1- مسار مصالحة الحزبين “الجمهوري والإداري”
أغلب ما يؤاخذ على حزب القوات الشعبية، عبر انتقادات أو لوم او مساءلة أو إدانة حتى، صح وبمثابة حق يراد بمجمله باطلا، بخلفيات التشويش على الموقع السياسي في سياق إضعاف القوة التفاوضية؛ والحال أنه لم يكن بد أن تهدر الطاقات والإمكانيات بالنسبة لمن لهم غيرة فعلا على مطلب تأهيل المشهد الحزبي وعلى تقويم الاختلالات الواقعية او المفترضة او المغرضة حتى.
فمن يتابع مسار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إقترانا مع مسيرة التجمع الوطني للمستقلين، منذ واقعة غضب الراحل الحسن الثاني على حزب بوعبيد، واقتراحه لإجراء حله سنة 1981، لولا اعتراض احمد عصمان، صهر الملك ومجمع ورئيس حزب الحمامة؛ سيتبين له أن نفس الغضب طال هذا الأخير، فكلما دنا حزب الوردة من عتبة البعد الاجتماعي وحاول استعمالها للضغط وتقوية الموقع التفاوضي تجاه الدولة، إلا وطرح سؤال تقليم الأظافر، ونفس المصير يلقاه حزب الحمامة كلما ابتعد عن الوسط نحو القمة.
وهذا يعد أحد الأسباب الخفية لتقسيم الحزب ودعم النقابي أرسلان الجديدي وزير الشغل، وصديقه العسكري سابقا عبد الله القادري، المبعوث إلى محاربة درك كاتنكا بالزايير، ثم جلال السعيد، من أجل الإنشقاق وتأسيس حزب “الفَلاَّحة”، وفعلا هو معبر سياسي للبورجوازية الزراعية والتي تحولت إلى عقارية بعد جائحة الجفاف، كما تمت تعبئة النصف المتبقي لكي ينسلخ “انتخابيا” في الولاية التشريعية اللاحقة؛ ويؤسس حزب الاتحاد الدستوري، برئاسة النقيب المعطي بوعبيد، بعد أن فسخ علاقته حزبيا مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (تيار عبد الله ابراهيم والمحجوب بن الصديق)، وكأن في الأمر رسالة إلى عبد الرحيم بوعبيد شخصيا، من حيث تعمد تماهي الاسم وكذلك الماضي الانتخابي المشترك.
فالمعطي كان رئيسا للمجلس البلدي لسنة 1960 على رأس أغلبية اتحادية ساحقة. هذا الحزب الذي ركز على جلب الشريحة الدنيا و الوسطى من الطبقة البورجوازية المتوسطة، وقد التحق به عدد كبير من الأطر الإدارية و التربوية والأطباء والمحامين، و اغلبها استقطب من وعاء “الحركة الوطنية والتقدمية” خاصة بعد تعيينه وزيرا للعدل ثم ترقيته وزيرا أولا. وقد توافقت الإرادات “موضوعيا” او عن “ارادة وقرار” حول تحصين التعبيرين بحزام حقوقي وإعلامي وثقافي، وكان الوعاء الحاضن هو المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إضافة الى الحضور الرمزي في دينامية إتحاد كتاب المغرب والنقابة الوطنية للتعليم العالي والنقابة الوطنية للصحافة.
لقد تعززت العلاقة بصفة واضحة (فوقيا لأن الصراع ظل خلافيا على المستوى المحلي، في الجماعات الترابية أقصد)، وعلى الخصوص بمناسبة تعيين حكومة التناوب التوافقي، وخلال تدشين مسلسل الإنصاف والمصالحة، رغم أن الاتحاد الإشتراكي لم يشارك في المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بعد أن توافق الحزبان على تفويض الحضور لمناضليهما من خلال المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي اختيرت ضمن تشكيلة لجنة متابعة توصيات المناظرة الوطنية، إلى جانب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من اجل الحقيقة والإنصاف. ثم إن الأدوار التي لعبها حقوقيو حزب الحمامة، كأطر مثقفة ليبرالية منفتحة وسطية ومعتدلة، ساهمت في تعميق جسور التواصل والتعامل، حول حد، وسط، لا يبلغ درجة التآلف و التماهي، ولكنه كافي للتصالح مع تصنيف الإدارية (التي كانت تنعت بها الأحزاب التابعة او المصطفة إلى جانب السلطة العمومية) أو تصنيف الجمهورية او الانقلابية (المنسوبة الى الحركة الاتحادية)
يتبع مع الشق الثاني تحت عنوان :
– آفاق التحالف التكتيكي لوسطي اليمين و اليسار.