افتتح السيد رئيس مجلس النواب الدورة السابعة عشرة
للجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط بحضور السيد رئيس مجلس المستشارين، والسيد رئيس الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، ورؤساء البرلمانات الأعضاء ورؤساء الوفود، وممثلو المنظمات الدولية، وممثلو البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المملكة المغربية، وذلك اليوم الأربعاء 01 مارس.
وأشار إلى أن أرض المملكة المغربية، الدولة الضاربة جذورها في حوض البحر الأبيض المتوسط، والبلد الذي كان له على مدى قرون الحضور القوي والمؤثر في بناء حضارات حوض المتوسط، وفي الأحداث الفاصلة التي طبعت الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة المتوسطية.
وأكد على هذه الدورة تنعقد في سياق إقليمي مطبوع بالنزاعات والأزمات المتناسلة في جنوب وشرق حوض المتوسط وفي بلدان تقع في جوار بلدان هذا الحوض مع كل المآسي المترتبة عليها على شعوب المنطقة، ومع كل تداعياتها على مجموع المنطقة الأرومتوسطية. وتزداد هذه الأوضاع تفاقما في سياق دولي مطبوع بالتوترات الجيوسياسية، وأساسًا بسبب تداعيات الحرب في شرق أروبا.
وأضاف أن الأوضاع الراهنة في العالم وفي المنطقة الأرومتوسطية تحديدًا، ليست أحسنَ، إن لم تكنْ أسوأَ، من تلك التي انطلقَ على خَلْفِيَتِها مؤتمرُ الأمن والتعاون في حوض المتوسط La CSCM في بداية التسعينات، وبالتحديد في مؤتمر مالقا في 1992، وهو المسلسل الذي توج في 2006 بتأسيس الجمعية البرلمانية لحوض المتوسط، وهي نفس الظروف التي في سياقها جرت مفاوضات أوسلو حول القضية الفلسطينية والآمال التي أطلقتها في بناء السلام والتعايش في الشرق الأوسط، وهي ذات الظروف أيضًا التي تم إطلاق مسلسل برشلونة في 1995، من أجل تجاوزها.
وأن مجموع هذه الآليات انطلقت بأهداف مشتركة تتمثلُ في إِقرارِ السلمِ العادلِ والدائم، ومحاربةِ الإرهاب واجْتِثاثِ جذورِه وأسبابِه، وإقامةِ منطقةٍ للرخاءِ والازدهارِ الاقتصادي المشترك، واحترامِ وصيانةِ حقوق الإنسان وتعزيزِ الديموقراطية، والتدبيرِ الإنساني للهجرة والتصدي لأسباب الهجرة غير النظامية، وتحويل التكنولوجيا والاستثمارات من الشمال إلى جنوب شرق المتوسط.
وقال في كلمته الافتتاحية “بنظرةٍ سريعة لأوضاعِ منطقتِنا اليوم، نرى أن النزاعات في شرق وجنوب حوض المتوسط وفي محيطها، انتقلت من نزاع واحد إلى عِدة نزاعات مسلحة داخلية وعابرة للحدود، خاصة بسبب التدخلات الخارجية في شؤون الغير، وبسبب النزعات الطائفية المقيتة والاستقطابات الإقليمية.
ومن جهة أخرى، تزداد الفوارق بين شمال الحوض المتوسطي من جهة، وشرقه وجنوبه من جهة أخرى، من حيث المداخيلُ والولوجُ إلى الثرواتِ وإلى الخدماتِ والتعليمِ، فيما تُفَاقِمُ النزاعاتُ والاختلالاتُ المناخية والفقرُ ظواهرَ الهجرةِ والنزوحِ واللجوءِ. وقد عمَّقت تداعياتُ جائحة كوفيد 19، والحربُ في شرق أروبا من هذه الفوارق جرَّاء الارتفاعِ المُهْوِل لأَسعارِ الطاقة والمواد الأولية، والمنتوجات الغذائية. وعلى خلفية كل هذا، تزدهرُ خطاباتُ التعصبِ والانغلاق ورفض الآخر في عدد من البلدان مستغلةً تدفقاتِ الهجرةِ وأعمال الإرهاب والعنف، المنبوذةِ والمعزولة والمُدانة من كل الديانات السماوية والقوانين المدنية وتقاليد العيش المشترك”.
“لَيْسَ التذكيرُ بهذه الأوضاع، وبالصورة القاتمة للحالة في منطقَتِنَا، دعوةً للتشاؤم أو اليأس، ولكن للتّذكير بمسؤولياتنا إزاء استمرار الأوضاع ذاتها التي تأسست منظمتُنا البرلمانية ونظيراتُها في المنطقة من أجل الإسهامِ في تجاوزها من خلال الحوار والتَّعاون والتَّضامن، وأساسًا من خلال الاحترامِ المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير”.
وأضاف “في المقابل، سيكونُ جاحِدًا من يُنْكِرُ التقدم الكبير والتحولات التي حققتها العديد من البلدان الأعضاء في جمعيتنا البرلمانية في مجال البناء المؤسساتي، ودمقرطة الحياة العامة، واعتماد الدساتير، وصيانة حقوق الإنسان وفي مجال الأداء الاقتصادي ومكافحة أسباب الاختلالات المناخية، على الرغم من الأزمات المحيطة بها، أو التي هي طرف فيها”.
ثم تساءل “ما دمنا في محفلٍ برلمانيٍ حرٍّ متعددٍ جغرافيًا وسياسيًا وثقافيًا : هل تحققت رهاناتُنا المشتركة من التعاونِ شمال- جنوب في منطقةِ المتوسط في الرخاءِ والازدهار المشترك، وفي مجالِ تحويل الاسثمارات ورؤوس الأموال وفق منطق رابح-رابح، بما يخرجنا من المنطق التقليدي للمساعدات من أجل التنمية، ويُيَسِّرُ تحويلَ التكنولوجيا إلخ ؟
أَلَمْ تكن جائحة كوفيد 19، مثلا أزمةً امْتُحِنَ فيها التضامنُ وأبانتْ عن ازدهارِ الأنَانِيَاتِ الوطنية التي تعززت مع الحرب في شرق أروبا وتداعياتها الطاقية والغذائية ؟
وفي قضية السلام والأمن الذي يظل رهانُنَا الجماعي المشترك، دَعُونَا نُقِرُّ بأن إِسْهَامَ المجموعة الأورومتوسطية في تسوية النزاعات لايزال دون حجمها الحضاري وتاريخها وثقافتها، ودون رهان الأمن الجماعي. فالسلام في الشرق الأوسط يبدو اليوم أبْعَدَ مما كان عليه في مطلع التسعينات. ولكن علينا أن ندرك بأنه بالقدرِ الذي لم يعدْ فيه الشرقُ الأوسط قادرًا على تحمل أي نزاع آخر أو استمرار النزاعات المزمنة التي عمَّرت في المنطقة، بقدرِ ما إِنَّ شعوبَه متعطشةٌ للسلام، وبقدرِ ما هو يَتَّسِعُ لدولتين فلسطينية وإسرائيلية، تتعايشان بسلام. لقد تَعِبَتْ شعوبُ الشرق الأوسط من الحروب وآنَ لها أن تتعايشَ في سلام، السلامُ العادل والمستدام الذي يفتح آفاق جديدة للتعاون في المنطقة وَيَكْبَحُ جماحَ التطرف والتعصب والعنف”.
وبخصوص قضية الهجرة قال من المُخْجِل للمجموعة الدولية أن تُطبِّع مع صور أمواج البحر الأبيض المتوسط وهي تبتلع سنويا آلاف الجثث، خاصة لِشَبَابٍ يُخاطرون بأرواحهم بحثا عن الرزقِ أو الأمنِ لأن أبوابَ الهجرةِ النِّظامية إلى الشمال مُغلقةٌ أمامهم. وعِوَضَ أن يكونَ المتوسطُ، بحرَ أملٍ وتواصلٍ ومبادلاتٍ، أصبح البحيرةَ المقرونةَ أكثر من غيرها من المعابر البحرية بالمآسي الإنسانية.
“إذا كانت حقوق الإنسان وشعارات الإدماج مُمْتَحَنةً، هي الأخرى في مسألة الهجرة، فإنه علينا – نحن السياسيين الديمقراطيين – أن نصحح عددًا من التمثلات عن الهجرة، خاصة الإفريقية. وهو ما كان قد دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله منذ سنوات حين أوضح أن الهجرة الافريقية تتم أساسا داخل البلدان الافريقية، إذ من 5 خمسة أفارقة مهاجرين، 4 منهم يبقون في افريقيا، وإذ إن الهجرة غير الشرعية لا تمثل سوى 20% من الحجم الاجمالي للهجرة، وإذ إن 85% من عائدات المهاجرين تُصرف داخل بلدان الاستقبال – يوضح جلالة الملك بصفته رائدا للاتحاد الافريقي في موضوع الهجرة”.
وأكد على أن أهداف الجمعية البرلمانية تكمن “في الإسهامُ وتعزيزِ الشراكة بين بلداننا وفي منطقة حوض المتوسط والعالم، وفي بناءِ فضاءٍ اقتصادي دامجٍ، يزدهر في إطار الاستقرار والسلم والديموقراطية وينعم الجميع بِثِمارِه، وتسودُ فيه قِيَمُ التسامح والتعايشِ، وأساسا الاحترام المتبادل. ولكن اسمحوا لي أن أعيدَ التذكير بأن ممارسات بعض القوى السياسية في أروبا تَسِيرُ على النَّقِيضِ من هذا الأفق. إنها تشوِّش بل وتعرقل قيام شراكات متوازنة عادلة من خلال سعيها إلى فرض الوصاية على الشركاء والتدخل في شؤونهم الداخلية، وفي مؤسساتهم الدستورية واختصاصاتها. وللأسف، فإن كل ذلك يتم على أساس تقارير كاذبة ومضللة ومعزولة ومعدَّةٍ تحت الطلب ولأهداف مُبَيَّتة. وإذْ أجددُ إدانتنا الشديدة لهذه الممارسات كما تجسدت في توصية للبرلمان الأوروبي، أؤكد أن الشراكات لا تستقيم مع إعطاء الدروس، ومع النزعات الأبوية، والاستعلاء، والوصاية، عِلْمًا بأن وضعنا المتقدم في علاقتنا مع الاتحاد الأروبي وشراكتنا الاستراتيجية معها مبنية على القيم والمبادئ قبل المنافع التي هي عديدة. ونحن نفخر بذلك ونتشبت به”.
نادية بودرة