توحدوا وشكلوا جبهة سياسية عسكرية واحدة كبديل ثالث للخروج من الحرب الأهلية بين الأشقاء
عندما أعلن الدكتاتور الراحل العقيد معمر القذافي في سنة 2007 الإبادة الجماعية للسكان الأمازيغ في ليبيا، لم يجرؤ أحد على رفع إصبعه ولم يتظاهر ضده أي بلد أوروبي، باستثناء بضع عشرات من النشطاء الأمازيغ المغاربة أمام قنصلية ليبيا في مدينة الرباط في المغرب وعشرات من الناشطين الأمازيغ في باريس، بدعوة من جمعية تمازغا خلال زيارة القذافي لفرنسا، بدعوة من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في ديسمبر من نفس سنة.
عندما تناولت الكلمة بصفتي رئيسًا للمؤتمر العالمي الأمازيغي، في اجتماع المنظمات غير الحكومية للمؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية ) ديربان الثاني(، المنعقد في جنيف في الفترة ما بين 20 إلى 24 أبريل 2009، برئاسة غريبة من دبلوماسية ليبية، فوجئت بان طلب مني عدم ذكر أسماء رؤساء الدول وبالأخص المجرم معمر القذافي!
لكن ما حدث بعد ذلك هو أنه مع اندلاع الثورة الشعبية في 17 فبراير 2011 من قبل المعارضين الليبيين، لم يتردد القذافي في تنفيذ خطته لإبادة الأمازيغ، وذالك بالقصف العشوائي للسكان المدنيين في قلعة! ما دفع بالثوار الأمازيغ الليبيين بجبل نفوسة الى الذهاب الى تونس لإيواء أسرهم على أراضيها وعودتهم إلى ساحات القتال. يجب ان لا ننسى ان بفضل هؤلاء استطاع برنار-هنري ليفي اقناع الرئيس نيكولا ساركوزي بتسليحهم، فنزلوا من قراهم الجبلية إلى العاصمة طرابلس من أجل تحرير القصر الرئاسي من العقيد و اتباعه، و لكن للأسف لم يكن هم ساركوزي هو نجاح ثورة 17 فبراير و لا رفاهية المواطنين الليبيين و لا الانتقال الديمقراطي للبلاد بل كان مصدر قلقه الوحيد هو العثور على الوثائق التي تعتبر دليلا على تمويل حملته الرئاسية من طرف القذافي، كما كشفت عن ذالك Elise Lucet الصحافية المختصة في التحقيقات.
شخصيا، اعتقد ان أكبر خطأ ارتكبه الثوار الشجعان الأمازيغ من جبل نفوسة، هو أنه بمجرد ما أن آسر المتمردون العقيد القذافي واغتالوه، وانتصروا في هذه الحرب الاهلية الاولى، عادوا إلى ديارهم، تاركين القصر الرئاسي بباب العزيزية، في حين كان من الضروري ترك وفد دائم من ممثلي الثوار الأمازيغ في العاصمة طرابلس الى ان تصدر ليبيا دستورا جديدا يؤسس لدولة مدنية تعترف بحقوقهم وخاصة حقهم في ترسيم لغتهم وثقافتهم الأمازيغية التي تعود لآلاف السنين! لأنه عندما يتعلق الأمر بالسلطة، فإن المشكلة الأساسية والأبدية هي أن المركز لا يفكر في الهامش، عكس ذالك فعندما يستولي أهل الهامش على المركز فانهم لا ينسوا ابدا الهامش الدي أتوا منه! للأسف ما حدث مع الأمازيغ في ليبيا حدث بالفعل مع الأمازيغ في المغرب. فهم حملوا السلاح في جبال الريف والأطلس المتوسط لانتزاع استقلال المغرب، وبمجرد ما تم الاستقلال، عادوا إلى قراهم ودواويرهم الاصلية وذالك في عام 1956. وفي 1958-1959 أرسل أهل المركز (سياسيون حضريون من حزب الاستقلال) الجيش والنابالم لقمع المقاومين بالنار والحديد!
من الواضح الان، أن الأمازيغ الليبيين (من جبل نفوسة وزوارة من سواحل البحر الأبيض المتوسط والطوارق في الصحراء) يقعون في مرمى بين نيران حكومتين غير مسؤولتين، فقدتا كل الشرعية والمصداقية السياسية، لأنهما فشلتا بشكل قاطع في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، في سلم وأمان، التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2018.
صحيح أن هاتين الحكومتين العدوتين وغير الشرعيتين أخفقتا في القيام بواجبهما الأسمى في الانتصار بثورة 17 فبراير، وذلك بضمان الانتقال السياسي في أفضل الظروف والانتقال من دولة ديكتاتورية إلى دولة ديمقراطية مدنية ولامركزية. الا انهم، خانوا الثورة وأرواح الآلاف من الشهداء الذين قتلوا في ساحات المعارك. ان هاتين الحكومتين هما المسؤولتين الرئيستين عن دخول ليبيا في حرب أهلية ثانية لا نهاية لها، يتقاتل فيها سكان برقة وسكان طرابلس دون رحمة.
في نهاية المطاف فان فايز سراج وخليفة حفتر هما الجناة الرئيسيين والمسؤولين عن الوضع السياسي الكارثي الذي وصلت اليه ليبيا، لانهما من دعيا الدول الأجنبية للتدخل وشن الحرب فيما بينهما وعلى إخوانهم، وكل هذا لا يصب الا في مصلحة هذه الدول ذاتها وهي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى.
في ندائي بتينمل بتاريخ 22 يونيو 2019 (1) وفي بياني الصحفي بتاريخ 4 يناير من هذا العام 2020 (2) ، دعوتهم إلى الابتعاد عن دول المافيات في الخليج، والتي للأسف، لا تريد الخير أبدًا لشمال إفريقيا، لأنهم يعتبرونهم “عربًا” من الدرجة الثانية ويريدون فقط الحصول على الثروات الطبيعية لهذه البلدان. ولتحقيق ذلك المبتغى، فإنهم يشجعون ويسلحون كل من أنصار سراج وحفتر من أجل اشعال حرب أهلية، دون أدنى اعتبار لأوامر الأمين العام للأمم المتحدة شخصيًا، ولا للتوصيات العاجلة لمنظمة الصحة العالمية باحترام على الأقل اتفاقيات السلام بمناسبة هذا الوباء الخطير والمميت Covid-19.
ان رؤساء الدول والسياسيين الذين لا يحترمون صحة شعوبهم والذين لا يتخذون تدابير امنة لضمان حماية مواطنيهم من عدوى هذا الفيروس، لا يستحقون ان يكونوا على رأس الدولة الليبية! كما انه ليس من المنطقي أن تحدث ثورة ضد دكتاتورية، لتؤسس لدكتاتورية جديدة. أنا مقتنع بأن المواطنين الليبيين لم يعودوا يريدون دكتاتورية اخرى لا عربية بعثية تابعة لحفتر، ولا سلفية اخوانية تابعة لسراج!
وهنا بالضبط يجب على الأمازيغ الليبيين ان يلعبوا دورا أساسيا من أجل فرض الحل الثالث: حل يتسم بالعقلية والديمقراطية، هذا الحل الذي اقترحه مستوحى من المثال الكردي في الحرب الأهلية السورية.
لا يجب ان يكون الأمازيغ الليبيون من السذاجة بمكان بأن ينجروا كمرتزقة الى حروب لصالح معسكر السراج (وداعش الممول من قبل تركيا وقطر) فقط لان وزيره كتب رسالة فصيرة بتيفيتاغ!
لقد مرت أربع سنوات بالضبط على إرسالي رسالة، بكل ادب ولطف، إلى السيد فايز السراج، في شهر أبريل سنة 2016، حيث نددت فيها بإنكار حقوق الأمازيغ، الطوارق والتوبو، واستبعاد المجلس الأعلى للأمازيغ الليبيين من الهيئة التي تعد دستور ما بعد الثورة. الرسالة نفسها التي طالبت من خلالها بتبني النظام الفدرالي كحل مثالي لمشاكل الشعب الليبي.
نعم، إن اعتماد نظام حكم الفدرالي يشكل الحل الأمثل لمشاكل الشعب الليبي والمفتاح المثالي لمكوناته، من أجل تحقيق تطلعاتهم وآمالهم، في إطار الوحدة الوطنية الليبية، كما وضحت ذالك بمناسبة مؤتمر مانشستر الذي نظمه المهاجرون الليبيون في إنجلترا في 25 يوليو 2015: http://www.amadalamazigh.press.ma/2015-07-27-10-21-31/
منذ عام 2016، لم يرد السيد سراج على أي من المطالب الأمازيغية المشروعة. بل الأسوأ من ذلك، فانه لم يفعل الشيء الكثير لبناء دولة بمؤسسات، إدارات وجيش موحد، وبالرغم من الاعتراف به من قبل الأمم المتحدة. سمح لنفسه بالتلاعب به من قبل المليشيات القبلية التي كانت تستولي على المزيد والمزيد من السلطة على حساب الدولة المركزية، وبمجرد إضعافه وتهديده من قبل جيش الجنرال حفتر على مشارف طرابلس، ناشد تدخل الرئيس التركي، الشرير، الذي فتح الباب للمرتزقة الإرهابيين السوريين الذين نجح الشعب الكردي في طردهم من شمال سوريا. من خلال هذا القرار غير المسؤول والقاتل، سيصبح السراج متواطئًا مع المرتزقة الدواعش الذين يصرون على إقامة دولة ثيوقراطية مثل العصور الوسطى، بعد أن كان لقوات حفتر، على الأقل، الفضل في طردهم من مدينة دارنا!! !
للأسف، بعض القبائل الأمازيغية تساعد سراج في مشروعه الخطير وهو إرساء مجتمع ظلامي في أرض تامزغا. وهنا أعني بالتحديد بعض قبائل زوارا التي تسيطر على الحدود البرية والبحرية لشرق ليبيا مع تونس، وتحاول ان تؤثر، في هذا المشروع، على باقي الأمازيغ في أدرار نفوسة (والطوارق)، وهي مغامرة غير محسوبة المخاطر وفيها خطر كبير! لكن في الواقع ووفقًا لتحقيقات الأمم المتحدة، ليست قبائل زوارا وإنما هي ميليشيات تابعة لمافيا معينة، من تتحكم في تهريب المهاجرين والنفط، وهم شركاء في حكومة السراج الموالية لداعش.
https://ds1.static.rtbf.be/uploader/pdf/d/3/3/rtbfinfo_216794d0a1e2121ac88c2385c2dd6eef.pdf
ان ما يجب معرفته من قبل أمازيغ زوارا وجميع الأمازيغ في ليبيا الشقيقة وكذالك الطوارق هو أنه إذا نجح مشروع الإخوان المسلمين لتركيا-قطر، في ليبيا، فلن يتردد هؤلاء المرتزقة السوريون والدواعش في قطع رؤوس قادتهم الليبيين واغتصاب زوجاتهم وتنفيذ الإبادة الجماعية في حق قبائلهم لسبب بسيط، هو أنهم يتبعون المذهب الإباضي! كذالك وبالمثل بالنسبة للجنرال حفتر الشخص الذي فرض نفسه دكتاتورا منذ 27 أبريل ، إذا ما نجح في الاستيلاء على طرابلس، بمشروعه البعثي الرجعي، فإنه لن يتردد في خوض الحرب مع الأمازيغ. وهو بالفعل لا يتوقف عن تهديدهم، بالإضافة إلى أن قواته فعلت ذلك من قبل وهاجمت مدينة جدو!
في الطرف الاخر، المعاكس، لهذه الصورة المظلمة ولهذه الحالة الفوضوية، المروعة التي يبقى فيها الأمازيغ بين نارين، هناك حل ثالث للخروج من هذه الحرب الأهلية، وهو حل مستوحى من المقاتلين الأكراد.
لنتذكر بعضا من الحقائق، فعندما قام الثور اليساريون العرب والإسلامويون السوريون ضد الدكتاتور بشار الأسد، طلبوا من الكرد الدعم السياسي والعسكري و لكن هؤلاء و بفضل شجاعتهم، وتضامنهم، وعلى الرغم من انهم موزعين في ما بينهم في احزاب متعددة الا انهم توحدوا في شكل حكم ذاتي سياسي كما هو الحال في إقليم كردستان العراق، حيث راهنوا على الإدارة الذاتية والانتخابات الشفافة. ووضع ممثلوهم المنتخبون شروطًا واضحة، وهي أن يتجنبوا، بأي ثمن، ان يكونوا مرتزقة لصالح معسكر على حساب اخر، وان يصطفوا إلى جانب المعسكر الذي يحترم حقوقهم الأساسية وهويتهم الثقافية …
بما ان الثوار الامازيغ من جبال أدرار نفوسة نجحوا في طرد القذافي من العاصمة، بعد ان كانوا السبب في سقوطه، فانهم يستطيعون بكل بساطة أن يقودوا بشكل مثالي هذه المهمة الصعبة المتمثلة في التهدئة وتأمين ليبيا مع العمل على فرض الاعتراف بمطالبهم، مثل الحق في الاستقلال الذاتي والاعتراف بلغتهم الأمازيغية في الدستور المقبل لغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية، كما هو الحال في المغرب منذ عام 2011 وفي الجزائر منذ عام 2016.
ولتحقيق هذه الأهداف يجب في المستوى الأول، أخذ المبادرة لتوسيع وتقوية اتحاد القبائل الأمازيغية والصحراء والطوارق وقبائل البحر الأبيض المتوسط زوارا، في جبهة سياسية عسكرية واحدة تضمن الأمن والدفاع عن كل منطقة بشرق ليبيا، وكذلك مراقبة الحدود مع تونس لمنع دخول المرتزقة والإرهابيين. هذه الجبهة، التي يتعين على ممثلي الامازيغ بالمجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا أن يلعبوا فيها دوراً أساسياً، بحيث هم من سيشرعون في الإدارة السياسية والإدارية الذاتية لهذه المنطقة الشاسعة. وبالتالي، فإن إحدى اهم المهمات المستعجلة لهذه الحكومة الإقليمية ستكون البدء في مكافحة عدوى الفيروس التاجي Covid-19، من خلال منع التجمعات والصلاة الجماعية، والتدابير الوقائية مثل تلك التي اتخذتها المجالس الجماعية في منطقة القبائل بالجزائر(تاجماعت وءاكراو)، دون ان تنتظر أي تدخل من الدولة المركزية. وكأولوية ثالثة، بعد الوقاية ضد جائحة Covid-19 والدفاع ، يجب التفكير في سياسة اقتصادية من أجل ضمان الاكتفاء الغذائي، بالتفكير في سياسة اقتصادية اجتماعية تقوم على التضامن “تيويزي” لتوسيع عمليات الزراعة والصيد البحري …
لقد سبق ان قلت للسيدة فيديريكا موغرينين ، الممثلة السامية السابقة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن في الاتحاد الأوروبي ، في 21 أكتوبر 2018 وللمبعوث السابق للأمم المتحدة إلى ليبيا، السيد غسام سلامة، في شهر ديسمبر من نفس السنة ، انه يتعين على الأمازيغ العمل والدفاع عن التحول الديمقراطي الذي يمر من دولة مركزية نحو دولة لامركزية مبنية على الحكم الذاتي للجهات، كما كانت عليه ليبيا في العصر الملكي، وهذا هو الحل الوحيد الذي يمكن أن ينهي الحرب الأهلية الكارثية التي تدور رحاها في ليبيا.
في هذا الاتجاه يسير المشروع السياسي الطموح للأمازيغ “بيان تامازغا”، وقد ساهم وفد ليبي كبير في مناقشته واعتماده خلال المؤتمر السابع لأمازيغ العالم الذي انعقد في مدينة تيزنيت المغربية. في شهر ديسمبر من سنة2011
http://amamazigh.org/wp-content/uploads/2018/10/AMA_MANIFESTE-DE-TAMAZGHA_5-langues.pdf
وختاماً، فإن الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا … والاتحاد الأوروبي، كذالك دول شمال إفريقيا، وتحديداً تونس والجزائر، مصر والمغرب، يجب عليها ان تتحد، وتستعجل دعم الأمازيغ الليبيين في بناء دولتهم المدنية. ودعمهم في حربهم ضد إرهابيي داعش الذين أدخلهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى ليبيا مستغلا انشغال الدول بمأساة Covid-19، ايضا ان الأمازيغ الليبيين مدعوون أكثر من أي وقت مضى للعب نفس الدور الذي لعبه كورد سوريا والعراق، وإلا فمرحبا بالخسائر وقوارب الهجرة السرية مما سيؤدي الى لا استقرار المنطقة فقط بل وزعزعة شمال إفريقيا وأوروبا، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه الدول أكثر من أي وقت ماض لتعزيز اقتصاداتها بعد ويلات Covid-19!
رشيد الراخا: رئيس التجمع العالمي الأمازيغي