تندرج المحاضرة التي أطرتها يوم الجمعة 04 دجنبر ضمن سلسلة محاضرات “إيمازيغن والسياسة”، لذا قررت تخصيص موضوعها لنقاش بعض المصطلحات والمفاهيم كـ” الأمازيغية.. الانتهازية، الاستغلال والمخزن”.
وتتزامن هذه المحاضرة مع افتتاح فترة التسجيل في اللوائح الانتخابية في إطار المراجعة الدورية للوائح الانتخابية مند بداية شهر دجنبر الجاري، حتى أؤكد على أهمية التسجيل في اللوائح الانتخابية باعتبار أن التسجيل في اللوائح الانتخابية يحقق إمكانية التصويت والتعبير السياسي وتحقيق التغيير على خلاف الذي يقاطع التسجيل والتصويت ويسمح بذلك باستمرار نفس الممارسات السابقة ومنها اقصاء الامازيغية وتهميشها، كما هو الشأن للتهميش الذي لحق الامازيغية في عهد حكومتي العدالة والتنمية الحالية والسابقة، حيث لم يحققوا شيئا للأمازيغية سواء في عملية النهوض باللغة والثقافة والتدريس بالامازيغية أو المجالات الأخرى، كما انه وفي الآونة الأخيرة طفى على السطح نقاش وجدال كبير حول عملية انخراط بعض الامازيغ في بعض الاحزاب السياسة، وصل حد قيام بعض الأشخاص بإلقاء تهم الانتهازية واستغلال الأمازيغة والمخزنة وباقي مقاطع الاسطوانة المشروخة المعهودة، في حق بعض الإخوان الذين اختاروا الانتماء لأحزاب وتعبيرات سياسة، وهو أمر طبيعي لاعتبار أن أي تغيير سياسي في أي بلد لن يكون إلا بالأحزاب السياسية وعبرها.
رابط الندوة:
وهنا، سأبدأ بتحليل بعض المصطلحات والمفردات التي يستعملها البعض أثناء هذه الهجومات، لكن قبل الدخول في هذا النقاش لابد من أن نثير سؤالا جوهريا ننساه عادة نحن الأمازيغ، وهو سؤال ماذا نريد؟ والجواب واضح وصريح، نريد الحرية والمساواة، فإذا كان الدستور المغربي يقر بأن اللغتان الرسميتان للمغرب هما العربية والامازيغية، فنحن نسعى ونطالب بأن تتمتع الامازيغية بكل ما تتمتع به العربية في هذا البلد، كما طالبت به تقارير الأمم المتحدة في أكتوبر 2015 بمساواة العربية بالامازيغية، كما نطالب بالمساواة في الحقوق والحريات بما فيها المساواة بين الرجل والمرأة ونبذ العنف ضدها، والمساواة ارث امازيغي عريق، كذالك المساواة بين الجهات وهذا موضوع كبير يحتاج لمحاضرة خاصة، لكن كإشارة بسيطة لمدى أهمية الموضوع، تبين هذه الخريطة اللغوية (linguistique) التي أعدها الأستاذ احمد بوكوس ويقسمها إلى قسمين قسم ناطق بالامازيغية وقسم أمازيغي ناطق بالدارجة، هذا الاخير المعروف في فترة الاستعمار بالمغرب النافع أو كما سماه الدكتور محمد الشطاتو بالمثلث الذهبي، الذي يمتد من طنجة الى فاس إلى أسفي، ويستحوذ على أكثر من 60 في المائة من الناتج الداخلي للمغرب.، ونعلم أن من ينتج الثروة في المغرب اغلبهم أمازيع سواء من خلال تحويلات العمال المهاجرين بأوربا، أو عبر رجال الأعمال السوسيين بالدار البيضاء وغيرهم أو عبر الفلاحة المنتشرة كثيرا في المناطق الامازيغية،
وبالعودة إلى موضوع المحاضرة، سأبدأ بـما يصفه البعض (استغلال الامازيغية)، بداية نحن نغفل أو نتناسى معلومة تاريخية مهمة، وهي أن الحضارة الامازيغية انبثقت من “إمكرازن” أو الفلاحين، الذين بنوا الحضارة الفرعونية في مجال الفلاحة، كما أن فلاحة ايمازيغن في شمال إفريقيا كانت الممول الرئيسي للرومان ولجيوشهم، ويتضح من ذلك ان الحضارة الامازيغية مرتبطة بشكل وثيق بالأرض والفلاحة، بمعنى أخر انه إذا لم تزرع الأرض ستفسد ولن تصلح لأي شيء والأمر كذلك ينطبق على اللغة الامازيغية، فيجب استغلالها بالمعنى الايجابي المنتج والمتطور، ضدا على ثقافة النوستالجيا أي السكون والركون للماضي، حتى لا تدخل الامازيغية للحضارة وتبقى محصورة في حدودها التداولية الحالية أو بين الجبال التي يقطنها أغلب الامازيغ المحافظين على لسانهم الأمازيغي، نحن نريد استغلالا ايجابيا للامازيغية، استغلالا يفتح لها أفاق أكبر للنمو والتطور، استغلالا يكسبها المساواة مع العربية، وليس كما يروج له البعض أو كما يفعل بها البعض الآخر من استغلال مقيث لها (في الهجرة السرية مثلا وغيرها….)، لذا، أنا ادعو الى استغلال ايجابي للأمازيغة من أجل الأمازيغية نفسها والأمازيغ.
نفس الشيء بالنسبة لقضية “الانتهازية” ذالك ان هذا المصطلح بدانا نسمعه و طفى كثيرا على السطح إثر إنشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، وعين فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس عددا من رواد ونخبة الحركة الامازيغية في مجلسه الاداري وثم نعت ووصف هاته النخبة من المناضلين والباحثين بالانتهازيين، في حين ان سبب وحقيقة اختيارهم و ولوجهم للمعهد كـأعضاء المجلس الاداري هو نتيجة نضالهم الميداني و الاكاديمي العلمي في سبيل الامازيغية، في حين ان الانتهازية في حقيقة الامر تظهر بالملموس في صفوف بعض من خريجي الحركة الثقافية الامازيغية الذين يتخلون عن الدفاع عنها بمجرد التخرج من الجامعة أو الترقي في السلم الاجتماعي أو الهجرة خارج الوطن، رغم تكوينهم الفكري والسياسي الذي اكتسبوه من داخل الحركة الثقافية الامازيغية و الجامعة ، والنماذج في هذا الصدد كثيرة جدا، و من يخالفني في هذا الرأي ليقل لي أين هي الآلاف المِؤلفة من خريجي الجامعات من المنتمين للحركة الثقافية الامازيغية؟. أتفهم موقف MCA في رفضها الانتماء السياسي لمنتسبيها داخل الجامعة وأحييهم على موقفهم من استقلاليتها عن الأحزاب السياسية، لضمان استمراريتها ونضالها في استقلالية تامة، لكن بعد التخرج من الجامعة فهذا الموقف أعتبره غير سليم، لأن الانتساب والانتماء للأحزاب السياسية حق من حقوق الإنسان الكونية، و حتى إن لم يجد المناضلين أحزابا تعبر عن تطلعات الشباب بإمكانهم العمل على خلق أحزاب جديدة مناسبة لتوجهاتهم وأفكارهم، لكن ان نعتبر الانخراط في الأحزاب السياسة والتواجد في مؤسسات الدولة انتهازية فهذا ما لا يستقيم. كما يتناسى أصحاب هذا الموقف أن عدد موظفي الدولة يتجاوز 560 ألف وكلهم تم توظيفهم على أساس اتقانهم للغة العربية، فأين المحسوبين على الأمازيغية من هؤلاء، السؤال هو من هم الانتهازيين هل الذين التحقوا بالأحزاب والدولة ويرفعون راية الدفاع عن الامازيغية أو العدد الكبير من الموظفين الذين لا يقومون بأي شيء لأجل الأمازيغية في الإدارات العمومية؟ ففي ميدان التعليم يبلغ عدد الأستاذة حوالي 130 ألف في الابتدائي يضاف إليهم حوالي 110 ألف أستاذ في السلك الثانوي، أي ما مجموعه 240 ألف مدرس وأستاذ، و أساتذة اللغة الامازيغية لا يتجاوز الا 5 آلاف مدرس وأستاذ، بمعنى ان الأغلبية الساحقة من رجال و نساء التعليم ينشرون العربية و يمارسون التعريب، ، بمعنى ان من أصل 10 ملايين تلميذ وطالب يتلقى 500 ألف تلميذ فقط تعليم ودراسة اللغة الامازيغية، كل هذا حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التعليم، نفس الشيء بالنسبة للوكالة الوطنية لمحو الأمية التي استفادت من دعم أوربي يقدر ب 112 مليون يورو (112 مليار سنتيم) والتي يشرف عليها أعضاء منتمين لحزب العدالة والتنمية، فقد قاموا بخلق اكتر من 2400 جمعية مكلفة بمحو الأمية باللغة العربية بشراكة وبدعم من الوكالة، لكن لا وجود لأي جمعية تشتغل على محو الأمية بالأمازيغية، بل الأكثر من ذلك فان هذه الجمعيات أصبحت وسيلة لنشر الإيديولوجية الاسلاماوية للحزب، في نفس السياق نجد كذالك برنامج وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي تقدم من خلاله دروس محو الامية بسبعة ألاف مسجد لحوالي 300 ألف مستفيد وتغيب فيه كليا اللغة الأمازيغية، نفس الشيء بالنسبة لمؤسسة الحسن الثاني التي تعنى بتدريس أبناء الجالية المغربية بالخارج، حيت تعتمد مدرسين في اللغة العربية فقط دون الامازيغية، حتى تمويل الجمعيات من طرف الوزارة المكلفة بالمجتمع المدني، فمن أصل التمويل الذي تلقته 7000 جمعية لا تتواجد الا القلة القليلة من الجمعيات الامازيغية، الأمرذاته ينطبق كذلك على الجمعيات التي تهتم بالأسرة والطفل والتي تنشر وتعمل فقط بالعربية دون الامازيغية في تمييز صارخ بين النساء و الاسر و الأطفال الذين لا يتقنون العربية.
أما في قطاع الصحافة فيبلغ حجم الدعم الذي تتلقاه الصحف 7 ملايير سنيتم وجريدة وحيدة أمازيغية هي من تتلقى دعم محدد في 30 مليون سنيتم سنويا أي ما نسبته 0.004 في المائة، و علما ان المساواة تقتضي استفادة الصحافة الامازيغية من نصف الدعم، حتى إذا لم توجد هذه الصحافة الامازيغية فيجب خلقها ودعم إنشائها، حتى يتم النهوض بالإعلام الامازيغي، حتى القناة الامازيغية لم تسلم من نقد لاذع من طرف البعض، رغم أهميتها في مسار المساواة اللغوية والثقافية، فبين عدد مهم من القنوات الإعلامية العمومية والشبه العمومية والخاصة، لدينا قناة امازيغية واحدة من اصل 10 قنوات، إذن أين هي المساواة من كل ما تقدم، كل هذا يكشف حجم استغلال اللغة العربية و الناطقين بها للموارد المالية و البشرية في الحياة اليومية أو في المعيش اليومي، و بهذا تكون العربية مصدر عيش لمن يستغلها ويعمل عليها وبها. لذالك فمن حقنا كذالك نحن الامازيغ أن تكون الامازيغية بالنسبة لنا مصدر رزق ” ءاد سارس نتش ءاغروم”، ونشتغل بها في الإدارات و كل المؤسسات العمومية و الخاصة.
ثمة أمور وقضايا أخرى تثار من قبيل أن الأمازيغ ملحدين أو صهاينة أو عنصريين، لكن هذه النعوت والتوصيفات والتي عادة ما يلقي بها علينا مستوردو إيديولوجية الشرق الأوسط، ليست بالخطيرة مقارنة بالاتهامات التي يتبادلها أو يطلقها بعض إيمازيغن على بعضهم البعض، ومن هذه التوصيفات كلمة “مخزن”، لكن من هو المخزن؟
حسب الدكتور محمد الطاهري في ندوة ألقاها بمدينة الناضور سنة 2019، عرف كلمة المخزن بانها بنوك تقليدية يتم فيها جمع الشعير والقمح وتخزينها في عهد المرينيين ، لتتطور هذه الكلمة لتصل الى عملية جمع الضرائب من القبائل والسكان جبرا عبر التخويف والترهيب وخزنها. وتطورت الكلمة الى ان أصبحت مصدر خوف وترهيب، فأصبح التخويف بالمخزنة يطال كل المناضلين الامازيغ، والحقيقة أن هذا التخويف والترهيب مرفوض بل واه، لان وجود لمخزن بهذا المفهوم ولا وجدو لتماسيح ولا لعفاريت، “أتذكر أنه في سنة 2009 نظمنا تظاهرة تضامنية مع الطلبة الامازيغ المعتقلين أنداك وجوبهت تظاهرتنا بعنف كبير من طرف رجال الامن بالعاصمة الرباط، وتم إخراج امغار داحماد الدغرني من مقهى بدون وجه حق كما تم كذالك بنفس المناسبة الاعتداء على السيدة أمينة ابن الشيخ من طرف رجل أمن، انطلق التنديد بالواقعة واعتبارنا ان المخزن جهاز هلامي هو من فعل ذلك لكننا لم نكتفي بذلك، بل تتبعنا القضية حتى توصلنا إلى الاسم الكامل لرجل الأمن الذي قام بالاعتداء على المناضلة امينة ابن الشيخ، وقامت آنذاك بوضع شكاية ضده، ما دفعه الى تقديم اعتذار لها، واثناء عملية الصلح بمقر ادارته طالبت منه و من زملائه عبر وثيقة ترافعية أن لا يكون رجل الشرطة و الامن عموما فوق القانون وأن تؤطر تدخلاتهم بالقانون و احترام حقوق الانسان.
في نفس الاطار، عندما قال بنكيران ذات يوم في حديثه على ان اخراج القوانين التنظيمية بيد جهات عليا وان الأمر تجاوزه، ردت عليه آنذاك الأستاذة ابن الشيخ ب”اننا نعرف الدولة بمؤسساتها، واذا كان المقصود بالجهات العليا هو الملك كرئيس للدولة فنحن سنتجه إليه”، وفعلا توجهت برسالة الى الديوان الملكي من اجل تعيين لجنة ملكية تكون مهمتها هي إعداد القوانين التنظيمية للامازيغية على غرار اللجنة المكلفة بالدستور فاستجاب جلالته لرسالتها، ما اريد ان اصا اليه هو اننا حين نثير كلمة المخزن فنكون بذلك نتهرب من المواجهة و نهرب من المسؤولية. و نرمي بمشاكلنا على شيء هلامي لا وجود له الا في مخيلتنا.
ان ما نعيشه اليوم هو موت بطيء للامازيغية كلغة بسبب عدم تدريسها وتعميمها في جميع المستويات التعليمية، لكن البعض سيجيب مجددا بأن المخزن هو من لا يريد تدريسها ويرفض تعميمها لنلقي بالمسؤولية مرة اخرى على جهة مجردة غير موجودة، في حين ان حقيقة من يعرقل تدريس الامازيغية ويقف ضد تعميمها، ليس لا المخزن ولا الحكومة، بل هو شخص المسؤول عن حقيبة التربية الوطنية والتعليم العالي و في وقتنا الراهن هو “سعيد امزازي” وأتحمل مسؤوليتي في ما اقوله.
كانت هناك قرارات حكومية بتدريس الامازيغية من الابتدائي إلى الجامعي لكن لم ينفذ ذلك، وانا اتهمه شخصيا بالتنصل من هذه القرارات، واعدام الامازيغية لان عدم ادراج الامازيغية كلغة أم في التعليم الأولي هو إعدام لها، بالرغم من توجيهات اليونيسكو التي تحث الدول على اعتماد اللغات الأم في التعليم الأولي، بالتالي فان أي رفض لهذه التوجيهات يؤدي إلى إفشال المنظومة التعليمية، و بالنسبة لي فالمسؤول عن عرقلة تدريس الامازيغية وتعميمها هو الوزير امزازي وليس جهة أخرى (مخزن او شيء اخر) كما كان يعرقلها سابقا احمد اخشيشن المنتمي للبام ورشيد بلمختار…لكن بالمقابل نحيي السيد الحبيب المالكي الوزير الاتحادي والسيد محمد الوفاء الوزير الاستقلالي على المجهودات التي بذلوها من اجل ادراج الامازيغية في التعليم.
في دراسة انجزها المعهد المغربي لتحليل السياسات كشفت ان 70 في المائة من المغاربة لا يثقون في الاحزاب و الحكومة ، ويتجلى فقدان الثقة هذا بشكل جلي اثناء العملية الانتخابية، حيت يدلي حوالي 5 ملايين فقط بأصواتهم بينما يقاطع العملية الانتخابية اكتر من 20 مليون شخص، في حقيقة الأمر ان مستقبل الامازيغية والتنمية البشرية والمساواة يكمن في التوجه للتصويت، فاذا كنا طالبنا سابقا في محطات سابقة بمقاطعة الانتخابات فنظرا لأن الشروط والظروف لم تكن تسمح، حيت كانت الامازيغية مقصية وغير معترف بها، وامكانيات التغيير معدومة، و لكن الان نستطيع التغيير من داخل المؤسسات و هذا لن يتأتى الا عبر الانتخابات وبالإمكان فعل ذلك، صوتوا ومارسوا حقكم، واختاروا من سيمثلكم بشكل حضاري في الحكومة و في المؤسسات التشريعية و في مؤسسات تدبير مجال الحياة العامة، اختاروا رئيس حكومة يؤمن بالامازيغية وحقوق الإنسان والبيئة ليحقق التنمية فعلا، التغيير يكون بالتصويت والخطوة الأولى هي التسجيل في اللوائح الانتخابية، وتغيير الحكومات التي لم تحقق للامازيغية شيئا.
ايمازيغن تيمازيغين ،حان وقت التغيير السلمي عبر الانتخابات، وتذكروا ان هذه الحكومة جاءت بسبب مقاطعتنا للانتخابات وسياسة الكرسي الفارغ، و الان حان الوقت لنشارك في الانتخابات لنصوت على من سيمثلنا و نحقق معه التغيير الذي نريده.
رشيد الراخا
رئيس التجمع العالمي الأمازيغي
يشار إلى أن التسجيل في اللوائح الانتخابية مفتوح إلى غاية 31 دجنبر 2020. عبر الرابط التالي:
https://www.listeselectorales.ma/formulaire_inscription.aspx