التشويهات الفرنسية لأسماء المدن الأمازيغية المغربية

مبارك بلقاسم

في مقال سابق كنت قد بينت للقراء أن Maziɣen (مازيغن) هو الاسم الأمازيغي الأصلي القديم لمدينة “الجديدة” المغربية. وقدمت للقراء عينات من نصوص للمؤرخين يذكرونها بذلك الاسم الذي هو “مازيغن”. وها هو واحد منها:

قال القاضي عياض (ولد: 1083م. توفي: 1149م) في كتابه “مذاهب الحكام في نوازل الأحكام” ما يلي: “… كان سفيان بن يعقوب بن حدو المصمودي القصري قد أوسق [حَمَّلَ] عنده سليمان الصنهاجي بمرسى مازيغن قمحا وشعيرا على أن يوصله إلى مدينة سبتة…”.

والمعلوم أن البرتغاليين والإسبان والفرنسيين شوهوا Maziɣen (مازيغن) إلى Mazagan فأصبح المغاربة بعد استقلال المغرب في 1956 ينطقون المدينة القديمة “مازاگان” أو “مازاگون” متأثرين بالتشويه الأوروبي. والجميع نسي أو تناسى Maziɣen (مازيغن).

وفي خضم ضياع الأسماء الأصلية للمدن والقرى المغربية بسبب التشويهات الفرنكوفونية والتعريبية وانعدام كتابة اللغة الأم (الأمازيغية+الدارجة) في الإدارات والمدارس فإن المثقفين المغاربة اليوم “ما مسوّقينش” لا يقومون بدورهم في التثقيف اللغوي ومحاربة الأمية اللغوية والتاريخية التي تنخر المغاربة، وليسوا مهتمين بمحاربة التشويهات التي تطال أسماء المدن الأمازيغية المغربية، وإنما هؤلاء المثقفون المغاربة منغمسون إلى الأذنين في الاستعراب والتأسلم والتفرنس والتأسبن في نوع من “لحريگ الثقافي واللغوي” الذي لا يختلف عن “لحريگ” العادي المعروف لدى الشباب المقهور الذي يريد الهرب من المغرب بأي ثمن.

ومدينة “الصويرة” (أو “السويرة”) المغربية رغم صغرها وضآلتها الديموغرافية تظهر كثيرا في الإعلام المغربي ولكن أغلب المغاربة لا يعرفون أن اسمها الأمازيغي الأصلي هو Amegdul.

والدولة المغربية والمثقفون يشوهون يوميا اسم هذه المدينة مرتين بالطريقة الفرنسية: Essaouira وَ Mogador. واسمها الأمازيغي Amegdul ضائع منسي لا يدرس ولا يكتب.

وكذلك يتم تشويه اسم مدينة “الجديدة” يوميا مرتين بالطريقة الفرنسية: El Jadida وَ Mazagan بينما اسمها الأمازيغي الأصلي Maziɣen منسي ضيعه المغاربة.

الدولة والمثقفون يصدعون رؤوسنا بعبارة “الأصالة المغربية” ولكنهم يتنكرون لهذه الأصالة المغربية عندما يتعلق الأمر بالأسماء الأمازيغية الأصيلة لمدن وقرى المغرب ويمسخونها إلى مسوخ بشعة من قبيل: “كازابلونكا”، “إيسّاويغا”، “موگادوغ”، “مازاگون” ويروجون هذه المسوخ في الإعلام والمدارس.

وهنالك تشويهات فرنكوفونية متفرنسة بالآلاف تروجها الدولة والمثقفون لأسماء مدن المغرب: Salé وَ Rabat وَ Casablanca وَ Khémisset وَ Tanger وَ Safi وَ Larache وَ Assilah وَ Témara وَ Oujda وَ Nador وَ Tiflet وَ Meknès وَ Fès واللائحة طويلة. وتسيطر هذه التشويهات المتفرنسة الفرنكوفونية بشكل عجيب على المغرب بإعلامه وإداراته ومدارسه وشوارعه.

والطريقة الأمازيغية اللاتينية لكتابتها هي: Sla وَ Eṛṛbaṭ وَ Anfa وَ Lexmisat وَ Ṭanja وَ Asfi وَ Leɛrayec وَ Aẓila وَ Tmara وَ Wejda وَ Ennaḍor وَ Tifelt وَ Meknas وَ Fas.

1) مدينة الصويرة هي Amegdul

يقول البكري (ولد: 1040م. توفي: 1094م.) في كتابه “المسالك والممالك” ما يلي:

“… وتسير السفن من ساحل نول إلى وادي السوس ثلاثة أيام، ثم من وادي السوس إلى مرسى أمقدول [أمگدول] وهو مرسى مشتى مأمون وهو ساحل وادي السوس، ثم إلى مرسى قوز [گوز أو أگوز] وهو رباط يعمره الصالحون وهو ساحل أغمات، ثم إلى مرسى أسفى [أسفي]، ثم إلى البيضاء وهو رأس جبل داخل في البحر، ثم إلى جزيرة فضالة وهو ساحل بلد تاسمنى [تامسنا] بلد برغواطة، ثم إلى مرسى ماريفن [مازيغن].”

وعندما احتل البرتغاليون مدينة Amegdul (الصويرة) في القرن 15 وجدوا أن سكانها ينطقون اسمها طبعا Amegdul فشوهه البرتغاليون إلى Mogador.

ثم انتقل هذا التشويه البرتغالي Mogador إلى بقية لغات أوروبا. ومع الاحتلال الفرنسي والإسباني للمغرب في القرن العشرين شاعت تسمية Mogador المشوهة لدى المغاربة الذين درسوا الفرنسية أو الإسبانية، فأصبح المغاربة أنفسهم ينشرون اسم Mogador كلما كتبوا شيئا بالحرف اللاتيني عن تلك المدينة وتاريخها، فأصبح هذا التشويه الأوروبي شائعا في الكلام والجرائد وفي أسماء المقاهي والفنادق والشوارع ونحو ذلك، مثلما حدث مع تشويه أجنبي آخر هو Casablanca الذي حل محل Anfa ومثل التشويه Mazagan الذي حل محل Maziɣen.

والمصيبة أن المثقفين المغاربة أصبحوا هم أنفسهم مندمجين في هذه الدينامية التشويهية ويروجون في عقر دار المغرب هذه التشويهات الأوروبية Mogador وَ Mazagan وَ Casablanca بدل الأسماء الأصيلة Amegdul وَ Maziɣen وَ Anfa.

2) قرى مغربية عديدة تسمى Amegdul

بالإضافة إلى Amegdul التي هي مدينة “الصويرة” فإنه توجد في المغرب أيضا ستة (6) قرى أو دواوير في أقاليم مختلفة تحمل اسم Amegdul. ونجد هذه القرى حاليا على بعض الخرائط مكتوبة بالطريقة الفرنسية هكذا: Amegdoul أو Amgdoul ومكتوبة بالطريقة العربية هكذا: “أمكدول” أو “أمجدول” (بينما مدينة الصويرة كانت مكتوبة قديما: “أمقدول”). والنطق الأمازيغي في كل هذه الحالات هو دائما Amegdul. وهذه القرى الست هي:

– قرية Amegdul في جماعة Ayt Umdis أيت أومديس في إقليم Azilal أزيلال في جهة بني ملال – خنيفرة Ayt Mellal-Xnifṛa.

– قرية Amegdul ضمن أيت الخمس في جماعة سيدي عبد الله البوشواري، في إقليم أشتوكن أيت باها Actuken Ayt Baha في جهة Sus-Masset سوس ماسّت.

– قرية Amegdul ضمن أيت بوبكر في جماعة سيدي واعزيز في إقليم Tarudant تارودانت.

– قرية Amegdul الموجودة في جماعة Tafrawten تافراوتن ضمن إقليم Tarudant تارودانت.

– قرية Amegdul ضمن أيت علي في جماعة Imi en Fast إيمي ن فاست في إقليم سيدي إيفني.

– قرية Amegdul في الجنوب الشرقي من مدينة مراكش، وتوجد في جماعة Talat En Yeɛqub تالات ن يعقوب الموجودة في إقليم الحوز ضمن جهة Meṛṛakec-Asfi مراكش – أسفي.

إذن لدينا في المجموع على الأقل سبعة (7) أماكن مغربية مأهولة محددة جغرافيا وموثقة تاريخيا وإداريا تحمل الاسم الأمازيغي Amegdul.

3) قريتان تسميان Megdul بالمغرب والجزائر:

نجد بشمال المغرب على ضفة نهر ملوية قرية Megdul Ulad Deḥḥu مگدول اولاد دحو (بالطريقة الفرنسية: Megdoul Ouled Dahou) ضمن جماعة Wizeɣt ويزغت في إقليم Bulman بولمان.

ونجد في الجزائر أيضا قرية اسمها Megdul (تكتب بالطريقة الفرنسية هكذا: Megdoul وبالطريقة العربية هكذا: مقدول) وهي تابعة لبلدية Tirmitin في ولاية Tizi Wezzu الجزائرية.

4) نهر Amegdul في المغرب:

ونجد نهرا في المغرب اسمه “أمكدول” أي Amegdul ذكره ابن سعيد المغربي المعروف أيضا بـ”ابن سعيد الأندلسي” أو “ابن سعيد الغرناطي” (ولد: 1214م. توفي: 1286م) في كتابه “الجغرافيا” ويقول:

“… ومن مصب هذا النهر إلى مصب نهر السوس الذي ينبت عليه قصب السكر اثنا عشر ميلا، وبينه وبين أكادير الطرف، وهو طرف جبل درن الكبير الداخل في البحر ستة أميال ومنه إلى مصب نهر […] ستون ميلا وهو في بلاد حاحه. ومنه يوسق الملح إلى تلك السواحل جنوبا وشمالا. ومن هذا النهر إلى مصب نهر أمكدول أربعون ميلا وهو أيضا في بلاد حاحه. وهناك جزيرة صغيرة بينها وبين النهر ميل، وهناك مشتى للمراكب، ومن هذا النهر إلى مصب نهر تانسفت [تانسيفت] الذي يمر شمالي مراكش ثمانية عشر ميلا.”

5) الجذر الأمازيغي GDL والفعلان gdel وَ segdel

الجذر اللغوي الأمازيغي GDL موجود في اللغة الأمازيغية الشمالية (المغرب، الجزائر…) وفي الأمازيغية الطوارقية (مالي والنيجر) على حد سواء. وهذا الجذر GDL يفيد معاني: المنع، الحظر، التحريم، وكذلك له معاني متفرعة مثل: الحماية، الحراسة…إلخ. والفعل الأمازيغي gdel يعني: اِمنع! / اِمنعي! / اُحظر! / اُحظري! / حرِّمْ! / حرِّمي!، وكذلك يستعمل كفعل لازم.

وهنالك فعل آخر مشتق من gdel وهو segdel وله معاني: المنع، الحظر، التحريم، الحجب، المقابلة، المعارضة، التعرض، العزل، الحماية.

6) أماكن أمازيغية أخرى مشتقة من الجذر الأمازيغي GDL

في عدة مناطق مغربية نجد أماكن عديدة تسمى بالاسم Agdal الذي يعني حرفيا: المنع، الحظر، التحريم. ويعني اصطلاحيا: المكان الممنوع على الأجانب (المنطقة الممنوعة)، أي المراعي والأراضي الخاصة بقبيلة معينة والتي يمنع على القبائل الأخرى وبقية الأجانب دخولها أو الاستفادة من عشبها ومائها لعلف أو سقي ماشيتهم مثلا. إذن:

– كلمة Agdal تعني حرفيا: المنع، الحظر، التحريم.

– كلمة Agdal تعني اصطلاحيا: المنطقة الممنوعة.

وبعد نمو المدن الأمازيغية الكبرى تحولت الأراضي والمراعي الممنوعة المسماة Agdal إلى أحياء سكنية وتجارية في الرباط وفاس ومكناس ومراكش محتفظة باسمها الأمازيغي القديم Agdal.

ونجد في المغرب قرية Tasegdelt وجبل Tasegdelt (التشويه الفرنسي: Tassegdelt) في إقليم أشتوكن أيت باها، ونجد أيضا قرية Tisegdelt (التشويه الفرنسي: Tissegdelt) بإقليم الرشيدية.

وقد ذكر البكري (ولد: 1040م. توفي: 1094م.) في كتابه “المسالك والممالك” قلعة “تاسقدالت” أي Tasegdalt في شمال الجزائر قرب مدينة تيهرت Tihert وقرب نهر شلف Clef وقال: “…قلعة هوارة ويسمونها تاسقدالت وهي قلعة في جبل لها ثمار ومزارع، وتحت هذه القلعة يجري نهر سيرات”.

وحاليا في المغرب نجد أيضا قرية اسمها Tasegdalt تاسگدالت في جماعة Tifni تيفني في إقليم Azilal أزيلال.

وفي الجزائر نجد قرية أخرى هي Tasegdelt (تكتب بالعربية: تاسقدلت) ضمن بلدية أيت يحيى موسى في ولاية Tizi Wezzu.

ويمكن فهم الكلمات Tasegdelt وَ Tisegdelt وَ Tasegdalt بمعنى: “القلعة، المدينة المغلقة، الأرض المحمية الممنوعة”. والفعل الأمازيغي الموافق لها هو segdel.

ثم نجد قرية Tisegdal تيسگدال في جماعة Tiɣmi تيغمي بإقليم Tiznit تيزنيت.

ونجد أيضا قرية Tamegdult (التشويه الفرنسي: Tamgdoult) في إقليم تيزنيت.

ونجد قرية Timegdal في جماعة Tawyalt في إقليم Tarudant تارودانت.

ثم لدينا قرية Imegdal إيمگدال في إقليم الحوز بجهة مراكش – أسفي.

ونجد قرية Ayt Unegdal أيت أونگدال في جماعة Tabant تابانت بإقليم أزيلال.

وتوجد قرية Iɣṛem En Wegdal إيغرم ن وگدال في إقليم Warzazat وارزازات في جهة Dra-Tafilalt درا تافيلالت (النطق الأمازيغي الأصلي للنهر المعلوم هو Dra درا وليس “درعة”).

7) أسماء رجال وقبائل: Segdal وَ Seydal وَ Megdul وَ Igdalen

نجد أيضا الاسم الأمازيغي الشخصي للأولاد Segdal أو Seydal ومعناه تقريبا: مانع، حارس، حامي، حاجب، مدافع. الاسمان Segdal وَ Seydal كانا في القديم اسمين أمازيغيين شخصيين للأولاد والرجال وبقيا حاليا مستعملين كأسماء عائلية لدى بعض المغاربة. ونجد قبيلة وجماعتين قرويتين تسميان Ayt Seydal أو Ayt Seydař أيث سيذال أو أيث سيذار في إقليم الناظور.

ونجد في التاريخ قبائل Igdalen إيگدالن الأمازيغية وكتبها المؤرخون بالعربية بصيغة “جدالة” وهي فروع من القبائل الصنهاجية Iẓnagen إيژناگن الأمازيغية الصحراوية. وانتشرت قبائل Igdalen إيگدالن في المغرب وموريتانيا والجزائر ومالي والنيجر.

ويمكن اعتبار Amegdul أيضا اسم فاعل أو اسم مفعول حسب السياق. واستعمل أيضا كاسم شخصي أمازيغي للرجال بصيغة Megdul. وحاليا يحمله مغاربة وجزائريون كاسم عائلي. وهنالك ضريح ولي اسمه “سيدي مگدول” الرگراگي في الصويرة وقد تكون له علاقة باسم المدينة Amegdul.

8) “الصويرة” وَ “السويرة” وَ Taṣṣort وَ Amegdul

بعد خراب مدينة Amegdul (الصويرة) في حروب دولة مراكش وجيش الاحتلال البرتغالي أعيد إعمارها فتغير اسمها (بعد تحريرها من الاحتلال البرتغالي) إلى “الصويرة” أو “السويرة”. وبما أن اسم “الصويرة” ليس له معنى فإن الأرجح هو أن حرف “ص” في “الصويرة” هو مجرد نطق غليظ لحرف “س” في “السويرة”. وكلمة “السويرة” هي باللغة الدارجة تصغير لكلمة “السور” أي الحائط، على وزن كلمة “السويقة” في اللغة الدارجة التي هي تصغير لكلمة “السوق” (لاحظ أن كثيرا من الناطقين بالدارجة ينطقون “السويقة” “الصويقة”). ونجد اسم هذه المدينة مكتوبا هكذا “السويرة” في كتب محمد المختار السوسي مثلا.

وحاليا يستعمل الناطقون بالأمازيغية من سكان مدينة الصويرة ونواحيها اسما آخر للمدينة هو Taṣṣort (تاصّورت) وهو تمزيغ شكلي لاسم “الصويرة / السويرة” الدارجي أو ربما لكلمة “السور” العربية.

9) الاسم الأمازيغي للمغرب هو Murakuc

الاسم الأمازيغي للمغرب هو Murakuc (موراكوش) وهو صيغة لاسم مدينة Meṛṛakec (مرّاكش). والمغرب معروف في أغلب لغات العالم بهذا الاسم أو بصيغة مشتقة منه.

– ملاحظة: بعض التعريبيين الذين يزعجهم اسم Murakuc كاسم أمازيغي للمغرب أو يزعجهم “مراكش” كاسم للمغرب بالعربية والفارسية والأردية الباكستانية وغيرها يزعمون أن الاسم “مراكش” أو Murakuc (موراكوش) يقزم المغرب في مدينة مراكش. إذن، في هذه الحالة يجب عليهم أن يعترفوا أيضا بأن الاسم “الجزائر” يقزم الجزائر في مدينة الجزائر، ويجب أن يعترفوا بأن الاسم “تونس” يقزم تونس في مدينة تونس، وأن الاسم Mexico يقزم دولة Mexico في مدينة Mexico التي هي عاصمة تلك الدولة!

ورغم أن الاسم Murakuc هو الاسم الأمازيغي للمغرب المنسجم مع اللغة الأمازيغية فإننا نلاحظ استمرار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام) في تجاهل هذا الاسم الأمازيغي. ويقوم الإيركام بترويج الاسم الدارجي للمغرب الذي هو “لمغريب” على أنه اسم أمازيغي للمغرب ويكتبه الإيركام بحروف تيفيناغ هكذا: ⵍⵎⵖⵔⵉⴱ (لمغريب) أو ⵍⵎⴰⵖⵔⵉⴱ (لماغريب).

وبسبب عدم قدرة المغاربة على قراءة حرف تيفيناغ فإنهم يصدقون أن كلمة ⵍⵎⵖⵔⵉⴱ (لمغريب) كلمة أمازيغية بينما هي كلمة دارجية تنتمي إلى اللغة الدارجة.

تصوروا مثلا أن شخصا كتب كلمة ⵎⴰⵔⵓⴽ بحرف تيفيناغ وزعم أنها اسم “المغرب” بالأمازيغية. لا شك أن أغلب المغاربة سيصدقونه على أساس المظهر التيفيناغي لتلك الكلمة. أما ⵎⴰⵔⵓⴽ فنطقها هو: ماروك. إنها كلمة فرنسية وليست أمازيغية. فهي كلمة فرنسية مكتوبة بحرف تيفيناغ وتبقى دائما كلمة فرنسية.

هذا ما يفعله الإيركام مع كلمة ⵍⵎⵖⵔⵉⴱ (لمغريب) أو ⵍⵎⴰⵖⵔⵉⴱ (لماغريب) الدارجية. فهو يأخذ كلمة دارجية ويكتبها بحرف تيفيناغ ويروجها على أنها كلمة أمازيغية وأنها اسم “المغرب” بالأمازيغية!

وهنا تسقط اللغة الأمازيغية، بسبب هذه السياسة الإيركامية التيفيناغية، في فخ الديكور الشكلي الذي يعمي المغاربة عن المحتوى والمضمون ويقدم لهم في كثير من الحالات محتوى زائفا بمضمون غير أمازيغي بل هو مضمون عربي أو دارجي أو فرنسي مغلف بحرف تيفيناغ الذي لا يقرأه أحد.

فالعقلية التيفيناغية الديكورية تقنع بالشكليات ولا تهتم بالمحتوى والمضمون اللغوي الأمازيغي. أصحاب العقلية التيفيناغية قانعون بحرف تيفيناغ ويعتبرونه هو اللغة الأمازيغية (!!!) وهذا هو التكلاخ بعينه. ولهذا لا يهتمون بكون ⵍⵎⵖⵔⵉⴱ (لمغريب) كلمة دارجية عربية. فالمهم لديهم هو الديكور التيفيناغي.

وهنا يلعب حرف تيفيناغ دورا تعريبيا برضى ومباركة التيفيناغيين أنفسهم.

إذا كتبت لغتك الأمازيغية بالحرف اللاتيني المعروف مغربيا وعالميا فلا مجال للتخرميز ولا مجال لـ”كوّر وعطي للعور” لأنك حينئذ ستكون تحت المجهر، وكل المغاربة المتعلمين كبارا وصغارا سيقرأون فورا ما تكتبه، وستكون مضطرا إلى بذل المجهود والبحث في القواميس وتحسين كتابتك وتدقيق ترجمتك.

إذن فإذا أخبرنا مواطنا مغربيا بأن الاسم الأمازيغي للمغرب هو Lmeɣrib وكتبناه له هكذا بالحرف اللاتيني Lmeɣrib فسيكتشف بسرعة أنها ليست كلمة أمازيغية وسيقول لك: “هادي بحال لعربيا!” أو “بحال دّاريجا!” أو “هادي كلْما عربيا ماشي مازْغيا!”. وهي فعلا كلمة دارجية من أصل عربي يروجها الإيركام على أنها كلمة أمازيغية.

أما إذا كتبنا لذلك المواطن المغربي الاسم الأمازيغي للمغرب بالحرف اللاتيني Murakuc فإنه سوف يلاحظ فورا أنها كلمة خاصة بالأمازيغية متميزة عن غيرها، وسيقرأها بسهولة كما يقرأ الكلمات Morocco أو Maroc أو Marruecos التي تروجها الدولة في الإدارات والإعلام والكتب المدرسية.

أما والمغاربة لا يعرفون حرف تيفيناغ، وسيبقون كذلك لعقود أو 100 عام، فإنه يمكن لأي شخص أن يمرر أية تخرميزة مثل ⵍⵎⵖⵔⵉⴱ أو ⵍⵎⴰⵖⵔⵉⴱ أو ⵎⴰⵔⵓⴽ على أنها “لغة أمازيغية معيار فصحى أكاديمية”. فلا أحد يراقب هؤلاء المخرمزين المخربقين، ولا أحد يقرأ ما يكتبونه ويمررونه، ولا أحد يحاسبهم، وإنما عامة المغاربة “يتفرجون” على تيفيناغ ولا يقرأونه، وعلى رأسهم الناطقون بالأمازيغية.

وقضية كتابة الأسماء الأمازيغية للمدن والقرى والبلد ليست ترفا ثقافيا وإنما هي في جوهر مسألة الهوية واللغة وإصلاح التعليم والسياسة اللغوية والتنمية والديمقراطية.

وفوق ذلك كله فالمغرب يحتاج إلى أن يكتب لغته القومية الأمازيغية بالحرف اللاتيني العالمي لكسر احتكار الفرنسية للحرف اللاتيني ولكسر الهيمنة الفرنسية على المغرب ولتصحيح أسماء المدن بشكل فعال.

إذا كان المغاربة يضيعون أسماء مدنهم وبلدهم بالشناعة والبشاعة التي رأيناها أعلاه ويسقطون بسهولة في التشويهات الأجنبية والتخرميزات الكتابية المتفرنسة والتعريبية والتيفيناغية فهذا مؤشر على مشكل داخلي بنيوي عويص مسكوت عنه باستمرار.

tussna-tamazight@outlook.com

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

تعليق واحد

  1. عبد النور بوزيد

    انا من تيزي وزو قبيلة ايت اعريف التي تنتمي إليها قرية امڨدول في لسان منطقتنا نقول يڨدل yegdel بمعني حرس ،نستعمل هده الكلمة في حراسة الأراضي الزراعية حيث أن المنطقة المڨولة محرمة على الراعي فحين يڨدل الإنسان منطقة معينة لايجدر على اي راع الاقتراب منها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *