ساعيد الفرواح*
تطرح تساؤلات كثيرة حول لجوء الدولة إلى متابعة النشطاء المتضامنين مع حراك الريف داخل وخارج المنطقة، خاصة في محور الدارالبيضاء-الرباط على خلفية التدوينات الفيسبوكية الداعمة للحراك ومعتقليه، في تكرار لنفس الممارسات المرتبطة بالمواقع الإجتماعية اتجاه نشطاء بالريف تم الزج بهم بالسجن بسبب تدوينات في الفيسبوك تدعوا للإحتجاج تضامنا مع معتقلي حراك الريف أو تعبر عن التضامن معهم، وكان آخرهم رشيد الشبني المناضل الأمازيغي خريج الحركة الثقافية الأمازيغية موقع وجدة الذي اعتقل بعد عودته من المسيرة الوطنية التضامنية مع معتقلي حراك الريف التي نظمت بالرباط يوم 21 أبريل 2019، قبل أن يتم الحكم عليه بعد محاكمة سريعة تمت في ظرف عشرة أيام فقط بثلاث سنوات سجنا نافدا على خلفية تدوينات بالفيسبوك تدعوا للتضامن والإحتجاج من أجل الإفراج عن معتقلي حراك الريف وإنصاف المنطقة.
يصعب إيجاد تفسير لما تقوم به الدولة المغربية إلا لدى “جوزيف ناي” منظر ما يصطلح عليه بالقوة الناعمة، الذي تحدث لأول مرة عن هذا المصطلح في كتاب له صدر سنة 1990 “مقدرة القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية”، قبل أن يطوره في كتاب أصدره سنة 2004 عنوانه “القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية”.
ومصطلح القوة الناعمة مفاده، استعمال وسائل لا عنفية، لتغيير والتأثير على الرأي العام والمجتمع، مثل الإعلام والإقتصاد، ولجأت كثير من الدول في الآونة الأخيرة عبر العالم إلى خيار القوة الناعمة كأداة للتغيير والتأثير سواء داخل حدودها أو حتى داخل دول أخرى عبر العالم بما يخدم مصالحها السياسية، الاقتصادية والثقافية.
هذا ويشكل الإعلام سلاحا قويا يتم إستعماله في إطار القوة الناعمة، ولعل أقرب النماذج التي تمت دراستها في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في هذا المجال هي قناة “الجزيرة” التابعة لقطر، هذه الدولة الصغيرة التي فرضت على جيرانها اللجوء إلى حرب “القوة الناعمة” معها، حيث أسست السعودية قناة العربية وأعلنت الإمارات عن تأسيس “مجلس القوة الناعمة”، هذا إلى جانب الحرب الإقتصادية، والأمثلة في باقي مناطق العالم كثيرة لدى الدول الكبرى والصغرى وضمنها المغرب.
إنها حرب القوة الناعمة إذا بين حراك الريف والدولة، هذه الأخيرة التي رغم إمكانياتها الإعلامية الهائلة وتحكمها في جزء كبير من وسائل الإعلام المقروءة والبصرية…، وجدت أن خطابها حول حراك الريف وتبريراتها لسياساتها اتجاهه المتمثلة في الإعتقالات ومنع التظاهر وانتهاك مختلف الحقوق الأساسية للمواطنين المنصوص عليها دستوريا وفي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والشعوب، ذلك الخطاب لم يكن له التأثير المتوقع لأسباب عدة أهمها الدور الكبير لمواقع التواصل الإجتماعي خاصة الفيسبوك، لهذا كان لابد للدولة عبر الأجهزة الأمنية وضع حد لهذه القوة الناعمة المضادة، وذلك عبر متابعة النشطاء والمدونين المنتمون إلى الريف والزج بكثير منهم في السجن بأحكام قضائية قاسية، بل وفي سابقة من نوعها تم توسيع المتابعات منذ شهر أبريل 2019 إلى خارج الريف، وذلك عبر استدعاء نشطاء من مختلف المكونات للتحقيق، وصل عددهم إلى حوالي عشرة أشخاص في محور الرباط-الدارالبيضاء، ينتمون لمختلف مناطق المغرب، ولا زالت الإستدعاءات متواصلة.
إنه انتقال من الإستعمال المفرط للقوة في الشارع ضد حراك الريف إلى إستعمال نفس الوسيلة أي اللجوء إلى الأجهزة الأمنية ضد المدونين في المواقع الاجتماعية المتعاطفين مع حراك الريف، وهذا لا يعني سوى أن الدولة فشلت في نهج استراتيجية “القوة الناعمة” ضد حراك الريف، وأن هذا الأخير نجح في الإنتصار على هذا المستوى، لأن لجوء الدولة إلى استعمال الأمن ضد نشطاء يستعملون المواقع الاجتماعية للنضال لم يكن ليتم لولا بسبب فقدان حربها الإعلامية لأي جدوى.
هذا ومن الجدير بالملاحظة، توسيع الدولة لنطاق المتابعات لتشمل نشطاء خارج الريف يتضامنون مع الحراك، وهذه خطوة غير حكيمة وفي غاية الخطورة لن تؤدي إلا لتصعيد التوتر وتكريس الأزمة وتوسيع نطاق الصدام بين الدولة والشعب.
إن ما يحدث من أخطاء غير مسبوق والتراجع دائما أقل تكلفة من الإستمرار في طريق الخطأ، وحان الوقت لتقليل الخسائر، وإن لا زال داخل دواليب الدولة من حكماء فقد حان الوقت ليدركوا أن طي الملف وحل الأزمة لا يمكن أن يتم إلا بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف مع تحقيق تنمية حقيقية بالمنطقة ووقف المتابعات في حق كل النشطاء المتعاطفين مع الحراك، خاصة وأن المغرب يتواجد في رقعة جغرافية مليئة بالتوتر ولا تحتاج لإضافة دولة أخرى إلى دائرة التهديد.
إن الشعب لا مصلحة لديه في انهيار الدولة ولا مصلحة لهذه الأخيرة في إرهاب الشعب وإشاعة ثقافة الخوف من الدولة في صفوفه، فتلك مقاربة لدينا على الأقل خمس دول في شمال إفريقيا أتبثت أنها فاشلة ناهيك عن دول الشرق الأوسط.