من بين الإذاعيين والفنانين الذين بصموا تاريخ الدراما الإذاعية الراحل محمد حسن الجندي، إليكم ملخصا للورقة التي خصصها كتاب “للإذاعة المغربية أعلام”. فالراحل مؤلف إذاعي مسرحي وتلفزي، ومخرج وممثل في السينما والتلفزيون والمسرح..
ينحدر محمد حسن الجندي من مراكش، التحق بالمدرسة الحسنية عام 1946، وتعرف على المسرح للمرة الاولى في هذه المدرسة، لم يكمل دراسته واجتاز المرحلة الابتدائية فقط ، وتعثر في المرحلة الثانوية.
وعندما سافر الى مدينة الرباط عام 1957، لم يكن ذلك بالامر الهين لانه لم يكن لديه اقارب او معارف في الرباط لاستضافته، فعانى كثيرا من اجل الحصول على مسكن،التحق بالاذاعة وكان ينتظر شهورا للحصول على الدريهمات التي كان يتقاضاها كراتب بعد انضمامه لفرقة التمثيل بالاذاعة. ثم فكر في تأسيس فرقة مسرحية بمدينة مراكش فكان مضطرا للتغيب عن العمل وعندما عاد من جديد وجد انهم استغنوا عنه في الاذاعة، فأسس فرقة ”الشبيبة العاملة” في الرباط، بيد أنه تعرض لمتاعب كثيرة، فعاد من جديد للإذاعة. والغريب في الأمرأنه عندما طرد للمرة الاولى من الاذاعة كان ابن عمته عبد الله ابراهيم قد عين وزيرا للاعلام ولم يلجأ اليه قط.
بعد عودته الى الاذاعة حصل انقسام بين اعضاء فرقة التمثيل الاذاعي بسبب اختلاف الانتماءات السياسية، وكان النقاش محتدما بينهم ، بين تيار محافظ وتيار ينادي بالتطور. وكان من الطبيعي ان يكون في صف عبد الله إبراهيم، ونتيجة لهذا الخلاف، ومن اجل ابعاده عن الجدل السياسي الذي كان محتدما داخل الفرقة، تم نقله الى القسم الامازيغي، باعتباره امازيغيا ، واشتغل مدة قصيرة في القسم الامازيغي وثبت انهم غير مهيئين لذلك، فكان مستوى البرامج ضعيفا جدا، الى ان انصفه المدير العام الدكتورالمهدي المنجرة، واعاده الى صف فرقة التمثيل ، بعد ان لاحظ غيابه عن المجموعة. ومرة اخرى لم يعرف عبد الله ابراهيم بكل هذه الاشياء التي حصلت معه، ولم يلجأ اليه بالرغم من انه اصبح فيما بعد رئيسا للحكومة، وحتى وان كان قد التجأ اليه فلن يرضى باستغلال منصبه ويتدخل كواسطة لحل مثل هذه الامور. لقد تربى على نفس المبادئ، ولو كان شخصا آخر، لاصبح مديرا عاما للاذاعة او في اي منصب آخر.
وبعد انطلاق البث التلفزيوني في المغرب عام 1962، والذي تم حسب الجندي بطريقة ارتجالية تصل الى حد الهزل، اذ كان الاعتماد على الموهبة فقط ، فكان البث يتم من غرفة في الطابق العلوي لمسرح محمد الخامس، مع الاستفادة من استوديو ”عين الشق”في الدار البيضاء الذي كان قد انشأ في عهد الحماية عام 1948، كمرحلة تجريبية، للبث التلفزيوني في المغرب، فالوسائل التقنية للتسجيل غير متوفرة . ومن جهة اخرى، كانت تدخلات مباشرة وطائشة لمسؤولين كبار تتم عبر الهاتف ، لحذف برنامج معين او طلب استبدال مطرب بآخر تصل الى حد الكوميديا.
كلما ذكر اسم محمد حسن الجندي ، إلا وتذكر الاعمال الإذاعية التي ستبقى خالدة ، وهنا يمكن ذكر:”سرالانتحار” ” ”العنترية””الازلية””شقيق الهموم”وعشرات الاعمال الاخرى، ولذلك يقول ” أسهمت في إثارة انتباه العموم إلى أهمية ما كان يقدم في ساحة جامع الفنا ، حاولت أن أنقل التراث الشفوي وأن ألفت الانتباه إلى أهميته ، كان المنتقدون يرون في هذه الأعمال نوعا من التخدير، والحمد لله أنه كان هناك من ينصفني ، أمثال الزعيم السياسي المرحوم علال الفاسي ، الذي كان يدافع عني وعن أعمالي، ويقول: هذا تراث يجب أن نعتز به ، وكذلك كان الشأن مع الملك الراحل الحسن الثاني ، الذي كان أول المهنئين والمشجعين . وأذكر أنه عندما سمع (العنترية)، التي أذيعت في شهر رمضان، أوقف المهنئين، في صباح العيد، ليخاطب وزير الإعلام آنذاك أحمد السنوسي، في صيغة التعجب، بقوله (ماذا جرى لكم حتى فتحتم الأبواب أمام المواهب ؟). ولم يكن الوزير يعرف عمّ يتكلم الراحل الحسن الثاني، ولذلك سأل مدير الإذاعة، بوبكر بنونة، في الموضوع، الذي أجابه، بقوله ،إنه يتكلم عن الجندي.
بعد شهرة الإذاعة وتحول صوته إلى قيمة فنية وطنية ، سيدعى الجندي للاشتغال في السينما ، ومن بين كل الأفلام والأعمال التي شارك فيها، يحتفظ الجندي لفيلم ”الرسالة”بمكانة خاصة ، وبعد التألق في دور ”أبي الحكم”، في النسخة العربية من ”الرسالة”، ودور ”كسرى”في النسخة الإنجليزية ، سيكسب الجندي شهرة عربية ستجعله يشارك في أعمال عربية مهمة ، من قبيل فيلم ”الصخر عندما ينطق”، مع المخرج أنطوان ريمي، و”القادسية”، مع المخرج صلاح أبي سيف ، فضلا عن أعمال فنية أخرى، من قبيل ”الخنساء”، حيث جسد دور ”صخر”، إلى جانب منى واصف، و”شجرة الدر”، حيث جسد دور ”الملك الصالح”، أمام نضال الأشقر. أما في المغرب، فتابعه الجمهور في فيلم ”بامو”لإدريس المريني، و”ظل الفرعون”و”طبول الحرب”لسهيل بن بركة.