تراكمت بسرعة فائقة معطيات كثيرة خلال فترة الحجر الصحي وحالة الطوارئ، هي بحق وقائع مهيكلة لمشهد وطني جديد ومختلف ، على الأقل على مستوى التقييمات والمراجعات وتغيير الاصطفافات ، في ظل الوعي بضرورة رد الاعتبار للبعد الاجتماعي في الهويات الحزبية والسياسات العمومية، باعتبار التشخيص الذي ابرزت ملامحه بقوة وصدمة هشاشة المنظومتين الصحية والتعليمية في بعدهما المعرفي واللوجستيكي ، مما طرح امكانية استفادة جميع الفرقاء من اللحظة الوطنية من أجل تأهيل تلك القطاعات وبضرورة فك الارتباط مع توصيات المؤسسات المالية الدولية أو الهيئات المانحة للمساعدات في شكل قروض اشتراطية.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح : هل الدولة مستعدة لتحصين ارادتها اي كذا ” إعلان نوايا” الاستدراك وانقاذ ما يمكن إنقاذه لمصلحة الوطن العامة، أمام إكراهات التحولات الجيوسترايجية الجارية في العلاقة مع القضية الوطنية والقضية الفلسطينية والمواعيد الانتخابية ، والتي يظن البعض أنها فرصة تعبوية سانحة لاعادة تسطير خريطة سياسية جديدة ؛ إلى درجة أن حزب المصباح اعتبر نفسه مستهدفا ، بدليل ردود المسؤولين من داخل قنوات الحزب والتي تفيد ، في صيغة تحدي أن ” رغم التطبيع مع اسرائيل سنظل في المرتبة الأولى اللهم اذا حصل تدليس تشوب ارادة الناخبين “.
مما يعني أن قوة وحجم الحزب ستتعزز في المحطة المقبلة بسبب الفراغ و تقهقر المنافسين ؛ وقد تعني في نفس الوقت أن ما يهم الحزب هو ضمان الاستمرارية مقابل عدم عرقلة مسارات التسويات الدولتية الجارية وعدم التشويش على تعهدات الدولة والتزاماتها الدبلوماسية الدولية . هذه الرسائل ستفك شفرتها ظرفية ما بعد ولاية ترامب ، مع الرهان ( من قبل الاسلاميين ) المفترض على صداقة ودعم الديموقراطيين مالكي القرار والسلطة في أمريكا ؛ وهو معطى سيؤثر على بيئة التفاوض لغاية بقاء الحال على ما كان على صعيد المشهد السياسي الوطني.
في حين ليس لليسار ولم يعد له ما يقدمه سوى حلحلة الملف الاجتماعي والحقوقي في سياق استكمال تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، رغم أن العملية السياسية التي رافقت العهد الجديد استنفذت دورتها ، ولم يبادر الصف التقدمي إلى البحث عن تسوية تؤسَّس على ابتكار جيل جديد من الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية على الخصوص ؛ والحال أن الأحزاب اليمينية مضطرة للميل نحو الوسطية الحزبية ، لدعم الاصلاحات الاقتصادية ودمقرطة القرار المالي ، مع ترشيد شرط الوطنية الرأسمالية لتأطير التنافس مع الرأسمال الأجنبي واستثماراته المسقبَلة ، خاصة وأن سؤال ثنائية السيادة والانفتاح بمنطق التبادل الحر ، سيطرح نفسه في العلاقة مع أسئلة التنمية والديموقراطية في الأقاليم الجنوبية ، من سوس إلى الصحراء ، وهو مشروع تنموي يؤثت لاستيعاب وتفعيل مقترح الحكم الذاتي.
فهل سيتجاوب العقل الأمني مع ممكنات الانفتاح والتوافق بتأطير التسويات الممكنة لضمان استقرار حقيقي باقرار حكامة أمنية وقضائية ( مجلس أعلى للامن ومجلس دولة للاستشارة والقضاء الاداري ) ، أم أن ما يهم هذا العقل هو الإعداد لأي انتقال سياسي اضطراري ، يضمن استمرارية المنظومة وحماية النظام والدولة كأولوية الأولويات في جدول الأعمال الوطني ؛ وهل ما تبقى من وجود وشتات تقدمي قادر على تكرار تجربة التناوب التوافقي دون أعطاب ، لكن بنفَس أقوى ووضوح تعاقدي اشتراطي بيِّن ، حيث لا تكفي حسن النوايا فقط ، بل لابد من عملية تعبوية من أسفل نحو الأعلى ، يرافقها نقاش عمومي عرضاني ، يفرز ثمرات توافقية ، تتجاوز عقلية عدالة المنتصرين وثقافة ايديولوجية الهزيمة أو فوبيا الإنقراض ؟