نُسِجَت أساطير حول هذا الرجل، وكانت كلها أساطير مؤسسة لشخصية سياسية أمازيغية non grata، فهو الملحد، اللاديني، الماسوني، الصهيوني، المُتَأْمْرِك، العميل السري للمخزن وهلم جرا.
ولا تكاد تُنسب مكرمة لأحمد الدغيرني إلا لماما، والأغرب أن الذين يكيلون له التهم ليسوا إلا من عركهم وعركوه في الحركة الأمازيغية إلا من رحم ربك.
وللحق أنني يوم حللت بمدينة كلميمة (تيزي ن إمناين) صيف سنة 2008 بدعوة من الصديق “عدي ليهي” لإلقاء محاضرة عن الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي غداة حله وإبطاله، وهالني أن أرى في عيون ووجوه أيت غيغوش نظرة إكبار وافتخار بأحمد الدغيرني، واستغربت لكل هذا الحب الذي يكنونه لهذا الرجل بالرغم من اختلافهم معه/معنا في الحزب، فعلمت حق العلم أن من يكره/ يكرهون الدغيرني لهم أجندة مع هذه الجهة أو تلك، أو أن كرههم ذاك، انسياق وراء الموجة العارمة التي تريد تصفية الدغيرني وإبعاده من الساحة السياسية بالمرة.
في لقاء أطره الفضاء الجمعوي l’espace associatifبالرباط، وفي خضم النقاش الذي دار يومئذ حول الأمازيغية، طرح سؤال حول الشخصية التي تحظى بالإنصات – بخصوص ملف الامازيغية – لدى الفضاء الجمعوي ولم تكن سوى شخصية أحمد الدغيرني، ولما سألت عن طبيعة هذا الإنصات الذي يحظى به الدغيرني لدى الفضاء الجمعوي دون غيره، فأُجِبْت أن الدغيرني هو الوحيد الذي يملك مفاتيح الإجابات في شأن الأمازيغية كملف مستعرضtransversal يتجاوز القطاعية ويتجاوز النظرات التجزيئية.
لم ألْتَقِ أحمد الدغيرني إلا صيف سنة 2005، والمناسبة كانت تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي يوم 31 يوليوز 2005 بالرباط. وقبل هذا التاريخ لم يكن الدغيرني بالنسبة لي، سوى رقم في زحمة الأسماء التي تؤثث سماء الأمازيغية، إلى جانب أزايكو وشفيق وأرحموش والصافي مومن والعكاف ووكرار وآخرون.
كنا يومئذ ثلة منتقاة بعناية لتمثيل منطقة الجنوب في جدول أعمال تأسيس الحزب. وأعجبت بطريقة الرجل في معانقة كل فرد على حدة، وانتابنا جميعا إحساس أن لقاءنا في حد ذاته أهم من تأسيس الحزب، أو أن مقاصد تأسيس هذا الحزب لا تعدو أن تكون ضمان لقاء تانزروفت / الصحراء بأيت غيغوش والريف والشرق، وهو الشيء الذي ظل يكرره الدغريني في كل لقاء تقريبا من لقاءات الحزب، وهي الورقة التي كان يفض بها النزاعات دوما ..” وا ئيمازيغن مونات كا على ربي “.
سيظل اللقاء التأسيسي محفورا بذاكرتي، فعلاوة على كونه ضم أسماء لم أكن أحلم أن تلتئم حول مشروع سياسي أمازيغي قط، كان الفضاء المختار للتأسيس بحي حسان بالرباط، على الرغم من بساطته، يوحي بصوفية مفتقدة في العمل السياسي في الأحزاب المعروفة لدينا، والتي خبرنا بعضها، وكان جو النقاش الذي ساد يومها، يشي بالرغبة في نقل سرعة الحركة الأمازيغية إلى المفازات السياسية، وبدأت تتضح أمامي أولى الإشارات إلى أننا أمام مشروع سياسي مختلف تماما عما ألفناه في الأحزاب الأخرى، وأن النضال ضمن الحزب الذي يوشك أن يولد يومها سيكون بطعم الخسارات أكثر مما ينبيء بالنجاحات.
الحسين أبليح