التعدد اللغوي والتنوع الثقافي بالمغرب

بقلم: وليد والحاجي

لا يمكن الحديث عن التاريخ اللغوي للمغرب إلا من خلال استحضار تاريخ التنوع الثقافي وتلك الحضارات المتعاقبة التي مرت عبر بلد غني مثل المغرب ، فوجود وتوافد حضارات جد مختلفة مثل الامازيغية، والفينقية، والهيلنية، والرومانية ، وغيرها كثير ، على المغرب منذ القدم ، ساعد ذلك على مراكمة مجموعة من العوامل التي ستؤدي بالمغرب في الاخير الى بروزه كبلد متعدد الروافد اللغوية والثقافية ، وإذا كانت الأمازيغية أقدم اللغات والثقافات التي استوطنت المغرب ، وهي لا تزال بشكل كبير إلى يومنا هذا ، فإن حضارات مختلفة أثرت في المكون الثقافي المغربي بدرجات مختلفة جدا .

اذا كانت العربية في يومنا هذا هي اللغة التي ينص عليها الدستور كلغة دولة ،( الى جانب الامازيغية ) وقد وصلت هذه الاخيرة مع الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا ، مع كل من الأمويين والعباسيين ( خلال القرن الثامن ميلادي ) ، فهذا لا يعني أنها استاطعت أن تفقد اللغة والثقافة الأمازيغيتين وغيرها من الثقافات بريقها ، اشعاعها ، وفاعليتها على مستوى المجتمع المغربي ، بل يمكن القول أكثر من ذلك ، ان الثقافة العربية والامازيغية هما من يسيطر على المشهد المغربي اللذي يتميز بخصوصية تامة دون غيره من الدول سواء الشمال افريقيا منها او غيرها

إن آثار الحضارات البائدة ، واللغات والثقافات القديمة لازال باديا الى يومنا هذا ، وواضحا من خلال مجموعة من الشواهد التاريخية التي تدل على أن الماضي السحيق للمغرب غني جدا ، وبأن ذاكرته كشعب ، ووطن ، وأمة ، ودولة ومجتمع ، لا يتنكر للماضي ، كما أنه يرفض عامل النسيان ، ويفخر بكل ثقافة ، محلية ، أو وافدة ، ويعطيها مساحة للاشتغال، والتأثر ، والتأثير في نفس الوقت

فالفرنسية من ناحية أخرى بناء على التاريخ الاستعماري والمدرسة المغربية ، تسيطر على العديد من مناحي الحياة ، وكذلك الاسبانية التي يتحدثها الكثير من اهل الشمال والجنوب بطلاقة ودون عقد ، أما الانجليزية فقد احتل المغرب مؤخرا الرتبة الاولى بشمال افريقيا في نسبة ضبط قواعدها ، وفهمها ، والتحدث بها ، أما عن باقي اللغات كالالمانية ، والهولندية والايطالية وغيرها ، فهي لغات لا تستصعي على المغاربة ثقافة وشعبا ، إذ أنها تدرس في العديد من المدارس والاقبال عليها كثيف وفي تزايد كبير، وهو الأمر الذي يدل على أن المغاربة تمكنوا من إتقان لغات ، وتعددت مصادر حضارتهم ، دون التخلي عن الهوية الوطنية الاساسية

ان ما يسمح بهذا التعدد اللغوي الذي لا يمكن فصله عن التعدد الثقافي والحضاري هو أن للمغرب تاريخ هجين خاص ، فهو ، كما سبق الاشارة اليه ، وطن ، ومجتمع دا جوهر منفتح ، وبأن ذاكرته رصينة ، وبدل الانصهار على اللغات الوافدة والثقافات يأبى الا أن يصهرها على أرضيته الخصبة التي تعطي كل مكون حقه وتستوعبه ، وتنمطه ، وتقولبه ليصير في الاخير ذو طابع مغربي خالص.

ومن خلال ما سبق فإننا قد اثرنا بشكل من الاشكال موضوع الهوية المغربية ، من خلاله نبدي رأينا بغرض الإيضاح ويصح القول قولا في أن الهوية المغربية تمتاز بالتجانس والامتزاج ، ومتعددة المصادر والمنابع .

ان التاريخ اللغوي والثقافي الذي مر عبر ثنايا هذا المجتمع لغويا ، ثقافيا ، حضاريا ، ليمدنا على معطى قليل ما نقابله لدى مجتمعات اخرى ، الا وهو ، ان المجتمع المغربي يتميز بهوية مرنة جدا وفي غاية الصلابة ، وهذا يعني ان صح القول ان المغرب كان معولما منذ الازل ولازال كذلك.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

2 تعليقات

  1. عبدالرحمان شباب

    بلد جميل تعددت لغاته وتنوعت ثقافاته الا ان ” السياسة ” افسدت فيه كل شيء فجعلت التعدد تنوعا والتنوع تعددا..ولا حول ولا قوة الا بالله.

  2. حقا المغرب عرف تعددا مهما من حيث اللغات وكانت تتغير بتغيير النظام السياسي والاجتماعي والسياسي ايضا .يمكن لي أن أقول في هذا الصدد أنه ليس المشكل في التعدد اللغوي او التنوع الثقافي الذي يزخر به المغرب، بل المشكل تكمن فيً كيفية تدبير هذا التنوع اللغوي. حيث نجد إقصاءات مازلت تطال الامازيغية وغياب تعميمها في المدارس ولم تحظى باهتمام كما هو ينبغي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *