أقامت الجامعة الصيفية بأكادير ملتقى إبداعيا افتراضيا عنوانه حوار الإبداع في زمن العزل، تم بثه في الوسائط المعاصرة ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد ضم مجموعة من الحوارات المفتوحة بين تجارب إبداعية في الكتابة الأدبية الأمازيغية والتعبير التشكيلي والموسيقى، وهي، لقاءات خصيبة استطاعت أن تؤسس لعلاقات جديدة بين حساسيات جمالية معاصرة وأن تشيد جسورا للتفاعل الخلاق بينها؛ يتجاوز مبدأ التجاور الذي حكم العلاقة بين التشكيل والأدب والموسيقى، وتحتفي في الوقت نفسه بالنوابض الحية في الثقافة الأمازيغية من دوال رمزية وصور وأيقونات وإيقاعات لها جذورها الضاربة في أرض الذاكرة كما تتطلع إلى تعزيز التعدد الثقافي وترجمة الأبعاد الرمزية له عبر خطابات جمالية، كما تكشف ما ينبثق في الدواخل من أحاسيس وهواجس وأسئلة وما تعيشه الذات من حالات في ارتباطها بلحظتها التاريخية، لحظة العزلة والتأمل في أزمنة الحجر.
في هذا الحوار، نستضيف الأستاذ والباحث رشيد الحاحي رئيس الجامعة الصيفية بأكادير للاقتراب من رهانات هذا الملتقى وامتداداته ومستقبله.
– أقامت الجامعة الصيفية بأكادير ملتقى إبداعيا تضمن مجموعة من الحوارات بين حساسيات إبداعية مختلفة على مدار شهر أبريل، ماهي معالم فرادة تجربة “حوار في زمن العزل”، وإلى أي حد استطاع هذا الحوار تجاوز العلاقة الكلاسيكية بين الأدب والتشكيل والفتوغرافيا التي تستحيل فيها اللوحة التشكيلية أو الصورة الفتوغرافية سندا ملحقا بالنص الأدبي؟
تميزت هذه التجربة التي فسحت المجال لحوار إبداعي بين تسعة مبدعين في مجال الأدب، الشعر والقصة تحديدا، وبين تسعة فنانين تشكيليين، بمقاربتها المعاصرة لإمكانيات العلاقة والتجاور والتكامل بين هذه الأجناس الإبداعية، وأعني بالمعاصرة تجاوز الإطار والشكل التقليدي لهذه العلاقة التي غالبا ما كانت تختزل في إلحاق النص المكتوب بلوحة أو صورة تؤثث فضاء القراءة، أو انجاز رسوم ترقينية des illustrations تنشر مع قصائد الديوان مثلا، حيث أن اشتغال المبدعين الثمانية عشر في هذه التجربة، تجاوز حدود الترقين والتأثيث إلى مستوى حوار ابداعي خلاق يجمع، فيما يخص انتاجات التشكيليين، بين الأعمال التشخيصية وشبه التشخيصية والأعمال التجريدية والشاعرية والرمزية، في إطار مقاربة تأويلية للنص الشعري والقصصي تحفظ للفنان حرية الانجاز وفق أسلوبه واشتغاله التقني والجمالي وتحفظ أيضا ممكنات تجلي العلاقة وتقريبها من المتلقي. إضافة إلى أهمية الإخراج البصري والمقاطع الموسيقية المرافقة لمشاهد الفيديو والتي أفعمت حيوية الحوار والتبادل الابداعي ومستو ى التلقي أيضا، والمواكبة النقدية لكل حوار بنص تقديمي، هذا مع استحضار أن الحوار تم عن بعد في زمن العزل، والانتاج يقدم على الويب أي بتوظيف الوسائل التكنولوجية والتواصلية الحديثة. ولعلها تجربة مؤسسة ومضيئة في المجال الثقافي الأمازيغي والمغربي بصفة عامة.
– ماهي الأفاق المستقبلية لهذا المشروع الإبداعي، وهل يمكن الانتقال به من طبيعته الافتراضية والرقمية
إلى الواقع؟
في الحقيقة ثمة لبس مفهومي عندما نتحدث عن الافتراضي Le virtuel ، وللتدقيق فإن الأمر يتعلق بحوار فعلي وواقعي، بين ذوات مبدعة معروفة وبإنتاجات فنية مادية وملموسة، أي نصوص شعرية وقصصية مقدمة في تسجيلات صوتية تتراوح بين 3 و5 دقائق، وبإلقاء حي وجميل لمبدعيها، وانجازات تشكيلية وبصرية، رسوم وصباغة وفوتوغرافية…، مقدمة بدورها في صيغة صور وفيديوهات مرئية مسجلة داخل محترفات الفنانين أثناء الاشتغال على النصوص الأدبية وبعد الانتهاء من الأعمال، الكل يقدم للمتلقي في إخراج بصري جميل ترافقه اختيارات موسيقية متناغمة مع مسار ودلالات الأعمال والحوار الإبداعي، مما يفعم توليفية الصوت والصورة والأبعاد الدلالية والجمالية للمنجز الابداعي. فرغم أن الحوار تم عن بعد، أي تم التنسيق بين المبدعين وتبادل الابداعات بينهم وأحيانا حتى الاتصالات والمكالمات، وقدم على وسائل التواصل الحديثة، أي قناة الجامعة الصيفية على اليوتوب وصفحتها على الفايسبوك، إلا أنه حوار واقعي ومنجز ثقافي فعلي.
بيد أن أهمية هذه التجربة الابداعية التي أطرتها رؤية ثقافية وجمالية معاصرة، ومخرجاتها تتطلب التفكير في تعرف المنجز عن قرب، وتوثيقه المادي على شكل حامل الكتروني DVD مثلا، أو طباعة ورقية، كما يمكن التفكير رفقة الأصدقاء في الجامعة الصيفية في تنظيم معرض للإبداعات الأدبية والتشكيلية المقدمة بموازاة احدى الملتقيات الثقافية والندوات العلمية التي ستنظم مستقبلا.
– ما هي الأسباب الثاوية خلف التناغم المتحقق في الحوارات المفتوحة بين الأدب و التشكيل و الفتوغرافيا هل يعود ذلك إلى مشتركات رمزية بينهم؟
من أسباب التناغم الذي تحقق خلال هذه الحوارات الابداعية هو أولا مستو ى المبدعين والمبدعات الذين شاركوا فيها لأنهم أسماء راكمت كثيرا في مجالاتها الإبداعية، سواء بالنسبة للمشتغلين بالإبداع الأدبي، أو بالنسبة للتشكيليين الذين يمتلكون مسارا فنيا متميزا وكفايات تقنية وثقافية رفعت من مستوى إدراك ومقاربة العلاقات الابداعية والحوار الجمالي في هذا المنجز الثقافي. إضافة إلى الرؤية التي أطرت الإخراج البصري والتي جمعت بدورها بين العمل التقني والخلفية الفنية، مما أفضى إلى أعمال متكاملة. وأخيرا، الإطار الثقافي الأمازيغي الذي يحضر من خلال لغة الابداع الأدبي، وحداثة النصوص، وما تحمله من أبعاد رمزية وجمالية، ألهمت لا شك التشكيليين الذين تناولوها وفق مقاربة صباغية معاصرة.
– يلاحظ عودة الجامعة الصيفية المزاوجة بين الرهان المعرفي و تطوير الخطاب حول الثقافة الأمازيغية وقضايا التعدد اللغوي والثقافي ورهان بناء دينامية إبداعية معاصرة في مجال الفنون، هل يتعلق الأمر برؤية جديدة لعمل الجامعة الصيفية؟
الجامعة الصيفية كانت دائما منتدى للفكر والابداع في مجال الثقافة الأمازيغية والمغربية المعاصرة، وللإنتاج وتطوير المعرفة والخطاب، مند تأسيسها سنة 1979، رغم أن مستويات الانتاج وتدبير هذا المنتدى كانت دائما تختلف حسب السياقات والإمكانات البشرية والمادية، وأحيانا حسب التصورات المعمول بها. ومن خلال النقاشات التي تعرفها دينامية الجامعة الصيفية حاليا، يتضح أن الكفاءات الفكرية والابداعية والتنظيمية التي يزخر بها المكتب الحالي والمجلس الإداري، تلتقي على ضرورة مأسسة إطار الجامعة ودمقرطتها، وتقوية أدائها وحضورها وانتقاء أنشطتها وتجويد أشغالها. كما تسعى هذه المقاربة إلى المساهمة الفعالة في تطوير الدينامية الابداعية الأمازيغية والانتاج المعرفي والأكاديمي، خاصة أن المرحلة الراهنة تعرف تحديات وانتظارات كبيرة على مستوى تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وتمكين اللغة والثقافة من السند المعرفي والابداعي الضروري لتبويئها مكانة ووظائف مؤسساتية وسوسيو ثقافية جديدة ومعاصرة، وتفعيل مهام المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وفق قانونيهما التنظيميين.
أجرى الحوار/ أحمد بوزيد
Je salue chaleureusement l’initiative de l’Université d’Agadir qui nous a permis en confinement de nous exprimer entre les poètes sur des sujets d’actualité dont l’être humain est le centre de cette quête artistique.
Je ne dirais pas un dialogue virtuel, mais plutôt un dialogue réel à distance.