كثرت في عالمنا أعمال الجريمة بشتى أنواعها و طرقها، فلم تعد تتوقف عند حد ما كما كانت سابقا، بل و تطورت لتصبح جرائم علنية في الطرقات و الشوارع، و الخطورة التي تسببه بالمجتمع، و التي تمس الأمن و إستقرار النظام العام، فنحن كبشر و كل من يؤمن بالإنسانية و التسامح، فإن خسارة واحدة هي خسارة للجميع، و جريمة في حق فرد ما، هي جريمة في حق الجميع، الكل لديه القدرة على القيام بالخير كما القيام بالشر، و الجريمة لا تتبث في حق أحد، وإنما تبث في حق الذين سقطوا في إغواء الشر.
فمعركتنا اليوم هي معركة ضد الشر القابع في نفوس البشر، فلا يمكن القضاء عليها، إلا بالإيمان و الاختلاف و تقبل الآخر و بالعلم و الثقافة. فالحل الوحيد و الأوحد هو القضاء على مسببات هذه الجرائم، فلا يكفي محاسبة المجرم على أفعاله و الزج به في السجن أو إعدامه، فبإعتقال شخص ما يتولد شخص آخر بنفس الأسباب ليُسقط المزيد من الضحايا، فهذه الأسباب يمكن أن تكون سيكولوجية نفسية، بيولوجية كانت أو إقتصادية، او إجتماعية .
فالجريمة قد تكون نتاج عوامل نفسية كما أشار إليها عالم النفس النمساوي “سيكموند فرويد” على أن الفرد يلجأ للجريمة عندما تغلب ذات الشهوة “الهو” على الأنا العليا المثالية ” الضمير”، فإن نجحت الأنا العليا في كبح جماح النفس فلن نكون بصدد شخص مجرم، أما إذا إنخفضت فسنكون بصدد شخص ذا سلوك إجرامي، و الأنا العليا أو الضمير تكتسب قوتها عندما يتم تلقين الشخص القيم الاخلاقية، ومنه يميز الشخص بين الخطأ و الصواب، و هذا ما يجب أن تعمل عليه ثنائية الأسرة و المدرسة و كذلك المجتمع المدني، فإن فسدوا فسد تكوين الفرد ليتولد لدينا مجرمين كل حسب طريقة إجرامه، ليحدث إختلال في التكوين النفسي للفرد، و كذا وظيفة الذات العليا دون تأدية و ظيفتها، ليميل الفرد نحو الأنا، و التركيز على شهواته، مما يعطي للفرد نوعا من الأنانية دون إعارة الإهتمام للغير المتضرر، لينسلخ الفرد عن المجتمع و قيمه مما يولد لديه نوعا من الإنسحاب، و يدفع به إلى البحث عن مجتمع أو جماعة أكثر ملائمة لعواطفه لينبد قيم المجتمع السوي نحو المجتمع المتطرف و هذا ما حدث لقاتلي الطفل عدنان حيث أنهم توجهوا نحو الجريمة و عالمها منسلخين عن قيم المجتمع، و هذا ما أشار إليه “لاكاش” في نظرية “التكوين الفاسد”، أي أن تكوين الفرد هو من يتحكم في تصرفاته، فللقضاء على البعوض يجب تجفيف المستنقعات كما قيل، و مايجب على المسؤولين و الأسرة كنواة للمجتمع،و المدرسة هو تلقين الفرد قيم الأخلاق، إلا أنه يلاحظ على أن المدرسة تراجعت و لم تعد كسابقتها، أهذا سببه فشل المنظومة التعليمية، أم هي نتاج لسياسة مقصودة، فالجهل الناتج عنها يتجلى في الخطورة التي يسببها للمجتمع، و معه إستمرار الخرافة و ثقافة الأضرحة و ما لها من عواقب خطيرة على الشعب والمتمثلة في الفقر، دعارة ، سرقة، إرهاب، أمية ….
ومن بين العوامل كذلك التي تؤدي بالفرد إلى الفعل الجرمي هي”الهجرة”، و التي أشار إليها العالم الأمريكي “سيلين” في تفسير الظاهرة الإجرامية في ضوء التنازع و الصراع داخل المجتمع، و هو ماعبر عنه في نظريته “تنازع الثقافات ” حيث أن التضارب بين ثقافتين متعارضتين يجعل في بعض الأحيان عاملا مسؤولا عن الجريمة؛ حيث يهاجر شخص ما نحو مجتمع أخر محمول بثقافة لا تتناسب، وتتنافر مع قيم المجتمع الذي هاجر إليه، كأن يهاجر أوروبي نحو بلد إسلامي وإعتبار زي الأوروبي فعلا يثير سخط المجتمع الدي هاجر إليه؛ مما يؤدي بهم لارتكاب الفعل الجرمي، حيث ينظر إلى فعله أنه فعل عادي من جانبه، حيث يدفع به الأمر إلى الدفاع عن نفسه أو عرضه أو عن دينه بالقتل متوقعا أنه سينال إستحسانا من هذا الفعل لكن هذا الفعل يعد مرفوضا و مقيتا.
إلى جانب ذلك لابد من إستحضار الخطورة التي تلعبها الإديولوجيات عندما تلتقي بشخص جاهل لا يملك ملكة العقل و التحليل، و منها الإيديولوجية الداعشية مثلا و سابقتها النازية، و الفاشية فكل فرد يؤمن بأيديولوجية ما يجب عليه إستحضار العقل و المنطق، و لا يجب على الفرد أن ينجر وراءها، و تجعل منه بيدقا يقوم بما يمليه عليه أسياده، و تكمن خطورة الأيديولوجية في الدمار العقلي قبل المجتمعي فهي تشوه الطبيعة البشرية حيث تنتج بشرا همجيين متحمسين إلى حد الهستيرية، و مستعدين لتدمير كل شيء من أجل افكارهم.
فالحل الوحيد لتقدم المجتمع سالما مسالما هو العلم و الإنسانية.
إذا سقطت الإنسانية نكون أمام مجتمع فاسد تسوده الحروب،
و إذا سقط العلم نكون أمام مجتمع تسوده الأخلاق و القيم لكن يفتقر للتطور أي لابد من التوافق بين العلم و الإنسانية.
عيشوا سعداء مسالمين و كفى من القتل و التقتيل فكفى من سفك الدماء و الجرائم التي لا تولد إلا جرائم أخرى وراءها جراء الإنتقام.
كونوا إنسانيين و متسامحين في تفكيركم واحترموا الاخر كما تحترمون أنفسكم.
رحم الله الطفل عدنان وألهم ذويه الصبر والسلوان. لا حول ولا قوة إلا بالله