للأسبوع الرابع على التوالي، تنطلق كل يوم جمعة تظاهرات حاشدة في العاصمة الجزائرية، ويردد المشاركون فيها شعارات منددة بالانتخابات النيابية المبكرة المزمع إجراؤها في 12 يونيو المقبل، رغم وعود السلطة بضمان نزاهة الاستحقاق.
وفي كل مرة يردد المتظاهرون هتافات منها “أعيدوا السلطة إلى الشعب”، مكررين مصطلح “سلمية”، في إشارة إلى الطبيعة المسالمة للانتفاضة الشعبية التي انطلقت في فبراير 2019، التي أرغمت رئيس البلاد، عبد العزيز بوتفليقة، على الاستقالة من منصبه.
وفي آواخر عام 2019، دعا الجيش لإجراء انتخابات رئاسية جديدة شجبها المحتجون ووصفوها بأنها هزلية. وتمخضت الانتخابات عن فوز عبد المجيد تبون بعد أن شهدت إقبالا منخفضا من الناخبين.
وفي وقت ربطت المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة بالتحركات الاحتجاجية، لاسيما في العراق ولبنان، باعتبارها احدى الطرق الديمقراطية للتحول في السلطة، اختلف الجزائريون في ذلك متمسكين برغبتهم في مقاطعة الاستحقاق بحال حصوله.
“انعدام الثقة”
وهنا قال الناشط في الحراك، حمزة بركاني، في حديث لموقع “الحرة”: “نحن نرفض الانتخابات لسبب واضح، لا يمكن لنظام فاقد للشرعية الشعبية أن ينظم أي استحقاق شعبي”.
وأضاف بركاني: “في جو مشحون وانعدام تام للثقة بين الحاكم والمحكوم نسبة المشاركة دائما مخجلة”، مشيرا إلى أن “الجزائريين انتخبوا 17 مرة خلال 51 عاما أي بمعدل مرة كل ثلاث سنوات، ولم يتغير شيء سواء أثناء حكم الحزب الواحد أو التعددية الحزبية”.
وشدد على أن “للحراك مطلب أساسي وهو التغيير الجذري للنظام السائد لتحل محله دولة مؤسسات مدنية بسلطات مستقلة عن بعضها البعض يتساوى فيها الجميع أمام القانون ولا تتدخل السلطة العسكرية فيها بالسياسة والعملية الديمقراطية”.
ونفى تبون هذا الشهر أن يكون للجيش أي دور سياسي وقال إنه استجاب لمطالب المحتجين واستدل على ذلك بالإفراج عن بعض المعتقلين وبالخطط الرامية لإصلاح المؤسسات.
“منع تراخيص”
كما أشار الصحفي والناشط السياسي، فاتح بن حمو، في حديث لموقع “الحرة”، إلى أن “قانون الانتخابات الذي تشكل بمعزل عن مشاركة الحراك والمعارضة عليه علامات استفهام كثيرة”.
ولفت بن حمو إلى أن “النظام يعتبر أن مطالب الحراك قد تم تلبية أغلبها، بينما الحراك يعتبر ما تم إنجازه هو حركة احتيالية والتفافية على مطالبه، وفي مقدمتها التغيير الجذري”.
وأكد أن المحتجين يعتبرون أن “المشهد السياسي لا يزال كما هو ولم يحدث أي تغيير”.
وأعرب بن حمو عن رفض الحراك هذه الانتخابات في ظل “التضييق الأمني والإعلامي”، كاشفاً عن “عدم منح تراخيص لأحزاب شابة معارضة كانت تعتزم التأسيس تمهيدا للمشاركة في العمل السياسي”.
وزادت حدة الخلافات بشأن مستقبل الحراك بسبب الموقف المتشدد للسلطات والذي وصفه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه حملة قمع تضمنت الكثير من وقائع الاعتقال.
ويوم أمس، تعهد رئيس “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات” محمد شرفي أن تتوفر “جميع الضمانات لانتخابات نزيهة”.
وأشار إلى أن قانون الانتخابات في نسخته المعدلة يتضمن آليات جديدة ستثبت جدارتها في سد الطريق أمام المال الفاسد، حتى يمارس الشعب حقه في اختيار من يراه الأنسب لتولي شؤونه”.
“السلطة تراوغ”
من جهته، أوضح المحلل السياسي، توفيق بوقعدة، لموقع “الحرة”، أن “رفض الناشطين للانتخابات يعود إلى العديد من الاعتبارات، تصب جميعها باعتقادهم أن المشاركة في الانتخابات لن تجدي نفعاً، لاسيما في حل الأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد منذ الانتفاضة الشعبية في فبراير”.
وقال بوقعدة: “السلطة تراوغ لإكمال سيطرتها على المؤسسات، إذ ينقصها المجال التشريعي”، مضيفا أن “المسار السياسي الذي اختارته السلطة عملت به وحيدة دون أخذ رأي الشارع، وهو أمر مرفوض”.
واعتبر أن “المنظومة الحاكمة لا تعمل على ترميم الثقة مع الشارع”.
“هندسة القانون” وتضييق إعلامي
ولفت المحلل السياسي إلى أن السلطات لجأت إلى “هندسة القانون الانتخابي، وقد تم اللجوء إلى تقليص عدد مقاعد البرلمان، وسحب ٥٠ مقعدا من الدوائر الكبرى، وهي المحسوبة على القوى المعارضة للسلطة”.
وتابع: “نجد في القانون إضافة مقاعد جديدة لمناطق الجنوب المؤيد للسلطة، والتوزيع على أساس هذه الخارطة يدل على قطع الطريق أمام الناشطين الراغبين بالانخراط في العمل السياسي”.
وشدد على أن “السلطة في حالة إنكار للحالة الاحتجاجية في الشارع ولا تعترف بها، إذ لا تسمح للمعارضين بإيصال صوتهم عبر وسائل الإعلام العامة والخاصة”.
وأضاف بوقعدة: “هناك حالة من الانغلاق في الفضاء الإعلامي والسياسي، ولا يمكن الذهاب لانتخابات الحقيقي بهذا الشكل، بل نكون أمام ترميم لشرعية السلطة المفقودة”.
وفي العام الماضي، لم يفض عرضه التفاوض مع الحراك إلى تحقيق شيء يذكر ولم تتحقق وعوده بالإصلاح الاقتصادي على أرض الواقع. وحظيت التعديلات التي أدخلها على الدستور لاسترضاء الحراك بالموافقة في الاستفتاء الذي أُجري من أجل ذلك، لكن نسبة الإقبال على التصويت لم تتجاوز 24 في المئة.
ـ الحـرة