التجنيد الإجباري بداية لعسْكرة المغرب

أحمد الدغرني

انطلق مشروع سياسي مخزني في المغرب في صيف 1918 يسمى التجنيد الإجباري، وبادرت السلطات إلى الشروع في تمرير قانون جديد يخول للسلطة العسكرية إدخال الشباب إلى صفوف القوات المسلحة بدون اختيار هؤلاء الشباب للانتماء الحر لصفوف العسكر، ويظهر من كلمة ” الإجباري” أنه قبل كل تفصيل في تحليل الموضوع أن التجنيد فيه نوع من الإكراه، رغم أن الالتحاق بمهنة العسكر يمكن أن يفتح فيه موضوع التجنيد لمن يريده، وتمارس فيه قاعدة تكافؤ الفرص، بدون إجبار، كما هو الحال في البلدان التي تبني سياستها على مبادئ حرية الاختيار، وهنا يطرح سؤال هل رفض شباب البلد الانتماء الى العسكر بعد فتح باب التجنيد لهم كوظيفة عادية مثل جميع الوظائف العامة؟ ولو لمدة محدودة، مثل مدة 12 شهرا التي يفرضها مشروع التجنيد الإجباري المقصود هنا، ولو فتح باب الانتماء للتجنيد الاختياري لكانت الوظيفة عادية، لا يمكن أن تعتبر توظيفا يهدف الى فرض التجنيد كوسيلة للتحكم في أجسام الشباب وعقولهم، ولما تعرض للشكوك والنقد لنوايا السلطة، وهنا تبرز فكرتان هما السرعة التي سلكتها السلطات في تمرير هذا المشروع، وهي تحرم المجتمع من الوقت اللازم لدراسة المشروع، والاتجاه في التطبيق إلى الإكراه.

لاشك أن تتبع التاريخ العسكري لمغرب ما بعد سنة 1956 سيتذكر أن التجنيد الإجباري ظهر بالمغرب في ظروف التحضير للمحاولة الانقلابية لعاشر يوليوز 1971 عندما انتشرت الاحتجاجات والإضرابات الطلابية والتلاميذية، وتم اتخاذ إجراءات التجنيد الإجباري لمناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وسياقة العشرات منهم الى مدرسة هرمومو Hermommou التي كان يديرها الكولونيل الريفي محمد عبابو المشهور في قيادة طلبة المدرسة الى الهجوم على قصر الصخيرات أثناء حفلات عيد الشباب…. وأتذكر شخصيا تجنيد النقيب عبد الرحيم الجامعي المحامي المعروف، ومحد الخصاصي سفير المغرب سابقا بسوريا، ويمكن الاستعانة بشهادات عبد الكبير البزاوي، النقابي المعروف في صفوف الكونفدراليةً الديمقراطية للشغل، وَعَبَد اللطيف الدرقاوي الذي كان في اللجنة التنفيذية للمنظمة الطلابية ومن مؤسسي المنظمة الثورية السرية “لنخدم الشعب” وكثير من جيل شباب وطلبة فترة 1971-1972 مثل فتح الله والعلو، وَعَبَد اللطيف المنوني،و البشيري، وفوكيك، والموساوي المحامي بوجدة والصحافي عبد اللطيف منصور وَعَبَد المنعم الديلمي….

ومن الضروري منهجيا لفهم التجنيد الإجباري بالمغرب لسنة 2018 الرجوع الى التجنيد الإجباري لسنة 1971-1972 والمرور منهجيا من مرحلة التجنيد الإجباري وأسبابها ونتائجها في الماضي، بعد مرور حوالي 41 سنة، والعدول عن التجنيد العسكري الإجباري الى مشروع بديل كان يعرف في المغرب بالخدمة المدنية الإجبارية Service civil الذي ظهر بعد تخطيط المخزن لإدارة الشؤون العسكرية والمدنية بعد المحاولتين الانقلابيتين، وفتح السجون السرية مثل تازمامارت…..

كانت الخدمة المدنية الإجبارية عامة وشاملة لجميع الشباب بالمغرب بعد تخرجه من الجامعات والمعاهد، في فترة نفوذ المخابرات المدنية المكونة من الأجهزة الأمنية التي اشتهر على رؤسها المنتمون لأجهزة أنواع المخابرات غير العسكرية مثل ادريس البصري وعلابوشً، والعشعاشي، ومحمد المديوري……، وانتهت بوفاة الجينيرال احمد الدليمي سنة 1983، ثم بعد ذلك تم إلغاء العمل بالخدمة المدنية والعسكرية معا، وخلق رديف من الشبيبات الحزبية المكلفة بإدماج الشباب في إطار تنفيذ السياسة المخزنية لكنها فشلت مع انتشار حراك الشباب غير المتحزب وظهور مصطلح الدكاكين السياسية في الساحة الحزبية……

ومن الضروري أيضا منهجيا استحضار تجربةً قوانين التجنيد الإجباري للشباب في مرحلة ما بعد سنة 2011 أي ما بعد الثورات التي قادها الشباب في مصر وتونس وليبيا وظهور حركة 20 فبراير 2011 في المغرب، ونخص بالذكر تجربة انقلاب عسكر مصر على حكم الإسلاميين، وإقرار الانقلابيين للتجنيد العسكري، بأشد أنواعه، ونقصد أنً منهجية المقارنة تقتضي دراسة هذا النوع من التجنيد في مصر الذي ربما يحاول الحكم المغربي تقليده في مواجهة حراك الشباب ،وخاصة بعد انتشار شعار “لا لا للعسكرة” في صفوف حراك الريف، وامتداده الى مناطق أخرى في المغرب، وربما فهم منه المدبرون للسياسة المخزنية نوعا من التنافر بين العسكر والشعب، وهو اُسلوب تقارب بينهما، مما يطرح معه سؤال هل التجنيد الإجباري هو سياسة مدنية حكومية، أم هو سياسة عسكرية؟ وهل هو نوع من إطلاق يد العسكر في صفوف المدنيين الشباب، أي بداية لعسْكرة الشعب، وذلك بعد إحالة كبار شيوخ ضباط الحكم مثل حسني بنسليمان وعروب والعشرات من أمثالهم على التقاعد خاصة في ظرفية 2016-2018.

لاشك أن التجنيد الإجباري مطروح ميدانيا بالنظر إلى عدد القوات التي استخدمت لمواجهة حراك الريف والتي تذهب بعض التقديرات الى كون عددها يقارب أربعين ألفا، واستهلك ميزانية تشير إليها مرافعات محامي الدولة في ملف معتقلي الريف بأنها تبلغ حوالي 24 مليار سنتيم خلال الممتدة مابين أكتوبر 2016، وأن تكاليف العمليات العسكرية تحتاج إلى جيش المجندين إجباريا، أي الجيش الاحتياطي لقمع أنواع الحراك الذي بدأت رقعته تتجاوز قدرات الجيش النظامي الدائم …

وتدخل ظاهرة التجنيد الإجباري للشعب في سياسة الاستعداد للحرب، وعدم الثقة في السلم الذي يسيره المدنيون، وفتح باب ممارسة العسكر للتعامل مع الشعب لأنه يتمكن من إحصاء الشباب المؤهل صحيا وأخلاقيا لخوض الحروب والتدريب عليها مما يفتح الطريق لتدخل العسكر في السياسة، والإطلاع على أحوال الأسر عن طريق دراسة ملفات التجنيد الإجباري….

هذه إشارات إلى نقاط تتطلب كثيرا من الجهد والتوضيح من اجل رصد ظاهرة التجنيد الإجباري في عمقها التاريخي وعواقبها الحالية والمستقبلية.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *