الترجمة إلى الأمازيغية، إشكاليات وحلول: “Ifetwisen ssekmaḍen” أنموذجا (ج2)

محمد فارسي*

تحتوي الترجمة على عدة استراتيجيات يتخذها الباحث من أجل تجاوز العراقيل التي يواجهها في نقل النص. من جهة نجد أن توظيف إحدى الاستراتيجيات لا يأتي رغبة ذاتية بل متطلبا موضوعيا، أي يتطلبه النص، إذ نجد منها ما يعدم النص كاستراتيجية الحذف، في المقابل نجد استراتيجية التوضيح التي يستعملها المترجم من أجل التعبير عن مصطلح ما عن طريق التوضيح بالشرح داخل النص وفي الغالب لا تشكل معرقلا قدر استراتيجية الحذف.

في نفس السياق، وبتركيزنا على مادة الدراسة (1)، سنوضح إلى أي حد يمكن أن نستعمل استراتيجية الحذف؟ ومدى تأثيرها على الوفاء أو عدمه للنص المصدر؟ للإجابة على هذه الإشكالات سنخصص محورين، الأول يتناول استراتيجية الحذف في الترجمة نظريا، والمحور الثاني سنخصصه لرصد هذه الاستراتيجية الموظفة في مادة الدراسة.

  • استراتيجية الحذف في الترجمة OMISSION

تتباين أراء منظري علم الترجمة حول مسألة الحذف والتوضيح، إذ يوجد من يزكي هذا الطرح باستعمال هذه الاستراتيجية ما لم يحدث تشوها في نقل المعنى الكامل أو النص المحذوف لا يكون ذا أهمية في بناء النص، والطرح الثاني يرفض هذه الاستراتيجية إذ تدخل في إطار عدم الوفاء الاحترام للنص ولمؤلفه، وما يلفت الانتباه أن أغلبية منظري علم الترجمة يرفضون هذه الاستراتيجية لما تخلقه من الفصل بين النصين المصدر والهدف.

NERGAARD ينحو منحى ضرورة الاحتفاظ بالنص وأن يظل المترجم متواضعًا قبل النص والمؤلف، إذ يجب أن يحترم نية المؤلف والأسلوب الشخصي. فالإخلاص لا يسمح بالحذف أو الإضافات، إذ يجب أن تبرز الترجمة النص الأصلي في تعقيده (2).

Méziriac تذهب إلا أن جمال اللغة لا يكفي لتقدير ممتاز للترجمة. ولا أحد يعترف بأن الولاء هو الجودة الأكثر جوهرية لأي مترجم جيد. في هذا السياق فإنه يقارن المترجم غير المخلص بالرسام الذي يصنع صورة جميلة لا تمثل خصائص النموذج. وتلاحظ أيضا بأن التوضيح والحذف مفيدة في بعض الحالات التي تتعلق بتفسير المعنى والشكل (3).

يمكن للمترجم أيضًا اختيار حذف الفقرات من النص إذا كانت ذات أهمية ثانوية (4). أما الحذف، فهي استراتيجية أكثر تأثير من الإضافة أو التوضيح، لأن حذف العناصر يؤدي إلى نص أقل تنوعًا والتواصل بين القارئ النص يشكل إزعاجا (5) بالإضافة إلا أنه يفقر النص ويعطي إشارات خاطئة (6).

إلى جانب هذه الرؤى حول استراتيجية الحذف في الترجمة نجد معجم terminologie de la traduction، بأن استخدام الحذف omission هو خطأ في الترجمة إذ يتمثل في عدم جعل النص الهدف عنصرًا في معنى النص المصدر بدون سبب وجيه (7).

  • استراتيجية الحذف omission من خلال مادة الدراسة

تعتبر استراتيجية الحذف من بين الاستراتيجيات غير الوفية للنص المصدر ومؤلفه. في هذا المحور سنستخرج بعضا مما حذف في عملية الترجمة وفق سعة هذا المقام.

من خلال جرد التعابير التي حذفت، فإننا نلاحظ أن المترجم استخدم استراتيجية الحذف بغزارة، وهذا ما يشير إلى أن عملية نقل نص المصدر إلى اللغة الأمازيغية سقط منها العديد من التعابير كما هو مبين في الجدول، إذ نجد بعض التعابير لم تنقل بشكل عام بل اختزلت، بالإضافة للتعابير التي حذفت بشكل نهائي. فمن بين التعابير التي قام المترجم باختزالها وذاك اعتبارا بأن المعنى قد وصل لكن لم ينتبه للحالة النفسية للتعبير ك:

(يقول الأب في نوع من الحزم)

إذ ترجم فقط:

(قال الأب)

فلو كان قول الأب غير ضروري لما وظفتها كاتبة النص الأصلي إذ هي تريد أن تعبر عن حالة غضب التي تهدف لتشكيل خطاب وهذا جزء منه.

نفس الوضعية نجدها في هذا المثال:

(ما هذه الصدفة يا كريم؟ إنها فعلا مفاجأة)

إذ استغنى المترجم عن التأكيد عن المفاجأة كما أكدت عليها كاتبة النص الأصلي.

إلى جانب الاختزال أو الحذف الجزئي نجد أن المترجم قد حذف بعض المصطلحات الفلسفية والاجتماعية ك: (السفسطة) و(الطبقة الاجتماعية) وهذا ما يجعل النص المترجم لا يحقق نسبة التواصل مع القارء في الأمازيغية كما يحققها في النص العربي، إذ يعد مفهوم (الطبقة الاجتماعية) من أجزاء تشكل خطاب النص الروائي، ومن يقرأ الرواية سيجد بأنها تعالج قضايا اجتماعية من خلال أسرتين الأولى فقيرة والثانية غنية.

بالإضافة إلا أن إشكالية المصطلحية من بين المواضيع الراهنة والتي تطرح على أرضية الدراسات الترجمية الأمازيغية والتي سنعود إلى هذا الموضوع للتفصيل فيه لاحقا.

يتميز السرد في النص الأصلي بخاصية وخاصة في توظيف الزمان والمكان إذ لم يأتي بتسلسل كلاسيكي بل بشكل متعاقب وهذا ما يجعل الفقرة الأخيرة من كل فصل في الرواية تمهد لفصل أخر لكن ليس بشكل تراتبي، وهنا نود أن نشير بأن تحليل النص الروائي تحليلا أدبيا سواء من ناحية الشكل أو الخطاب يعتبر من المراحل الأولى للترجمة، في هذا السياق نجد أن المترجم أغفل بعض الشيء هذا الجانب إذ نجد أنه قد حذف فقرة اخر نهاية الفصل الأول والتي تعتبر توظيفا من الكاتبة لتقنية الاستباق والتي بدورها تشكل تمهيدا للفصل الثالث.

الفقرة التي حذفت ولم تترجم كليا:

(تجيبها زينب وهي تمد يدها لفتح الباب:

  • اللهم لا اعتراض، هذه أختي وهي قضاء وقدر.

ترد عليها سلمى:

  • طيب عندما تعودين سيكون لنا موعد للحديث عن القضاء والقدر مع مراد، فهو يجيد الحديث في مثل هذه الموضوعات وبإسهاب.
  • تغلق زينب الباب وهي تعاتب أختها قائلة:

– لست أدري كيف تفكرين؟ أنا في واد، وأنت في واد أخر.)

في نفس سياق تقنيات السرد الروائي، فإن الكاتب دائما ما يلمح شيئا بتعبير أو كلمة واحدة ودائما هذا التلميح له علاقة مع الحبكة التي تعد اللبنة الأساسية للنص الروائي إذ يريد الكاتب أن يجعل القارئ متشوقا لمعرفة الأحداث اللاحقة ويجعله يتساءل ما السبب في قول الكاتب لهذا القول ومن بين الأمثلة الرئيسية في نص الدراسة نجد التعبير التالي:

(أجل ولكن الأمر لا يخلو من القلق الذي قد نحسه على الرغم منا)

هذه العبارة التي تجعل القارئ يتساءل لماذا القلق وإن كان بالفعل يوجد قلقا فسيكون حالة نفسية تعيشها الأم وليست الخادمة، هنا القارئ يتساءل حول الخادمة ومكانها الرئيسي في الرواية لأنه في الأول يرى بأنها فقط من الشخصيات الثانوية التي تساعد في تشكيل الصورة الروائية لكن في الأخير تنقلب أحداث الرواية ويظهر للقارئ بأن الخادمة لها دور رئيسي وديناميكي في تحريك الأحداث إذ ستظهر بأنها هي الأم الحقيقية لبطل الرواية التي كانت تخدمه في بيته والأم التي ظهرت في النص الروائي منذ بدايته على أنها الأم الحقيقية فستظهر في الأخير أنها ربته فقط.

إذن فالعبارة هنا لم تستخدمها الكاتبة بشكل اعتباطي بل استعملت أحد تقنيات السرد المعاصر هذا ما يجعلنا نرى بأن تقنية الاستباق موظفة بكثرة في النص. وهو ما لم يعمل به المترجم بحذفه لهذه العبارة الرئيسة، وهذا ما يؤكد لنا بأن تحليل النص الروائي شكلا وخطابا من المهام الأولى التي يجب على المترجم أن يعتمدها لترجمة عمل أدبي ما.

من جهة يتميز النص الأصلي للكاتبة بمعجم دينيي محض وذلك باستعمال أحاديث وآيات وتعابير قرآنية، ومن جهة أخرى، فالنص المترجم يحتفظ ببعض التعابير أحيانا وترجمتها كما في المثال:

(سبحان من يحي العظام وهي رميم)

وفي أحيان أخرى يعمد إلى حذفها كما هو الشأن مع:

(ما شاء الله)

(تمثل أمامه الآية الكريمة: (أدعوهم لأباهم هو أقسط عند الله))

يعتبر المعجم الديني الموظف في النص من محددات هوية هذا النص الروائي وهنا يجب على المترجم أن يبذل مجهودا من أجل ترجمة هوية النص إلى الأمازيغية بالمعنى على أقل تقدير.

  • البيبليوغرافية/bibliographie
  • Amina BARWAḌi, ifetwisen ssekmaḍen, ungal, asuɣel: ԑebdelwaḥid ḤENNU, tifsarin n tmesmunt n taziri I tyumi d tussna -tsaft- azwel: 3, taẓṛigt tamezwarut, 2019,
  • NERGAARD, Siri (a cura di): Teorie contemporanee della traduzione. Strumenti Bompiani, Milano, 1995
  • Zuzana RAKOVA, les théories de la traduction, masarykova univerzita, Brno, 2014, P. 46
  • Katan, David (1999). Translating Cultures. An Introduction for Translators, Interpreters and Mediators. Manchester : St. Jerome Publishing, P. 200
  • Ingo, Rune (1990). Lähtökielestä kohdekieleen. Johdatusta käännöstieteeseen. Juva : Werner Söderström Osakeyhtiö. Citer par : Anniina Olifirenko, Traduire la culture – Les mots étrangers, les mots transferts et les allusions culturelles dans les romans Purge et Les vaches de Staline de Sofi Oksanen, Université de Tampere Institut des études de langues, littérature et traduction Langue française, Avril 2012
  • Anniina Olifirenko, Traduire la culture – Les mots étrangers, les mots transferts et les allusions culturelles dans les romans Purge et Les vaches de Staline de Sofi Oksanen, Université de Tampere Institut des études de langues, littérature et traduction Langue française, Avril 2012, P. 23
  • Jean Delisle et outres, terminologie de la traduction, Edition, herausgeber, 1999, P. 60

 

* أستاذ اللغة الأمازيغية حاصل على ماستر في الأدب والترجمة

اقرأ أيضا

اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي

بمناسبة تخليد ذكرى عيد الاستقلال المجيد،وفي اطار برنامجها السنوي ،الجمعية المغربية للجيت سكي بأكادير المنضوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *