الحرب في مالي وانفجار التناقضات، وكيف دعمت قطر الجماعات الإرهابية في مالي وليبيا، ذلك ما يحاول الإجابة عنه الكتاب القيم الصادر عن دار النشر فيارد للصحفيين المحققين الفرنسيين فانيساراتنيي وبيير بيون “فرنسا تحت التأثير.. عندما تعتبر قطر بلدنا ملعبا لها”. يؤكد الكتاب، الجزء الواحد والعشرون المعنون “بحرب مالي : انفجار التناقضات” انه بتاريخ 15 يناير 2013، أربعة أيام بعد الانخراط العسكري الفرنسي في شمال مالي، ويرى الصحفيين أن قطر تخلت عن باريس ويصرح الشيخ حمد بن جاسم آل نهيان الوزير الأول ووزير الخارجية القطري السابق، حسب الكتاب “لا اعتقد ان القوة يمكنها أن تحل المشكلة” كما يقترح ربط الاتصال بالاليزيه.
وبتاريخ 11 من نفس الشهر، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ألقى خطابا يعلن فيه دخول فرنسا في حرب ضد العصابات المسلحة التي سيطرت على شمال البلاد حيث ترتكب فيها جرائم باسم الشريعة ولديها رهائن فرنسيين.
الديوان (الديوان الأميري، قصر حاكم قطر) رغم ذلك حليف الإليزي والتدخل الفرنسي حسب الكاتبين لا يمكن أن يوصف بالمتسرع. ويشرح الكاتبين انه منذ عدة سنوات وتأثير الجماعات المسلحة يشمل الساحل من موريتانيا إلى حدود السودان مرورا بمالي, النيجر وتشاد ويشمل كذلك جزءا من نيجيريا. المنطقة يؤكد الكتاب, أضحت وكرا لكل الأعمال الإجرامية، ومالي طريق لعبور الكوكايين “تلك الطرق كانت مراقبة من طرف العديد من العصابات الإجرامية، خاصة الجزائرية المعروفة باسم القاعدة في المغرب الإسلامي” يشير ألان شويترئيس-رئيس سابق لقسم الاستعلامات الأمنية للاستخبارات الخارجية الفرنسية وخبير في قضايا الإرهاب “جهاديون في النهار والمارلبورو في الليل” يعيشون أساسا من الاتجار في السجائر، المخدرات والرهائن أكثر من النشاط السياسي. ويضيف الآن شويت للكاتبين “مالي كانت نقطة عبور أساسية لكل الأنشطة الإجرامية بين خليج غينيا والمنطقة المغاربية نحو أوربا” الفقر, الرشوة المتفشية وغياب الحدود الترابية وتعاظم إقبال الأوربيين على المخدرات. كل تلك العوامل جعلت المنطقة ممرا إجباريا لتجار المخدرات خاصة من أمريكا الجنوبية وعلى هامش تدفق هؤلاء المجرمين, يشير الكتاب, تزدهر التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
ويؤكد الكتاب انه منذ سنة 2005 حددت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي باريس عدوا رئيسيا لها، لكن حسب الكتاب دائما, المنطقة لم تكن تكتسي أولوية بالنسبة للأجهزة الفرنسية إلا بحلول عام 2008, وبعدها بسنة تم تبني خطة عمل تحمل لقب “روكان”، والدليل أن الخطر الإرهابي حقيقي: تم رصد العديد من محاولات التسلل للتراب الفرنسي انطلاقا من الساحل بين 2009 و2013, وتم إجهاض خمس عمليات إرهابية في فرنسا نفسها، و15 قضية مرتبطة مباشرة بالساحل أحيلت على قضاة مكافحة الإرهاب. وابتداء من 2011, القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هددت بارتكاب أعمال إجرامية فوق التراب الفرنسي، ساركوزي الرئيس آنذاك فهم إذن أن دراسة السيناريوهات لا يكفي بل وقت التحرك قد حان، ويكشف الكتاب، أن رئيس أركانه العسكري الخاص المدعو بونوا بوجا كان يحثه على التحرك لكن الرئيس يصر على رفض التدخل بحجة أن فرنسا منخرطة في عدة جبهات فضلا عن حربها ضد القذافي.
الحرب انتهت في ليبيا، والبلد ليس سوى أجزاء ترابية تسيطر عليها عصابات مسلحة وينتعش بها إرهابيون ومجرمون, البلد مغرق في الفوضى والعنف أين دعاة الحرب؟؟ تركوا الأهالي لمصيرهم المأساوي، يشير الكتاب والنتيجة, ليبيا في وضعية كارثية “جزأ من الشعب خاصة التوبو والسود عرضة لهجمات مستهدفة” يشير سامويل لوران, المستشار لدى المستثمرين الأسيويين والعائد من رحلة للمنطقة، والذي يقول أيضا ضمن شهادته عن ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا” الدولة لا وجود لها، انهارت والجزء المتبقي منها لا يتمتع إلا بسلطة نسبية والدليل على ذلك أن مليشيات مسلحة مكونة من متمردين سابقين استطاعت أن ترتكب وبدون عقاب، جريمة اختطاف الوزير الأول على زيدان، المتهم حسب تلك المليشيات، بالترخيص لاختطاف مسؤول من القاعدة فوق التراب الوطني. البلد ليس سوى أراضي متجاورة تتنازع حولها فصائل متناحرة. جنوب ليبيا عبارة عن أراضي صحراوية شاسعة, بؤرة للتهريب حيث ملجأ المهربين الإرهابيين ومعقل الجهاديين المزدهر “هنا في ليبيا، قطر في بيتها وأرضها عمليا كل رجال السياسة في ليبيا تربطهم علاقات متميزة مع الأمير ومحيطه, نفس الشيء بالنسبة للفصائل وذلك منذ الحرب ضد القذافي, اليوم الدوحة تستعمل تأثيرها لضمان طمأنينة الجهاديين داخل ليبيا” يصرح مسؤول استخبارات إحدى الفصائل لنفس المستشار.
وينتقل الكتاب لشرح العواقب الوخيمة التي خلفتها الحرب ضد ليبيا على كل المنطقة ويكشف أن الطوارق الذين حاربوا في ليبيا رجعوا إلى أراضيهم في شمال النيجر ومالي بعد أن استولوا على أسلحة. ويروي الكتاب أيضا أن شائعات أولية لانتفاضة الرجال الزرق بدأت تروج منذ صيف 2011, والطوارق “أمازيغ الصحراء الكبرى” منضوون أساسا تحت لواء الحركة الوطنية لتحرير الأزواد المعروفة باسم(أمنيل), يناضلون من أجل تقرير مصيرهم وأرضهم، “الأزواد” التي تقع شمال البلاد “مالي”, المنطقة تضم مدن جاو، كيدالوتمبوكتو. ويذكر الكتاب انه خلال شهر يناير 2012 شنت الفصائل المتمردة هجوما عسكريا للسيطرة على شمال مالي: القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الحركة من اجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا (موجاو) وأنصار الدين هذه الفصائل تمكنت من بسط نفوذها على شمال البلاد. الآفاق مظلمة، ويعتبر الكاتبين ان سقوط مالي يعني تحولها إلى دولة إرهابية في قلب إفريقيا الغربية وعلى أبواب المنطقة المغاربية وأوروبا.
المنطقة, يؤكد الكتاب, تشكل أولوية بالنسبة للأجهزة الفرنسية لان الأمر يتعلق بحليف –يعني مالي- يجب مساعدته للحيلولة دون سقوطه في الوضعية الأفغانية. ويورد الكتاب أن الجريدة الفرنسية لوكاناراونشيني منذ 2012 نشرت معلومات وبرقيات للمخابرات الخارجية الفرنسية تحذر فيها الإليزي-عدد 28 ماي 2012- “الأنشطة العالمية لقطر لا تقتصر فقط في الدعم المالي للثورات في تونس، أو في مصر أو في ليبيا بل تمتد لتسليح متمردي الصومال والدعم المالي للجماعات الإسلامية الاريترية التي تتسلل لاثيوبيا، أو أيضا تمويل المتمردين في الساحل و نجيريا عبر منظمات غير حكومية “متعاطفة”.
ترجمة وقراءة: احماد بويسان