرية في 1975، بل العمل على كشف وإطلاع واحد على الوثائق المجمعة في جنيف، وكلها تشكل أرقاما ذات دلالة.
وبعد أن أكد التجمع أن “هذه القراءة ستتيح أيضا لكافة الأشخاص المطرودين، الذين مازالوا على قيد الحياة، أن يتحدثوا، وأن يتاح لهم التحرر من آلامهم، ليس مجرد التنفيس، وإنما تحويل ذلك كطاقة إيجابية لخدمة الذاكرة وضمان مستقبل أكثر صفاء”، سجل أنه “في هذه الشهادات هناك مجال للاستماع (والانصات) لأصوات، لم يتم الاستماع إليها بشكل جيد، أو لم يتم الإنصات لها بما فيه من كفاية”، مشددا على ضرورة إعطاء الكلمة لأصوات النساء على اعتبار أنهن عشن أيضا الآلام وساهمن بشكل يومي في التكفل بعائلاتهن المكلومة.
واعتبر البلاغ أنه “في ظل هذه الإجراءات الضرورية والحيوية، يتم فهم الأخوة بين الشعوب باعتبارها إحدى الحلقات القوية في هذه السلسلة، لأن مستقبل السلام والعدالة يبنى على أساس التضامن والاحترام المتبادل، وليس على أساس الكراهية والحقد”.