أصبح عديد الجزائريين في السنوات الاخيرة يحيون ويحتفلون بيناير رأس السنة الامازيغية الذي اصبح يلم شملهم حول احتفالات وطنية ذات رمزية قوية و متعددة, سيما و انه بات يحظى باعتراف رسمي.
في هذا الصدد اكدت مليكة .د اطار في مؤسسة وطنية بالقول لوكالة الأنباء الجزائرية، ان “للجزائريين أيضا سنتهم الجديدة الا و هو يناير الذي يحتفلون به كل سنة”. كم من مرة سمعنا هذا التأكيد الذي يدل على اعتزاز بالانتماء الى هوية ثقافية خاصة بالشعب الجزائري و التي تعد القاسم المشترك مع شعوب أخرى من جوانب اخرى.
و اضافت نفس المتحدثة ان “هذا الطقس الاحتفالي اضحى منذ بضعة سنين يؤخذ أبعادا اكبر في المجتمع و يبدو لي بأن الجزائريين باتوا يحتفلون و يحيون يناير بشكل اكبر مما جعل مظاهر هذا العيد تصبح بارزة للعيان”.
و نفس الملاحظة لدى فاطمة ربة بيت المنحدرة من حي شعبي عاصمي حيث اشارت، للوكالة الرسمية، الى أن احتفال اصبح “واضحا” لدى العاصميين و الذي “سيكون بالتاكيد اوسع ابتداء من هذه السنة باعتبار أن 12 يناير أصبح يوما وطنيا مدفوع الأجر. و سواء تعلق الامر ب “العجوزة” بالنسبة للعاصميين أو”الفتاشة” و”المبدع” بالنسبة للقبائل و الاوراس أو حتى كرنافال إيراد لبني سنوس بتلمسان فان الاحتفال بيناير يخضع لنفس الرمزية المتمثلة في الاقبال على السنة الجديدة ببشائر الوفرة و التقاسم و الصحة و السعادة.
إن الاحتفال بهذا الارث الثقافي و المتعلق بالهوية شبيه ” بموضة” بالنسبة للبعض استنادا الى التوجه الملاحظ في السنوات الاخيرة و المتمثل في تبادل رسالات التهاني سيما عبر الرسائل القصيرة في هذه المناسبة من أجل تقديم أمنيات “أسقاس امقاز” بين الأقارب و الاصدقاء.
//حلوى و اجواء مرحة لاستقبال السنة بالترحاب/
وإذا كان من البديهي على مر السنين أن الطقوس قد شهدت تطورا بل و أيضا تراجعا فانه يلاحظ مقاومة يناير عبر العالم فلازالت هناك : الفواكه الجافة و الحلوى ( طراز) بكل الانواع و حلويات مثيرة للشهية تستهلك بعد وجبة تقليدية تم تحضيرها خصيصا لهذه المناسبة مع وجبات الكسكس و الشخشوخة مع تفضيل اللحوم البيضاء.
و لا تزال الموائد الجزائرية مليئة بها حيث يجتمع حولها كل أفراد العائلة بشكل الزامي. و يختلف الطقس الاحتفالي بحسب الأذواق و الانتماء الجغرافي للعائلات التي تحرص كل الحرص على ادامة نقل العادة بكل ارتياح. وذلك حتى و أن كانت بعض العادات قد زالت للأسف امام متطلبات أكثر حداثة كما يتأسف له الذين يشعرون بالحنين الى التقليد على غرار علي المتقاعد يقيم ببولوغين ( الجزائر العاصمة).
و أضاف متأسفا “أتذكر جيدا كيف كنت أتقمص دور “العجوزة” لإخافة الأطفال الصغار ثم أقدم لهم الحلويات بعد ذلك حيث يأخذ كل واحد منهم كيسا. للأسف ممارسة هذه العادات و غيرها مما يدخل البهجة في قلوب الأطفال و الشباب تكاد تنعدم في أيامنا هذه”.
من جهتها أكدت الدكتورة في الفلسفة و باحثة الانثروبولوجيا الثقافية بالمركز الوطني لأبحاث ما قبل التاريخ و الانثروبولوجية و التاريخية, غواليز لويزا، لوكالة الأنباء الجزائرية، أن “جوهر هذه المناسبة محفوظ في الذاكرة الانسانية و ليس في صحن الأكل و هو ما يجعل يناير حاضرا بقوة رغم الاوضاع الاجتماعية المختلفة”, موضحة أنه مع مرور الوقت تطورت الأمور حيث “لم يعد من الصعب على العائلات الآن أن توفر 7 دجاجات تحضيرا لوجبة هذه المناسبة”.
و في ذات السياق أشارت السيدة غواليز إلى أن “العادة تقتضي خلال هذه المناسبة ان يأكل كل شخص حتى يشبع على خلاف باقي أيام السنة مستبشرين بعام خير”, مذكرة بان هذا التقليد نابع من مبدأ “إعطاء الاغنياء للفقراء” تحت إشراف “كبير القبيلة أو الدشرة الذي تقع على عاتقه حماية الجميع من الجوع خلال أيام الشتاء القارس”.
و ترى الباحثة أن ” ثقافة التضامن لا تزال حاضرة ليومنا هذه من خلال كرنفال بني سنوس مثلا”, مضيفة أن ” يناير هو ايضا يوم تستعرض فيها حصيلة العام الماضي على المستويين العائلي و الاقتصادي”.
و في سياق آخر, اعدت المفوضية السامية للأمازيغية برنامجا ثريا لإحياء هذه المناسبة السعيدة و التي اختارت عاصمة الغرب وهران لإطلاق هذه الاحتفاليات بينما ستحتضن مدينة تقرت (ورقلة) الاختتام.
ومنذ الاعتراف باللغة الامازيغية لغة وطنية في 2002 و ترسيمها سنة 2016 عاد يناير بقوة للساحة الوطنية حيث أصبح محل اهتمام وسائل الإعلام التي باتت تخصص فضاء اوسع لكل ما يمت بصلة لهذا الإرث الحضاري, كما يعتبر العديد ان “هذا التشريف” لمناسبة يناير ليس سوى “عودة ” الأمور إلى أصلها.