المدخل :
لا أحد يمكنه نكران أهمية التراث المادي واللامادي في تاريخ وحضارة ووجود الشعوب، بل الخصوصية والتميز بين الشعوب تجسده تلك التراث، والتي تكون نتاج وعصارة تجارب الحياة، والتأقلم مع المحيط والمجال الجغرافي، وطريق العيش، وأنماطه، تصل إلى درجة أن التراث المادي حضارة إنسان على الأرض، واللامادي ثقافة وعادات وتقاليد ذلك الإنسان الشفهية والطقوسية .
والزائر بمنطقة أيت صواب التي تضم في اتحادية أيت صواب اثنا عشر قبيلة أمازيغية عريقة في التاريخ ، قيادة تنالت، إقليم اشتوكن أيت باها سيكتشف عبر الطريق الرئيسية الوطنية رقم 1011 وعبر المسالك الثانوية، وبالدواويير والمداشر تراثا ماديا أسسه له الأجداد في مراحل سابقة من تاريخ هذه المناطق الصامدة أمام كل التحولات والرغبات الخاريجية لطمس الهوية، وعبر عادات وتقاليد الساكنة تنكشف حقيقة مادة خامة مهمة من التراث اللامادي لهذا المجتمع الابودراري .
التراث المادي :
من الصعب الإحاطة بجميع أنواع التراث المادي بالمنطقة، لغياب إحصاءات رسمية للمواقع والأمكنة، إضافة إلى ما مر عليه الزمان وأخفى معالمه ومسح أثاره، ولم يعد أحد يتذكرها ومواقعها، وهذا يجب أن يكون عمل الطلبة أبناء المنطقة لخوض غمار البحث الاثاري بالمنطقة لاكتشاف حقب زمنية غابرة، ومن خلالها حياة المجتمع وبالتالي تاريخ المنطقة من خلال المآثر العمرانية .
وللمساهمة في إثارة الموضوع، وفتح نقاش عمومي حوله، أرى أن البداية ستكون ب :
البناء :
ويعد نموذج البناء بأيت صواب فريدا من نوعه، يحتاج إلى دراسة معمقة من حيث مواد البناء والتي تختلف من منطقة الى أخرى، والتصاميم، وأمكنة البناء والسكن، ومكونات البيوت الادرارية، وكلها مداخل للتراث المادي الرائع بالمنطقة يقف أمامه الزوار مندهشين .
المدرجات الفلاحية :
وهو نموذج فلاحي رائع، لتدبير المجال في المجال الفلاحي، استطاع الإنسان الابودراري توفير مدرجات فلاحية رغم صغرها وعرة الوصول إليها أحيانا مجال للحرث وزرع الأشجار المثمرة، حتى أصبحت شعار المنطقة فلاحيا .
المسالك :
يجب التفكير مليا في المسالك خاصة التي تخص البهائم والأرجل، كيف تشق، وكيف تدبر في المساحات الخاصة والعامة، وفي سفوح الجبال، ومجاري المياه والوديان، من ابداع ونظرة صائبة تجمع بين التدبير المحكم للمجال وضمان السلامة وتحدي الطبيعة والمناخ .
تيمركيدوتين :
هي نوع من المنطفيات تشيد بقرب من المسالك الرئيسية، وأماكن الاستراحة، تحترم من طرف الساكنة المحلية والغرباء، تملأ من مجاري خاصة في الشتاء، ولا تستغل إلا من طرف المارين أو الزوار في الشرب أو الوضوء للصلاة، تطورت مع التحولات المجتمعية بالمنطقة، ومازالت متواجدة بمجموعة من المناطق ومعروفة لدى العامة والخاصة، نمط من تدبير المياه وتوفير الحاجة منها إلى كل عابر سبيل أو مار .
الأضرحة :
من الأمكنة العبادة والتزور، بالمنطقة عبر التاريخ الأضرحة التي تعرفها المنطقة بشكل كبير، وبعيدا عن قراءة دينية للظاهرة، الأضرحة بكل أنواعها بالمنطقة تراث مادي، يجسد أولا فكرة البناء في تلك الأمكنة النائية والبعيدة أحيانا، وتوفير مواد البناء إليها، وكل ظروف العيش والاستقرار لصاحب الضريح، وزواره بعد وفاته، والوقار والاحترام الذي تحضى به عند العامة والخاصة، وتلك الطقوس التعبدية للزوار .
المدارس العتيقة :
هي الأخرى نماذج لمؤسسات تربوية وتعليمية، تعد من التراث المادي بالمنطقة، منها ما يعود إلى قرون مضت بقيت صامدة أمام التحولات المناخية والمجالية حافظة على الشكل والهندسة وكذا نمط التدريس والتفاعل مع المجتمع ، وكل الوظائف الدينية والمجتمعية .
المساجد أو بيوت الله :
أفضل استعمال بيوت الله عن المساجد، ليس تنقيصا من قيمة تلك الأمكنة الدينية والتعبدية، ولكن إيمانا مني بوجود فرق بين المسجد وتيمزكيد، بحيث المسجد يكون كبيرا، تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة، وليس ملكا للقبيلة أو الجماعت، ولا ثلجه النساء إلا يوم الجمعة لصلاة الجمعة، إضافة إلى صومعة تميزه، بينما تيمزكيد تكون فضاء للتدين ومكان اللقاء والتشاور وإقامة مذوبات الطعام ( الصدقت_المعرائف) من طرف الرجال والنساء، ولا تشترط فيها الصومعة .
وبالتالي فتيمزكديون بيوت الله بالمنطقة، من خلال طريقة البناء، ومواد البناء، ومكونات هذه الأمكنة، تراث مادي مهم جدا بالمنطقة.
برج تنالت :
رغم أنه يعد من البنايات الأولى للاستعمار الفرنسي بالمنطقة، ودليل تواجده على هذه الأرض الطاهرة، إلا أن بناء البرج وتصميمه كان من طرف أحد أبناء المنطقة مع مجموعة من أبناء المنطقة من قبائل مختلفة جمعتهم الظلم والعبودية والاستعمار للقيام بهذا الانجاز الرائع الذي مازال صامدا منذ 1936 مم إلى الآن يشهد على خبرة المصمم ونابغة عقله، وأمامه يتواجد بيرو تنالت ( مكتب المقيم الفرنسي أيام الاستعمار) يشهد على فترة استعمارية كادت أن تختفي أخبارها مع رحيل المقاومين ورجالات أيت صواب الذين عاشوا تلك المرحلة من تاريخ المنطقة وتاريخ المغرب الحديث .
تيكمي ن القائد المدني :
وبدوار تلتمسن، قبيلة اساكن، تعاني تيكمي ن القائد المدني الإهمال والتهميش أمام أعين أبناء وبنات تلك المنطقة الذين يبحثون كل مرة عن طريقة لإعادة المنزل إليهم قانونيا لإعادة هيكلتها وترميمها وتحويلها إلى معلمة تراثية فنية تاريخية.
هذه البناية التي شيدها أبناء المنطقة، وتفننوا في البناء والتصميم ، في استجابة قهرية للقائد الذي اختار تلك المنطقة لما كان توفره من شروط الاستقرار من الماء والمجال والأشجار والمناخ الجميل، وكان مكان اللقاء وإصدار الأحكام والتخطيط والإستراتيجية وكذا مكان المناسبات الكبرى الفنية والغنائية تشهد على فترة مهمة جدا من تاريخ أيت صواب المنسي .
محكمة عرفية بمركز تاركانتوشكا :
على بعد أمتار من مركز تاركانتوشكا تتواجد بناية كانت عبارة عن محكمة عرفية في فترة الاستعمار الى بداية الاستقلال ، تشهد على أحكام ومنازعات عائلية وأحيانا قبلية ، تعاني الإهمال والتهميش في ظل غياب مسؤول حقيقي يمكن مخاطبته بشكل مباشر .
ماهو واقع هذا التراث المادي بالمنطقة ؟
هذا التراث المادي لأيت صواب يعيش واقعا مزريا، أمام الإهمال والتهميش، وغياب مسؤول اداري يمكن مخاطبته بشكل مباشر من أجل رد الاعتبار، والإنصاف الحقيقي لهذا المكون التراثي الذي يعبر عن تاريخ وحضارة أيت صواب .
حلول مقترحة:
تحرك بعض مكونات المجتمع المدني واختيار الاشتغال على الجانب التراثي في شقيه المادي والمعنوي بالمنطقة، من جمعيات ( جمعية تايافوت الثقافية والفكرية أيت صواب، مركز أدرار للبحث والتوثيق نموذجا) وفعاليات مدنية مستقلة وفاعلة في مجال التراث المادي واللامادي ( الأستاذ محمد أوشن نموذجا) تقف أمامه عراقيل جمة من قبيل غياب الدعم المادي للجمعيات المدنية العاملة في مجال الثقافة عموما، عدم اختصاص المجالس المنتخبة محليا وإقليميا، عدم وجود مندوبية وزارة الثقافة بالإقليم، غياب الوعي لدى الفاعل الاقتصادي المحلي بأهمية الاشتغال على مستوى الثقافي والتراث المادي واللامادي، كلها عوامل يجب الاشتغال عليها من أجل رد الاعتبار والإنصاف الحقيقي وإنقاذ ما يمكن انقاده من مادة أساسية من تراث مادي عظيم ومهم بالمنطقة، تبقى مسؤولية الجميع وفي مقدمتهم الدولة عبر الجهات الوصية .
من إعداد : الحسن بنضاوش زيري