محمد فارسي
تتلاقح اللغات مع بعضها البعض خلال تطورها التاريخي والجغرافي، مما يتسبب في حالات تداخل لغوي والذي يمكن أن يحدث لعدة أسباب: كالتحدث بلغتين في مناطق قريبة جدًا، ليؤدي الأمر بهما إلى الاندماج أو لتمتع إحدى اللغتين بتأثير مهم للغاية، سواء عن طريق تأثير السياسية أو الاقتصاد أو الثقافة…إلخ، وفي الأخير تظهر كلغة مشتركة، وبالتالي يشعر المتحدثون باللغة العامية بالحاجة أو الالتزام بتبني هذه اللغة. بالإضافة لتأثير لغات معينة على الآخرين في مجال معين (مثل المجال التقني)، لأن ظهور واقع جديد لا يحدث في كل مكان في نفس الوقت، والمجتمع الذي يستعير هذا الواقع الجديد يدمج في نفس الوقت المعجم الأجنبي في معجم لغته.
في نفس السياق، وخلاصة للأسباب الناتجة عن التلاقح اللغوي، فإن اللغات تؤثر على بعضها البعض، والتي يمكن أن تتجلى في الاقتراض المعجمي، والصيغ النحوية الجديدة، وما إلى ذلك. هذا ما يؤدي بشكل ملموس إلى ظهور كلمات جديدة (ربما تتكيف مع النطق الخاص باللغة)، وتحولات جديدة للعبارة أو الترجمة الحرفية للتعابير الاصطلاحية التي تسمى بالكالك. لهذا فإن دراستنا ستكون تحليلا لأحد الأعمال الترجمية الأمازيغية1، من خلالها سنعالج إشكالية الاستنساخ في الترجمة، وإلى أي حد يمكن اللجوء إلى هذه العملية.
- حول مفهوم الاستنساخ le calque
يعتبر ج. ديبوا J. DUBOIS بأن الاستنساخ Le calque هو عندما تذهب اللغة (أ) لتترجم كلمة بسيطة أو مركبة تنتمي إلى اللغة (ب) والكلمة أو المصطلح المترجم موجود سلفا في اللغة2. إضافة على أنه نوع من الاقتراض اللغوي الذي يختلف تماما مع ما هو شائع حول الاقتراض اللغوي، لهذا فإن الاستنساخ والاقتراض ينتج عن الاتصال بين لغتين مؤثرتين بشكل متبادل، أو تؤثر إحداهما على الأخرى، والتي تتم بشكل عام من اللغة السائدة إلى اللغة المسيطرة. هاتان الظاهرتان متميزتان بمعنى أن الاستنساخ يعتمد على إنتاج وحدة معجمية جديدة، ولكن الاقتراض هو عنصر أجنبي مستورد مع دلالاته ومدلوله.
إذا أخذنا هذا المثال:
taddart n tadelsa = دار الثقافة
فسنرى بأن هذه الصيغة المكونة من مفردان ينتمي كلاهما إلى اللغة الأمازيغية، فقط الأول هو مفرد مشترك بين التعبيرات الأمازيغية والأخر هو مفرد جاء عن طريق التوليد مشتق من كلمة adelis) =كتاب) ليكون مثل مقابله العربي ليكون في الأخير شبيهه شكلا وبنية، هذا ما يشير بأن الاستنساخ هو نوع من الترجمة لكن الحرفية.
لكي نبين أوجه الاختلاف بين الاقتراض الاستنساخ، سنستعين بهذا المثال:
tasikritarit n uwanek = سكرتارية الدولة
هذه الصيغة تتكون من مفردين tasikritarit)) المقترضة من اللغة الفرنسية ومفرد (awank) التي تعني الدولة في اللغة الأمازيغية، ويمكن أن نلاحظ بأن الصيغة بأكملها خضعت للاستنساخ بالاستعانة من مفرد مقترض.
- إشكالية الاستنساخ في الترجمة إلى الأمازيغية
تعتبر عملية الترجمة من بين العمليات التي تستوجب استحضار العديد من المعارف، بعد امتلاك لغتين بشكل رصين ومتين (لغة المصدر ولغة الهدف)، هذا التعقيد الذي يحيط بعملية الترجمة وخاصة في ترجمة النصوص الأدبية كجنس الرواية نظرا لتعدد المستويات الذي يتشكل منها النص3. فترجمة نص روائي يستدعي الكفاية اللسانية والدلالية لتحليل الخطاب المحوري للنص، من هذا المنطلق، وعزمنا على الفصل في موضوع الاستنساخ وعلاقته بالترجمة، فإننا سنقوم بإبراز مكامن استعمال الاستنساخ في إطار عملية الترجمة وخاصة إلى اللغة الأمازيغية التي تعتبر أساس بحثنا.
استندت مقاربة الأسلوبية المقارنة في وضع مراحل للترجمة وفق عملية الاستنساخ، وقد ظهرت هذه المقاربة على يد اللسانيين الكنديين Jean DARBELNET وJean-Paul VINAY، حيث وظفا مفهوم الأسلوب المقارن في منشوراتهما4. وتجدر الإشارة أنه قبل الأسلوبية المقارنة، قام اللساني Charles BALLY بتقديم مفهوم الأسلوبية الحديثة la stylistique moderne، وهذا يشير إلا أن مفهوم الأسلوبية مر بمرحلتين: الأسلوبية الحديثة والأسلوبية المقارنة la stylistique moderne et la stylistique comparée.
يتميز مبدأ الدراسة عند VINAY وDARBELNET بمقارنة الأنظمة اللغوية باعتباره هدف من أهداف الترجمة. إذ في الواقع لاحظوا أن الانتقال من لغة إلى أخرى يتم إما عن طريق الترجمة المباشرة أو عن طريق ترجمة المعنى5. وهذا يعني، هناك طريقتان للترجمة، وكل منهما يتكون من عمليات فنية، وقد حددت ثلاث عمليات للترجمة المباشرة وأربع عمليات للترجمة.
في العمليات الفنية للترجمة الحرفية direct/littérale، نجد في المقام الأول، نشوء ظاهرة الاقتراض اللغوي التي تحدث بسبب اتصال اللغات، إذ يعد الاقتراض اللغوي أبسط عمليات الترجمة، بمعنى آخر، هو ثغرة ميتالسانية أو فوق لسانية une lacune métalinguistique. أما في المقام الثاني، نجد، الاستنساخ le calque الذي يعتبر اقتراضا لغويا من نوع خاص، إذ يكون على شكل كلمة أو عبارة مستعارة من اللغة الأجنبية، لكن العناصر التي تتكون منها تترجم حرفيًا”6.
في نفس السياق، هناك أنواع من الاستنساخات، والتي تتعلق بالتعبير والبنية. ففي شق الاستنساخ التعبيري فإنه يحترم الهياكل النحوية للغة الهدف عن طريق إدخال وضع تعبيري جديد، أو استنساخ البنية التي تقدم بنية جديدة في اللغة الهدف7.
علاوة على ذلك، كملاحظة، وضح VINAY أن هناك كلمات دخيلة أو كلمات مستنسخة خضعت لتطور دلالي منذ أن دخلت المعجم.8 مما حدث لها بما سمى ظاهرة la déviation sémantique، لهذا، فإن وضعية المترجم في هذه الحالة، يعتبر غير ملزم بتغييره. أخيرًا، العملية الأخيرة، تتجلى في الترجمة الحرفية أو الكلمة مقابل الكلمة التي تشير إلى الانتقال من لغة المصدر إلى اللغة الهدف والتي تنتج نصا صحيحا في بعض الأحوال أو مسكوكا9.
علاوة على ذلك، تستند الترجمة الحرفية على شروط ومعايير نظرية أساسية حتى يكون لها “نجاح”، ولكن من حيث المبدأ، فإن درجة الترجمة الحرفية ضعيفة، ويجب على المترجم أن يتفاداها بكل الأشكال، أي، أن الترجمة السيئة أو الرسالة غير المقبولة ناتجة عن ترجمة حرفية سواء قدمت معنى مختلفًا، أو لا، بسبب أسباب هيكلية أو لعدم التوافق مع نفس سجل اللغة10.
أما في حالة ترجمة نص من نفس العائلة اللغوية أو عندما يكون هناك تشارك في الثقافة نفسها، يمكن أن يكون هناك توفيق في توصيل المعنى، وهذه الوضعية تتاح عن طريق “تعايش مواطني الدولتين خلال فترات ثنائية اللغة 11، لكن على العكس من ذلك، فإن الترجمة الحرفية من الصعب أن تتوفق، خاصة على المستوى الدلالي والنحوي.
أمثلة تطبيقية:
الاستنساخ التعبيري هو احترام البنية التركيبية للغة الهدف في حالة عدم تواجد التعبير الأصلي، أما البنيوي فهو الذي يقدم بناء جديد في اللغة الهدف.
مثال تمهيدي:
نص المصدر: (ها هي زينب 12)
نص الهدف: (ha zaynab 13)
من خلال هذا المثال يتضح أن المترجم قد استنسخ أداة التنبيه (ها) إلى الأمازيغية باستعماله نفس التعبير (ha). إن كان عدم توفر اللغة الأمازيغية على ما يعادل الأداة ربما سيكون المترجم قد حاول تقديم بديل من أجل تخطي المأزق، لكن من جانب أخر، فإن المعادل في اللغة الأمازيغية موجود، ويمكن أن نترجم العبارة إلى اللغة الأمازيغية على الشكل التالي: (aqqa zaynab) أو (aqqa tt zaynab).
من خلال المثال التمهيدي، يتضح أن المترجم في بعض الحالات يحاصره النص المصدر من كل جوانبه، لذلك يرى بأن أي خروج عن بنية اللغة المصدر سينتج عنه ترجمة سيئة لكن هذه التحدي النفسي الذي يطرح نفسه في المقام الأول في مقابل التحدي في احتواء المعنى ورسمه بشكل لساني سليم يتوافق واللغة الهدف هو من يؤدي إلى فشل العملية العلمية للترجمة.
ربما تعتبر ألية الاستنساخ من الاليات الترجمة التي تساعد بكل سهولة أن يخرج المترجم من المأزق الدلالي والمعجمي واللساني، ولربما هي بنفسها من تطيح به فخ فشل الترجمة عما تنشده من أهداف. في نفس السياق سنوضح بشكل مستفيض على شكل أمثلة من نفس النص المترجم 14 لتوضح الاستنساخ.
بعد رصدنا لنماذج للاستنساخ التعبيري، وجدنا بأن الحرفية في الترجمة تشكل نسبة مهمة لهذا اكتفينا بهذه الأمثلة كما هو مبين أعلاه في الجدول لأن المجال لا يسعنا. إن التعبير الأول كما يتضح في الجدول نجده على هاته الشاكلة:
(تخرج من غرفتها)
في حين في الترجمة إلى الامازيغية نجد على الشكل التالي:
(Teffeɣ-dd zi texxamt nnes)
وقدمنا بديلا يتمثل في هذا النموذج:
(Teffeɣ d zeg uxxam nnes)
إذ غيرنا كلمة (taxxamt) التي ترجمت حرفيا كاسم مؤنث كما هي موجودة في اللغة العربية إلى كلمة (axxam) كإسم مذكر، فإن السبب راجع أن في الثقافة الأمازيغية و خاصة في فرعها الريفي تستعمل كلمة (taxxamt) حينما نريد أن نتحدث عن وضع أحد المجرمين في الزنزانة نقول (ggin t di texxamt) أما غرفة فنستعمل كلمة (axxam). من هذا المنطلق، يجب على المترجم أن يكون يقضا في عملية الترجمة إذ كما رأينا فإن دلالة كلمة معينة تختلف في مؤنثها ومذكرها.
في المثال الثاني ودائما من الجدول أعلاه، نجد ان المترجم قد ترجم تعبيرا مجازيا كما بني في اللغة العربية من:
(شعرها داكن الليل)
إلى:
(Acewwaf nnes yeḥdeq am tmeddit)
ولم ينتبه لدلالة كلمة (tameddit) بشكل فردي وإضافة كلمة (tallest) التي تضفي جمالية أدبية حول التعبير لتعطي لنا في الأخير تعبيرا مجازيا معبر ثقافيا
(Acewwaf nnes iḥdeq am tallest n tmeddit)
في نفس السياق، نجد نفس الشيء في موضع اخر، إذ المترجم قد استنسخ تعبير:
(حتى المشاعر التي أحكم عليها الإغلاق بين الصدور)
كما هو في نص المصدر:
(Ula d tiktayin i xef twabellԑen yedmaren)
ودلاليا في الشق الثقافي الأمازيغي لا يمكن أن يفي بالغرض الموسوم، إذ يوجد مقابل لهذا التعبير وهو شائع:
(Ula d tiktayin i innuffaren deg ul)
إذ لا يمكن لقارء أمازيغي أن يستسيغ هذا التعبير إذ المشاعر في الثقافة الأمازيغية توجد في القلب وليس في الصدور.
في المثال الرابع نجد:
(كانت سلمى بكلامها كمن أشعل الفتيل قي قلب زينب)
نجد أن المترجم أيضا سار على نفس الطريقة في الترجمة، أي الاستنساخ الذي يعدم روح النص في اللغة الهدف، إذ من المنعدم ثقافيا أن نجد كلمة (الفتيل) تستعمل في هذا السياق كما هو مبين في النص المصدر كما ترجمها المترجم إلى هذا التعبير
(Tesserɣ Salma taftilt terɣa deg wul n Zaynab)
على غرار:
(S min d tenna n Salma am wenni issarɣen timessi deg wul n Zineb)
الذي يفيد حرفيا: إشعال النار في القلب. والاستنساخ أو الترجمة الحرفية شوهت حتى تركيب الجملة إذ نجد حشوا في التعبير باستعماله فعل (ssareɣ) مرتين أبان عن ركاكة في التعبير.
ونجد أيضا في المثال الخامس:
(لست أدري من أية طينة نشأت؟)
قد ترجمها المترجم حرفيا إلى:
(Wer ssineɣ mana weklasi-ya i teggid?)
إذ استعمل المترجم كلمة دخيلة (aklasi) مازالت تستعمل شفويا عند قلة من الناطقين بأمازيغية الريف، وهي كلمة لاتينية (classe) التي تفيد الصنف أو النوع أو الطينة كما هي موظفة في العبارة التي نحن بصدد دراستها، هذا الاستعمال الناتج عن الاستناد على الاستنساخ أو الترجمة الحرفية في عملية الترجمة إذ يمكن البحث عن مقابل في اللغة الأمازيغية كما وضحناه على الشكل التالي:
(War ssineɣ man aẓwaṛ i zi d teɣmi d)
في المثال ما قبل الأخير نجد كلمة (عالم) موظفة في تعبير ليس من الضرورة أن ننضبط لها ونترجمها بالترادف إلى الأمازيغية (amaḍal) لأننا في خضم ترجمة جملة تحمل خطابا في عمقها الدلالي، فالاختيار كألية نستند إليها في الترجمة يمكن أن تجعلنا نستغني عن كلمة (عالم) ونعوض التعبير في شموليته إلى هذا الشكل:
(Minzi tuɣa mkul ijj zzayneɣ ilha di tudart nnes)
أخيرا نجد مثال:
(الابتسامة انطفأت من شفتيه)
الذي ترجمه المترجم بحرفية تامة أصابت بشلل في فهم المعنى، إذ مجازيا في الثقافة الأمازيغية وخاصة الريفية منها لا يمكن أن نطلق هذا التعبير عن شخص يعيش في حالة حزن، وهنا في هذه الحالة يجب على المترجم أن يكون مسؤولا في نقل المعنى وإلا قد يحطم جسر التواصل الثقافي بين الأمازيغية والعربية، إذ من الأحرى بذل مجهود في البحث عن مقابل للتعبير كالشكل التالي:
(Asfarnen iɣli xef wudem nnes)
بعد رصدنا لبعض التعابير المستنسخة التي قدم عليها المترجم والتي بدورها لم تتوفق في إيصال المعنى المراد به في النص العربي وكذا فشلها في تقديمها عبر النص الأمازيغي، هذا ما يؤدي بنا إلا خلاصة بأن الاستنساخ التعبيري يستدعي دقة عالية في استعماله وذلك من أجل الحفاظ على الخطاب الذي يحمله النص الروائي، وهذا ما يجعلنا أن نستنتج بأن الاستنساخ أو الترجمة الحرفية تتجلى أرضية استعماله عندما يكون هناك فراغا في التعبير المقابل له l’équivalence أي عندما تكون اللغة الهدف لا تحتوي على تعبيرات تسد فراغها، وكما عرفتها مقاربة الأسلوبية المقارنة إذ يكون على شكل كلمة أو عبارة مستعارة من اللغة الأجنبية، لكن العناصر التي تتكون منها تترجم حرفيًا.
البيبليوغرافيا
– Amina BARWAḌi, ifetwisen ssekmaḍen, ungal, asuɣel: ԑebdelwaḥid ḤENNU, tifsarin n tmesmunt n taziri I tyumi d tussna -tsaft- azwel: 3, taẓṛigt tamezwarut, 2019
– DUBOIS et autres, Dictionnaire de linguistique et des sciences du langage, Paris, Larousse-Bordas, 1989, p.73
– Jean-René LADMIRAL, Traduire : théorèmes pour la traduction, Paris, 1979 : Payot. P. 7-28
– La stylistique comparée du français et de l’anglais de DARBELNETE et la stylistique comparée méthode de traduction de VINAY
– Zuzana RAKOVA, les théories de la traduction, masarykova univerzita, Brno, 2014, P. 89
– Zuzana RAKOVA, les théories de la traduction, masarykova univerzita, Brno, 2014, P. 96
– P. 96
– Vinay DARBELNET, la stylistique comparée du français et de l’anglais, 1958, P.P. 74.48
– Zuzana RAKOVA, les théories de la traduction, masarykova univerzita, Brno 2014, P. 96
– P. 96
– Zuzana RAKOVA, les théories de la traduction, masarykova univerzita, Brno 2014, P. 97
– أمنة برواضي، شظايا حارقة، رواية، الطبعة الأولى، 2014، ص: 10
– Amina BARWAḌi, ifetwisen ssekmaḍen, ungal, asuɣel: ԑebdelwaḥid ḤENNU, tifsarin n tmesmunt n taziri I tyumi d tussna -tsaft- azwel: 3, taẓṛigt tamezwarut, 2019, tasna: 10
– Amina BARWAḌi, ifetwisen ssekmaḍen, ungal, asuɣel: ԑebdelwaḥid ḤENNU, tifsarin n tmesmunt n taziri i tyumi d tussna -tsaft- azwel: 3, taẓṛigt tamezwarut, 2019