يعيش المغرب، شأنه شأن دول عديدة في الضفة الشمالية والجنوبية للمتوسط، صيفاً غير مسبوق في حرارته، تجاوزت فيه درجات الحرارة المعدلات الموسمية بكثير، مخلفة آثاراً واضحة على الطبيعة وصحة الإنسان والموارد الحيوية. هذا الارتفاع المهول في درجات الحرارة ليس إلا جزءً من صورة أكبر عنوانها التغيرات المناخية، وهي نتيجة مباشرة لسنوات من السياسات الصناعية غير المستدامة، والإفراط في حرق الوقود الأحفوري، وإطلاق الغازات الدفيئة في الجو، مما تسبب في ثقب في طبقة الأوزون، التي كانت بمثابة الدرع الواقي من الأشعة فوق البنفسجية. اليوم، تسللت حرارة الشمس مباشرة إلى سطح الأرض، كاشفة هشاشة النظام البيئي وخطورة غياب المسؤولية والمحاسبة والعدالة المناخية.
يقول العلماء المختصون أن ثقب الأوزون تكون نتيجة التراكم الكثيف لمركبات الكلور والفلور والكربون التي كانت تُستخدم في الصناعات، فارتفعت هذه الغازات إلى طبقات الجو العليا حيث تتفاعل مع جزيئات الأوزون وتؤدي إلى تفكيكها. هذا التفاعل الكيميائي دمر جزءً مهماً من طبقة الأوزون.
منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم، ارتفعت درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.2 درجة مئوية، ومع الاتجاهات الحالية، يتوقع أن نتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية (الحد المستهدف في اتفاق باريس) بين عامي 2030 و2035. وإن تجاوز هذا الحد يعني مزيدًا من موجات الحر القاتلة، ذوبانًا أسرع للأنهار الجليدية، ارتفاعًا في مستوى سطح البحر، اختلالات بيئية خطيرة عنوانها الفيضانات والجفاف مما يهدد مصدر عيش ملايين الناس في الزراعة والصيد بالخصوص وهذا ما يهدد الأمن الغذائي ويدفع نحو الرفع من أعداد الفقراء.
وعيا بهذا الخطر، وقّعت الدول اتفاقية مونتريال سنة 1987، والتي اعتُبرت نموذجاً ناجحاً في التعاون البيئي الدولي، تبعها التزامات خلال قمم المناخ، وأبرزها اتفاق باريس 2015، ومؤتمر مراكش 2016 (شاركت في الأخير 196 دولة)، حيث تعهدت الدول بخفض انبعاثاتها تدريجياً والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض.
رغم تلك الالتزامات، فشلت الدول الكبرى الملوِّثة في احترام تعهداتها المناخية. ففي حين تواصل الدول النامية تحمل كلفة التغير المناخي في شكل جفاف على الخصوص، تتذرع القوى الصناعية بالحاجيات الاقتصادية والسياسية لبلوغ أهدافها التنموية على حساب البيئة، متجاهلة دعوات العلماء والتنبيه إلى المخاطر المستقبلية على البشرية جمعاء بما في ذلك سكان الدول الصناعية الكبرى.
وهكذا تحوّلت الحرارة إلى قضية سياسية بامتياز، حيث لم تعد مسألة علمية فقط، بل قضية عدالة دولية واختيار بين سياسات تسخن الغلاف الجوي وسياسات تُقلل من ذلك.
على الشعوب أن تضغط من أجل إلزام الحكومات، وبالأخص الشركات الكبرى، بالتحول الفعلي نحو الاقتصاد الأخضر، قبل أن تتحول الأرض إلى فرن والبشر إلى حطب والحياة على الأرض إلى ذكرى في كتب آخرين.