الرايس سعيد أزدّو.. أكادير ن روايس

خالد اوبلا*

في حوار ثلاثي جمعني بالرايس سعيد أزدّو والرايس أحمد أولعربي، وفي خضم الحديث عن الشعر والشعراء الأمازيغ وبالخصوص عن دور الرايس سعيد أزدّو في تدوين المتون الشعرية التي يتجاوب فيها إنضامن فيما بينهم من مختلف بقاع سوس الكبير والحوز، تحدث الرايس أحمد أولعربي قائلا: ” وَادْ أدْ إِيكَان أكادير ن روايس” تشبيها للرايس سعيد أزدّو بالمخزن الجماعي المعروف لدى القبائل بتخزين المؤن والأشياء الثمينة، كناية عن الدور الذي يقوم به في حفظ وتدوين شعر الروايس وإنضامن، وهو بالفعل كذلك. فسعيد أزدّو من الأمثلة القليلة والنادرة التي اهتمت بتدوين الموروث الشعري وبالخصوص نمط تانضامت نونعيبار بين الروايس، وشكل لمعظم هؤلاء المرسول الذي يحظى بالثقة وبنك المعطيات لكل الشعرا‍ء الذين تواصل معهم.

والشعر بالمراسلة ظاهرة معروفة بين إنضامن وبالخصوص في الفترة التي ظهرت فيها آلة التسجيل التي سهلت الاتصال والتعبير عن هموم الشعراء من ظواهر اجتماعية وفنية وفي أحيان أخرى للهزل والتسلية. والمراسلة بالشريط الصوتي قد تكون بين شاعرين يقطنان بين مدينتين متباعدتين أو داخل نفس المنطقة، أو بين الشعراء المحليين والمهاجرين بديار الغربة كما حدث، في التسجيلات الصوتية التي ظهرت للعلن، بين الرايس براهيم بيهتي المقيم بفرنسا والرايس أحمد الريح المقيم بالمغرب. نفس الدور لعبه الضرير المرحوم عبلا أبوكاض بأيت وادريم بين شعراء فن أجماك لكن بطريقة شفوية لما يمتاز به من ذاكرة قوية الشيء الذي نتج عنه حفظ الكثير من المتون الشعرية لأورارن نايت ؤجماك، بعض هذه المتون تم تسجيلها في بعض الأشرطة الصوتية بمبادرة فردية من أحد محبي هذا الفن بمنزله في أيت وادريم. لتنسخ منه فيما بعد العديد من الأشرطة التي تم عرضها، في فترة سابقة، بالأسواق الأسبوعية.

كلها مبادرات همت تدوين الموروث الشعري الشفوي، من منظور شعبي، إما تسجيلا في أشرطة يحتفظ بها بعض الخواص، أو تداولا كما حدث مع المرحوم عبلا بوكاض وبعض الأفراد حفاظ الشعر الذين يستظهرونه في بعض الجلسات الخاصة، لكن تبقى مبادرة الرايس سعيد أزدّو ذا أهمية كبيرة لأسباب عديدة منها على الخصوص أن المتون التي جمعها رُقنت كلها كتابيا على دفاتر ويمتد تاريخها لما يزيد من أربعة عقود. فمن هو الرايس سعيد أزدّو؟ وكيف ساهم في حفظ الذاكرة الشعرية؟ وما هي اسهاماته الشعرية ومشاريعه المستقبلية في المجال الفني؟

الرايس سعيد أزدّو من مواليد 1949 بدوار تيزي ن تيلّين قبيلة أداوزدّوت، هاجر القرية منذ صغره في اتجاه مدينة طنجة حيث عمل كنادل بأحد المقاهي، اكترى بيتا بذات المدينة الذي شكل ملتقى الروايس المهاجرين أو الزائرين، فبدأ في تعلم العزف على آلة لوتار لمدة زمنية؛ فقرر أن يغير الحرفة، ليخوض تجربة تيرويسا. انتقل بعدها إلى مدينة الدار البيضاء حيث التقى بالرايس الطيب أوشعيب من إلبنسيرن واقترح عليه أن يرافقه في جولاته، حيث استهل مشواره بمنطقة تزنيت وتافراوت، هناك التقى بالشاعر الرايس محمد بييسموموين، وشكلوا ثلاثيا جابوا قبائل ودواوير منطقة تزنيت وتافراوت، وشكلت سنة 1971 الانطلاقة الرسمية لدخول الرايس سعيد أزدّو مجال تيرويسا كعازف على آلة لوتار وكمبتدئ في نظم الشعر.

الجولات الفنية، أو أمودّو كما يسميها، جمعته فيما بعد بالعديد من الروايس كعلي بن الحسن أمنتاك، وابن الحاج بلعيد، والرايس محند بوݣايو، والرايس الحسن بومالك، والرايس لحسن أوبريك أوصالح، الحاج الحسين أوتزناغت وعدد كبير من الروايس المنتمين إلى جيل السبعينات والثمانينات، وكانوا ينظمون إسوياس داخل الدواوير أو بالأسواق الأسبوعية. هذه التجربة مكنته من توسيع معارفه والتعرف أكثر على إنضامن فنون أسايس كأحواش والدرست وأهنقار وأجماك وغيرها من الفنون التقليدية، ومكنته كذلك من خوض تدوين المتون الشعرية لنمط تانضامت التي يبحث لها عن جواب في الأقطار التي يجوبها كشاعر جوال وممارس عارف بخبايا النظم وأوزانه. أولى التجارب في تدوين القصائد الشعرية كانت تلك التي جمعت بين الشاعر محمد بييسموموين من مزوضة والشاعر أوبلعيد من دوار أيت أوسيم بأملن. ولأنه تلقى تعليما رسميا بالمدرسة العمومية بالدار البيضاء (متوسط أول ثاني)، فقد ساعده ذلك على كتابة تلك القصائد التي أضافت إليه اهتماما آخر ورحلة أخرى في البحث عن تانضامت وجوابها. وبذلك يكون قد دشن مسلكا في التدوين دون أن يدري، لمختلف المتون التي سجلها بقلمه منذ سنة 1976 قاصدا الشعراء وحاملا معه أسئلة تبحث عن الإجابة أو أجوبة للأسئلة قد طرحت آنفا.

تكمن أهمية المتن الشعري المدون من طرف الرايس سعيد أزدّو في عدة جوانب ترتبط بداية بتغطيتها لمجال جغرافي شاسع (جبال الأطلسين الصغير والكبير وسوس والحوز (وبتناولها، ثانيا، لمختلف الظواهر الفنية والاجتماعية لشعراء تانضامت؛ وفتحت، ثالثا، قنوات التواصل بين إنضامن دون معرفة مسبقة، وتناولت، أخيرا، جل المواضيع والأغراض التي تهم حياة الشعراء من قبيل الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تقديم النصيحة، أَزَاوَارْ (الهجاء)، السخرية، الرهان، إعطاء موقف تجاه قضية من القضايا المطروحة مجتمعيا أو دينيا…

الرايس سعيد أزدّو الذي امتهن فن تيرويسا لعقود من الزمن، وسجل 6 أشرطة صوتية من كلماته وألحانه، ونظم العديد من القصائد الشعرية في مختلف البحور؛ يرسخ اليوم، إلى جانب عدد قليل من الروايس، صورة الشاعر أو الرايس الجوال الذي كان فيما مضى يحظى باحترام القبيلة وقراها، ويشكل صلة وصل بين الأقطار في نقل الأخبار والمستجدات، تغير حاله بتغيير النظام القبلي الاجتماعي لمختلف المناطق وبزحف التمدن إلى القرى وما رافقه من وسائل أصلت لعادات جديدة مكان ما هو متعارف عليه قبلا. ليبقى الرايس سعيد أزدّو وفيا لمهنته رغم أنها لم توفر له سكنا يؤويه وأسرته ولا تقاعدا يريحه من عاديات الزمن والشيخوخة ونظرة المجتمع المليئة بالازدراء. ووفاء لروح تانضامت التي شبكته بالمئات من الشعراء، يسير الرايس سعيد أزدّو في عمله المقترن بتدوين المتون الشعرية مستعينا في الآونة الأخيرة بالهاتف النقال.

ولأهمية المتون الشعرية المدونة وللمحاورات الشعرية النوعية التي يتوفر عليها (منها على سبيل المثال محاورة شعرية بين الرايس عثمان أزوليض والرايس موح أوعلي نزامه بأيت وادريم دامت 18 سنة بين الرد والجواب)، قرر الرايس سعيد أزدّو إنشاء قناة على اليوتوب ستكون مخصصة لنشر بعض هذه المتون، في انتظار أن يحظى بالتفاتة من مؤسسة رسمية أو هيئة جمعوية جادة تكافئه وترد إليه الاعتبار وتعمل على نشر هذه المتون التي دونها لتكون رهن إشارة الطلبة و الباحثين لدراستها وفق المناهج النقدية الأدبية المتعارف عليها في مجال البحث العلمي، وللإشارة فقد سبق أن أودع الرايس سعيد أزدّو بمشروع مؤلف ضخم يضم قصائد شعرية ل 36 شاعرا بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية دون أن يرى النور بعد أزيد من عقد من الزمن.

يعدّ الرايس سعيد أزدّو نموذجا من النماذج الأخرى التي خدمت الأدب الامازيغي في صمت ولمدة عمرية طويلة دون أن ينال بعمله ذاك التشريف والتنويه رغم ما يعانيه من أزمات على المستوى الاجتماعي والصحي، فقد آن الأوان أن يلتفت إليه بمبادرة تعترف بمجهوده الذاتي وتضحيته في سبيل جمع المتون الشعرية بين الشعراء المنتمين لمناطق مختلفة شكل لهم، كما وصفه الرايس حماد أولعربي، مخزنا جماعيا حفظ ابداعاتهم الأدبية ومحاوراتهم الشعرية وأسرارهم الحياتية والمعيشية. إنه فعلا كما وصفه الرايس أحمد أولعربي: أكادير ن روايس؛ فهل يدرك المسؤولون على الشأن الثقافي والأدبي ببلادنا قيمة هذه الهرم الآدمي، وما يكتنزه من زاد أدبي ومعرفة دقيقة بمجالي تيرويسا وأحواش؟

 *مهتم بالثقافة الأمازيغية

 

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *