الدولة الآمنة القوية أنجع من الدولة الأمنية المخيفة

مصطفى المنوزي

“ليس عمل الفكر هو ان ندين الشر الذي قد يسكن كل ما هو موجود، بل ان يستشعر الخطر الذي يكمن في كل ما هو مألوف، وان يجعل كل ما هو راسخ موضوع اشكال” ميشيل فوكو ،،،نسبية الأخلاق .

للمرة الألف نؤكد على أن دموع و دماء المغاربة ليست رخيصة، بمن فيهم أبناء وبنات الموظفين العموميين، المكلفين بإنفاذ القانون وإستعمال القوة العمومية وأحفادهم وأصولهم وأصهارهم و المتعاقدين معهم مصالحيا وسياسيا، ضمن شبكات علائقية، حقيقية وإفتراضية، علنية أو سرية. من هنا وجب تأهيل آليات التحكيم والحكمة والحكامة، لأن العقلانية تقتضي تقديم الدولة لضماناتها الدستورية بأن أمنها مواطن يرفع الخوف عن المواطنين، ويؤسس لثقة متبادلة في ظل نظام ينشد الديموقراطية وسيلة وبغاية تكريس الدولة الآمنة يحترم فيها الحكام ومن يدور في فلكهم من مسؤولين، روح الإختصاص و الصلاحيات الدستورية المخولة لكل سلطة أو مؤسسة؛ في تناغم و تكامل تامين مع أدوار تعبيرات المجتمع السياسية والمدنية والإجتماعية. فبغض النظر عن جدوى الصراع لضمان التطور والتقدم؛ فإن الحاجة إلى تدبيره سلميا وحضاريا صار من مقومات العيش المشترك.

فعلى سبيل التمثيل، وفي تواصل مع صديق جمعتنا وإياه ظروف الحالة النضالية الفبرايرية، أخبرني وهو يعتقد أن في ذلك ملامح بشرى سعيدة، بأن الوطن في حاجة إلى إطفائيين، قلت له تقصد و سطاء حكماء، فأكد بأنه يعني وسطيين و معتدلين. عقبت عليه مازحا بأنني أعتبر أن وصف الوسطاء بالإطفائيين يحمل في طياته وصما مادام القول يعني بمفهوم المخالفة أن دور الوساطة بمثابة إخماد لنار مشتعلة، ينتج عن ذلك تأويل بتوفر قرينة (لا ترقى إلى قوة الحجة والدليل الجازم والقاطع) على أن هناك من له مصلحة في بقاء النيران مشتعلة، من باب التأزيم، وليس بالضرورة أن يكون المعنيون في صف المعارضة، بل قد يكونون في مربع الموالاة، حيث لا يعقل إستبعاد فرضية انبثاق بوادر “حرب أهلية” باردة هنا وهناك.

و بحكم التحالف الموضوعي بين الأطراف المتطرفة هنا وبين الجهات المغالية هناك، من هنا لم تعد جدوى لإفتراض نجاح أية وساطة خارج ما هو مؤسساتي ودستوري، فالسياسة لم تعد رموزا وإشارات، والأمن لم يعد شأنا سياديا بالمطلق في ظل عولمة المصالح المالية والإقتصادية، وكذلك عولمة الإصطفاف والتعاون الأمني بعلة مواجهة التطرف والإرهاب؛ مما يؤكد مطالبنا المشروعة والملحة ويفرض تجديد الدعوة إلى إنشاء المجلس الأعلى للأمن تفاديا لتعدد مراكز صناعة القرار الأمني، و لتحديد المسؤوليات عما يجري من انتهاكات للحقوق الإنسانية، وتمكين المؤسسة التشريعية وهيئات الحكامة، إنطلاقا من المرافقة و المراقبة فالمحاسبة، فلن نضيع زمننا الإجتماعي في الخوض في تماهي المسؤوليات، لأن من شأن التمادي في تعطيل مقتضيات الفصل 54 من الدستور، إنعاش مؤشرات تغول الإنفلات الأمني وإنتعاش مؤشرات تكرار الانتهاكات الجسيمة، وبالتالي لا يعقل الاستمرار في تبادل الإتهام بين المؤسسات والأجهزة ذات الصلة بتدبير السياسات الأمنية لأغراض تصفية الحسابات السياسوية والإنتخابوية، مما قد يقوض الجدوى الإيجابية من فكرة تخويل إحدى مصالح الاستخبارات الصفة الضبطية، ويؤثر على الحقيقة الأمنية في علاقتها بالحقيقة القضائية، ويحول دون التجسيد الخالص لاستقلالية السلطة القضائية. فلنحتم بمقتضيات الفصل 54 من الدستور الذي ينص حرفيا على أنه :

“يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.
يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤون الخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس.

ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره””.

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *