الجذور التاريخية لمنع تأسيس حزب سياسي أمازيغي

Photo 1لماذا منع حزب سياسي أمازيغي منذ خمسينيات القرن الماضي؟

استغرب جون واتربوري في كتابه أمير المؤمنين من أن يتولى حسن الوزاني الزعامة في منطقة أمازيغية خلال سنتي 1956 و1957، كانت تقاوم تغلغل حزب الإستقلال، حيث كانت الجيوب التابعة لحزب الشورى والإستقلال متفرقة عبر الأطلس المتوسط وتافيلالت والريف. سيما وأن شخصيات أمازيغية كانت تتطلع إلى الزعامة السياسية على الصعيد الوطني. لكن ألم تكن لحزب الشورى والإستقلال مرجعية عروبية؟

كانت فكرة عدي أوبيهي تتلخص في ضرورة مساندة حزب الشورى والإستقلال على حساب حزب الإستقلال، مما دفع بعض زعماء القبائل إلى الإنضمام للشوريين، على الرغم من التوجه العروبي لحسن الوزاني، حتى اعتقد البعض أن عامل تافيلالت هو زعيم الشوريين نفسه، هذا الأخير الذي حظي بتشجيع لحسن اليوسي.

حذفت سنة 1956 المحاكم العرفية وألغي القانون المنظم لسير العدالة في المناطق التي تدبر شؤونها استنادا إلى الأعراف الأمازيغية، ولم يبق لعدي أوبيهي ولحسن اليوسي الذي أقيل من وزارة الداخلية، إلا أن يبحثا عن وسيلة لايقاف المد الإستقلالي، لأن استعمال ورقة حزب الشورى والإستقلال لم تعد كافية لذلك. فقد أقدم عدي أوبيهي في 17 يناير 1957، على إغلاق مقر حزب الإستقلال بميدلت، وسجن بعض ضباط الشرطة والقاضي، ووضعت ميدلت والريش في حالة دفاع. ما جعل الأمير الحسن بعد غياب والده الملك، يرسل عناصر من الجيش لإعادة النظام. «وبعد مدة قصيرة استسلم العامل المتمرد، حيث وعده الجنيرال الكتاني بالأمان»، واتربوري، أمير المؤمنين ص 318).

الحكم بالإعدام على عدي أوبيهي ولحسن اليوسي في محاكمة يناير 1959، تصادف مع انتفاضة الريف بزعامة محمد سلام أمزيان، اليوسي الذي قدم له بعض زعماء الريف مساعدة، متخفيا في زي امرأة، للفرار إلى إسبانيا. في هذه السنوات التي تتوالت فيها مجموعة من الأحداث، التي تميزت باغتيال زعيم جيش التحرير عباس لمساعدي والإنتفاضات على مستوى الريف والأطلس المتوسط، عقد بعض الزعماء السياسيين الأمازيغ اجتماعات ولقاءات، لأجل التفكير في إنشاء حزب سياسي أمازيغي.

أعلن في أكتوبر سنة 1957 عن تأسيس الحركة الشعبية في مناشير تحمل توقيع حدو “الريفي” (حدو أبرقاش)، بصفته الرئيس، وفي شهر نونبر من نفس السنة عقد المحجوبي أحرضان ندوة صحفية أعلن عن تبنيه للحزب الجديد، ما جعل وزير الداخلية ادريس المحمدي يقيل أحرضان من منصبه كعامل إقليم الرباط. ذلك هو الحدث الذي برز من خلاله أحرضان، كقائد سياسي وسيلمع اسم عبد الكريم الخطيب هو أيضا، بعد سجنهما على إثر نقل جثمان عباس لمساعدي من فاس إلى أجدير، والدعم الذي لقياه من طرف مجموعة من الشخصيات السياسية والعسكرية. ظلت الحركة الشعبية محظورة في عهد حدو أبرقاش، إلى أن عصف هذا المنع بحكومة مبارك البكاي الذي أيد بصفته وزيرا أولا ملتمسا وقعته شخصيات سياسية، يتضمن احتجاجا ضد عدم تمتع المغاربة بكامل حقوقهم في تأسيس الجمعيات. «وكان الرهان الحقيقي للعملية يكمن في الإعتراف بشرعية الحركة الشعبية. وقدم البكاي استقالته للتعبير عن تضامنه مع الحزب الجديد» (واتربوري ص 320). لكن بقدر ما كانت الفئة المشرعة بالمغرب (التي كانت تعمل تحت وصاية وزارة الداخلية)، تريد إسكات هذه الأصوات، بقدر ما كانت ترغب في منع تأسيس أي حزب ذو مرجعية أمازيغية. فكان ظهير رقم 1.58.376 الصادر في 15 نونبر 1958 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات، «يلغي ويعوض أي تشريع سابق متعلق بالجمعيات»، وهو «منع أي حزب أمازيغي»، وبالتالي حظر جمعية «قدماء تلاميذة كوليج أزرو». لا أحد احتج بعد ذلك؟

الحركة الشعبية أو حزب الأمازيغ المدافعين عن العروبة

تعود فكرة إنشاء «الحركة الشعبية»، إلى اجتماعات كبار قادة القبائل، دفاعا عن مصالحهم بالأطلس المتوسط، وكان اجتماع زاوية أيت اسحاق، في 20 مارس 1956 والذي حضره كل من محمد أمهروق عن زيان، عدي أوبيهي من أيت إيزدك وموحا أوسعيد من أيت ويرا، ولحسن اليوسي من أيت يوسي، بعد تزايد مضايقة كبار القبائل من طرف حزب الإستقلال وأتباعه، خصوصا بعد حذف المحاكم العرفية في المناطق القروية وتعويضها بمحاكم ابتدائية (محاكم السدد)، قد حدد أهداف الحركة ووضع لائحة بأسماء أطرها. وكان حينها عدي أوبيهي عاملا على إقليم تافيلالت، في حين كان لحسن اليوسي وزيرا للداخلية في حكومة مبارك البكاي. وكان الإجتماع قد انتهى بضرورة استجماع النخبة الأمازيغية التي سبق وأن درست بالإعدادية الأمازيغية بأزرو، والتي تلتئم في جمعية قدماء تلاميذة كوليج أزرو. فبقدر ما كان يرغب القصرفي تأسيس هذا الحزب من طرف «الفلاحين الأمازيغ المدافعين عن القصر»، بقدر ما كان يتخوف من إستيلاء بعض عناصر جيش التحرير، ذات المرجعية الأمازيغية، على قيادته. فكان التواطؤ الذي أودى بحياة العديد من زعماء القبائل وقادة جيش التحرير. ما جعل القصر يتحكم بإتقان في تأسيس هذا الحزب، الذي لم يكن سوى الحركة الشعبية، التي تنكرت في مرجعيتها للأمازيغية وللأعراف التي كان حذفها من المحاكم هو الدافع الأساسي لاحتجاج عديد من زعماء القبائل. كان السلطان يخشى أن تستعمل ورقة المحاكم العرفية الأمازيغية من طرف القبائل، بعدما شهد الظهير المحدث لهذه المحاكم في 16 ماي 1930، احتجاجا من قبل نخبة فاس وسلا تدعي لنفسها العروبة والإسلام. هكذا كانت بداية الحركة الشعبية المدافعة عن العرش بشعار «الله، الوطن، الملك، العروبة».

سعيد باجي

شاهد أيضاً

ندوة دولية بأكادير حول أهمية التربة في التنمية المستدامة

افتتحت يوم الاثنين فاتح يوليوز بأكادير ندوة دولية حول موضوع “متجذرة في القدرة على الصمود: …

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *