التمادي في غرس النخيل بالحواضر جريمة بيئية في حق ثرواتنا الطبيعية والهوية المنظرية

امحمد القاضي
بقلم: امحمد القاضي، رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

الأشجار نعمة إلاهية والخضرة جمال طبيعي رباني يبعث الراحة والطمأنينة في النفوس. حرمنا مع توالي سنوات الجفاف وتشابه الفصول والحرارة المتتالية من المناظر الربيعية بالبوادي والغابات حولنا، متنفس المدن وقاطنيها. كما أن أصناف الأشجار تعتبر ثرات طبيعي تحمل خصوصية بيئية وطابع إيكولوجي للمناطق.

في العشريات الأخيرة تفقأت فطنة مخططي التصاميم المعمارية والمسؤولين عن الهندسة البيئية للمدن بتثبيت أجداع النخل على طول الشوارع الحديثة. ربما تبركا بالشجرة المباركة، التي غرسها النبي ونال ثمارها في حياته، أو تيمننا بصلابتها التي لا تهزها الرياح، كثباتهم في كراسي المسؤولية، ولا تنحني كما ينحنون لتمر العاصفة حين يستشعرون رياح المحاسبة على رؤوسهم، ولا تأتي بثمار او رؤوس أينعت وسيحين قطافها والله أعلم من صاحبها، حسب المقولة الشهيرة للحجاج بن يوسف الثقفي.

الإستمرار المؤسساتي المتعنت في غرس النخيل الدخيل بساحات وعلى طول الشوارع، ربما تشبها بمدن الخليج، خيانة للهوية المنظرية لمدننا لعدة إعتبارات. أولا، النخيل لا يوفر الظل الكافي المرغوب فيه، ولا يمتص ثاني أكسيد الكربون الذي ظلم الأفق، كما انه لا يحمي من إجتراف التربة. ثانيا، أثمانه باهضة وتستغل صفقاته شركات معلومة. ثالثا، بطيئ النمو وفي بعض الأحيان يشوه المنظر العام لغرابته الإيكولوجية على المجال، وخاصة عند إحتراق أوراقه، أكثر ما يضفي زينة طبيعة على المكان. وأخيرا، وليس آخرا، التنخيل العشوائي ضرب لثراثنا الطبيعي ولتنوع غطائه النباتي، علما أن المغرب يحتل مرتبة متقدمة على مستوى بلدان المتوسط بتنوع مجاله البيولوجي.

أغلب أنوع النخل المزروع بالحواضر المسمى “الواشينطونيا” دخيل ومستورد من امريكا. على سبيل المثال، تم غرس آلاف أشجار النخيل على طول شاطئ الرباط والممتد للمدن المجاورة، علما أن المنطقة بمناخها الأطلسي ورطوبتها العالية وملوحة رياح البحر متناقضة لمتطلبات النخيل، وها قد بدأت علامات الذبول تظهر على جريد النخلة. فضاء سوس كذلك لا يعد مجال نخيلي ويصعب للأصناف الجديدة تأقلمها مع الشط المحيطي، أو تحمل جفاف المناطق الجبلية.

المتعارف عليه سابقا أن النخيل متواجد بمراكش ونواحيها وواحات الجنوب الشرقي كموطن للنوع البلدي المتمر والملائم لبيومناخ المنطقة. تواجد بعض النخيل الملائم بالحواضر غير مقلق، إلا أن جعله الشجرة المباركة الوحيدة التي أراد منها مدبري الشأن العام تزيين الأرصفة خارج المجال الواحي عبث يشوه طابع المدن إذ أصبحت مناظرها كلها متشابهة ومستنسخة وغير وفية لذاكرتها الطبيعية.

من منا لم يبهره منظر المدن الغربية بأشجارها الوافرة الظلال، وشكل إصطفافها المتراس، وكثرتها على جنبات الطرقات. شخصيا، اتابع طواف فرنسا للدراجات لأتمتع بإخضرار وجمالية الأماكن التي يمر منها السباق، وأغبط شعور منتخبي ومسؤولي تلك المناطق وساكنتها على وعيهم وحسهم البيئي وشعورهم المسؤول وذوقهم الجمالي ودفاعهم او عشقهم للحفاظ على الطبيعة كجزء من واجباتهم.

مجالنا البيئي الحضري بحاجة لإعادة إعماره بالأشجار الصنوبرية الوافرة الظلال، لأن جل أشجاره القوية من مخلفات، او بالأحرى حسنات، المستعمر الفرنسي . أما العالم القروي، وخاصة بوادي سوس المنسية بجبالها القاحلة وهضابها الجافة، تنتظر إلتفاتة لإعادة غطائها النباتي المحلي المقاوم لنذرة المياه، وخاصة أكناري.

نحن، أو أغلب مدبري الفضاء العام، أعداء الطبيعية، أميين إيكولوجيا وعديمي الحس البيئي. كم من شجرة تغرسها المجالس الجماعية في السنة؟ كم من شجرة معمرة ووافرة الظلال أسقطتها الرياح، أو إجتتت وتم تعويضها؟ هل من مخطط بيئي جهوي؟ ما معدل الحملات والخرجات التحسيسية البيئية بالمدارس والوصلات التوعوية الإعلامية؟ شبه منعدمة.

على العموم، مغربنا متنوع، وطبيعته ساحرة، وثراثنا الإيكولوجي غني، وجغرافيتنا رائعة. لذا غرس الأشجار الملائمة والأصناف المقاومة للمعطيات المناخية واجب وطني، ومسؤولية الجميع. نحن في حاحة لمخطط إستعجالي للتشجير على نسق منظري مستدام، للحفاظ على البيئة والإهتمام بها وجعلها من بين أولويات المهتمين بالتهيئة الترابية.

بإختصار، الوعي البيئي ينمو داخل المجال التربوي ويتغذى بالاهتمام المؤسساتي والحس المهني الشعور المجتمعي.
التشجير الملائم واجب وطني، وما دون ذلك فهو تخريب للمجال الإيكولوجي وطمس للهوية المنظرية والطبيعية، وتغييب للضمير الجماعي وجهل بخصوصية الأماكن، وخيانة للمنظومة الإيكولوجية والإحيائية للموطن.

تصبحون على مغرب أخضر، وفضاء عام أقل تنخيلا.

اقرأ أيضا

“اللغة الأمازيغية بالمغرب: تحديات البقاء ومخاطر الانقراض بعد إحصاء 2024”

تقف اليوم اللغة الأمازيغية بالمغرب، باعتبارها ركيزة أساسية في تكوين الهوية الوطنية المغربية، أمام تحدٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *