التويزة”.. عنوان للتضامن والتعاون بين الجزائريين

في أعالي جبال جرجرة بولاية تيزي وزو شرقي الجزائر، حيث تتربع قرية “ثيفرضوض” وتعانق السحاب، تتجلى وتُصْنع قصص مميزة في معاني التضامن والتلاحم بين القرويين، وما “بيت القرية” إلا نموذج رائد لهذا التلاحم والتعاون.

“تيفردود” بالعربية أو “ثيفرضوض” باللغة الأمازيغية، والتي تعني “باقة الورد”، كما فسّرها الحاج إسماعيل أحد أعيان القرية، باتت مضربا للمثل في النظافة والاهتمام بالبيئة المحيطة، كيف لا وهي التي توجت مؤخرا بجائزة “أنظف قرية” للعام 2017 من بين 78 قرية منافسة في محافظة تيزي وزو (100 كلم شرق العاصمة الجزائر).

وليس اهتمام القرويين البالغ بالنظافة السر الوحيد في تفردهم وتميزهم، بل ثمة تفاصيل أخرى من حياتهم اليومية كانت سببا في وضع القرية تحت المجهر، ومن ذلك الدروس التي أعطاها القرويون حول أهمية التكافل الاجتماعي، وكيفية مواجهة متاعب الحياة، وما يمكن أن تحققه سلطة الجماعة حينما يكون الكل على قلب رجل واحد.

وقد حافظت قرية ثيفرضوض على طابعها المعماري الأمازيغي الأصيل، حيث الأزقة الضيقة وغياب مساحات كبيرة متاخمة للمنازل، مع بناء المنازل بطابق واحد، وهو أمر دفع السكان إلى التفكير في إيجاد حل لتجاوز مشكلة غياب فضاءات لإقامة مختلف المواسم الاجتماعية مثل الأفراح وغيرها، فكانت الفكرة هي “بيت القرية”.

وشيد أهل القرية “آخام نثادارث” باللغة الأمازيغية، أو “بيت القرية” باللغة العربية، بتبرعاتهم، وضم المبنى طابقين بغرف عدة، وصالة كبيرة مناسبة لمختلف المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف أو الختان أو مواسم العزاء وغيرها من المواسم التي تتطلب مساحة كبيرة لاستقبال الضيوف والزائرين.

آخام نثادارث

ويروي الحاج إسماعيل -وهو أحد المساهمين في المشروع- للجزيرة نت كيف أن “هذا البيت رفع الحرج عن فقراء القرية في مناسباتهم الاجتماعية أو الدينية المختلفة”، إذ “يوضع تحت تصرف كل السكان بمختلف مستوياتهم الاجتماعية مقابل مبالغ رمزية توجه لصيانة الدار لا غير”.

ويعرف هذا الشكل من أشكال التضامن بين القرويين في أوساط الجزائريين باسم “التويزة”، وهي الموروث الثقافي الذي ورثوه أبا عن جد، إذ يلتئم سكان القرى والمداشر لقضاء حوائج الناس، سواء بالتعاون على جني المحاصيل، أو مساعدة المرضى بجمع التبرعات لهم، أو بالتعاون من أجل مساعدة المقبلين على الزواج، أو بناء البيوت للفقراء والمعدمين، أو بناء المساجد لإقامة الصلاة، أو المساهمة في أي مشروع يخدم المصلحة العامة للمجتمع.

وغالبا ما يكون الحديث عن “التويزة” مقترنا باستحضار بطولات الأجداد في التضامن والتلاحم فيما بينهم، ورغم التطور الذي يشهده النسيج الاجتماعي الجزائري، فإن هذه العادة لا تزال راسخة لدى الجزائريين، بل اتخذت أشكالا أخرى، إذ اتجهت جهود الناس إلى التعاون فيما بينهم لبناء مشاريع متعلقة بالبنى التحتية لتعويض تقاعس أو عجز المسؤولين المحليين عن إنجازها في ظل سياسة التقشف، وخاصة في المناطق المعزولة.

مشاريع مجتمعية

ولا تزال ذاكرة الجزائريين تحتفظ جيدا بمبادرة سكان إحدى القرى بولاية جيجل (300 كلم شرق العاصمة) ببناء جسر بطول أربعين مترا وعرض متر واحد، وبكلفة تتجاوز عشرة آلاف دولار من أموالهم.

وقد شيدت قرى عدة الجسر على وادي جنجن في فبراير/شباط 2016 بعدما بات الوادي خطرا عليها وعلى أبنائها، وأصبح الجسر المعبر الوحيد بين ضفتي الوادي، والسبيل الوحيد لوصول أبناء القرى المستفيدة إلى المدارس، وذلك بعد أن أخلف المسؤولون وعودا سابقة ببناء الجسر رغم تسجيل حالات غرق.

وفي أجواء احتفال بهيجة، دشن السكان الجسر بعد أكثر من شهر من الأشغال المتواصلة، وقد تفاعل رواد شبكات التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع هذا الأمر، وصدرت ردود فعل مرحبة بهذه المبادرة المجتمعية.

ومن ردود الفعل الإيجابية، بناء سكان في شمال ولاية سطيف (400 كلم شرق العاصمة) جسرا مماثلا بإمكانياتهم الخاصة فقط، وذلك لتحقيق هدفين، حسب زرقون عثمان وهو أحد المساهمين في هذا المشروع، ويتمثل الأول في ربط بلدتين هما تالة إيفاسن وبوسلام، والثاني هو تسهيل وصول القرويين إلى حقول التين والزيتون والرمان المتناثرة على طول الطريق الرابط بين البلدتين، لكنْ يفصلهما واد كبير يمنع حركة التنقل.

وشدد زرقون في تصريح للجزيرة نت على أن “إنجاز هذا المشروع كان تحديا كبيرا، لكن بفضل التعاون والتآزر أصبح المستحيل ممكنا، والمشروع واقعا”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

“المتمرد الأمازيغي” معتوب لوناس…26 سنة على اغتيال أشرس معارض للنظام العسكري الجزائري

خلد ابناء منطقة القبائل ومعهم كل عشاق الأغنية الأمازيغية، أول أمس الثلاثاء 25 يونيو الجاري، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *