من الطاوس عمروش إلى مولود معمري فطلبة 80 .. تاريخ حافل بالنضالات
مهد كثيرون لأحداث الربيع الأمازيغي الذي ارتبط بالنضال من أجل الهوية والثقافة في الجزائر، وعرف منذ السبعينات محطات ستشهد للعديد من الأجيال بإسهامها، رجالا ونساء، فيما حققته الأمازيغية من مكاسب اليوم على الصعيد السياسي والتربوي، وحين تتحدث الجزائر عن ربيعها فالأكيد أن البعد الأمازيغي ووصولها إلى محطة التصالح مع الذات كان بتضحيات عبر سنوات عديدة لتتوّج بقرارات جمهورية ضمنت للأمازيغية المكانة التي تستحقها في هذا الوطن.
كان لجيل الستينات والسبعينات دورا كبيرا في التمهيد لذلك الربيع الذي احتضنت أحداثة جامعة تيزي وزو في 20 أفريل 1980، إذ تحدى كل من الباحث والروائي مولود معمري ومصطفى بن خمو الممنوعات وقدما دروسا في اللغة الأمازيغية بالجامعة المركزية وجامعة باب الزوار قبل أن يرغما على توقيفها، بعد إقرار السلطات الإصلاح التربوي، وكان لنشاط الفنانة والروائية طاوس عمروش في الضفة الأخرى الدور الكبير لمنح دفع للنضال من أجل الأمازيغية وهي التي احتضن منزلها بباريس اجتماع بعض مناضلي القضية والذين أعلنوا عن تأسيس أكاديمية أمازيغية في 1967 والتي حاولت التركيز على جانب البحث في هذه اللغة بنشر نصوص وتزويد الباحثين ببعض الوثائق التي يستند عليها المهتمون بهذه الثقافة وقتها.
وعرفت الجزائر منذ الاستقلال بث برامج إذاعية بالأمازيغية عبر القناة الثانية للإذاعة الوطنية رغم الحجم الساعي الضيق، وحاولت أطراف فرض ضغوطات على مقدمي البرامج في فترة السبعينات قبل أن تتدخل القاعدة الشعبية بمسيرات في العاصمة تطالب بحرية التعبير، إلى أن تم إقرار حجم ساع يقدر بـ 24 ساعة لهذا المنبر الإعلامي الذي أسهم في توعية الأجيال بعدالة هذه القضية، ولم ينس الجميع دور مسرحيات كاتب ياسين في إيقاظ وعي الطلبة في عدة أقطاب جامعية، على غرار مسرحية “محمد خذ حقيبتك”.
شكل منع الندوة التي كان من المفروض أن ينشطها مولود معمري في 10 مارس 1980 بجامعة تيزي وزو بداية “انتفاضة” شعبية للمطالبة بالاعتراف بالأمازيغية، ليقرر الطلبة في اليوم الموالي الاعتصام في الحرم الجامعي كبداية لسلسلة من المسيرات والاحتجاجات التي انضم إليها سكان المداشر والقرى في تجند شعبي تاريخي لأجل هوية رفضت الزوال.
ولعل أهم مسيرة تلك التي شهدتها الجزائر العاصمة في 10 أفريل 1980 بساحة أول ماي، حيث طالب أمثال مصطفى باشا، وزملائه الطلبة بحرية التعبير والاعتراف بالأمازيغية، وانضم العاصميون إلى التجمع الذي عرف اعتقال العديد من المتظاهرين.
في تيزي وزو تواصل الاعتصام قبل أن تحدد وزارة التعليم العالي أجلا للطلبة للعودة إلى الدراسة في الجامعة، قبل أن تقرر قوات الأمن التهجم عليهم ليلة 19 إلى 20 أفريل في عملية أطلق عليها اسم “مزرانة” والتي اعتقل فيها الكثيرون، ومنهم 24 من قادة تلك الحركة الطلابية على غرار سعيد سعدي، مقران أيت العربي، طاري عزيز، ايدير احمد زايد، سعيد خليل وغيرهم والذين تم إطلاق سراحهم في 26 جوان 1980 بعد تضامن شعبي داخل وخارج الوطن.
بقيت أحداث “الربيع الأمازيغي” منقوشة في التاريخ واستمر النضال بوجوه عرف أصحابها كيفية تجنيد المواطنين للقضية الأمازيغية ورفضوا أن تفصل عن النضال الديمقراطي في الجزائري، وكان من بينهم الطالب كمال أمزال الذي اغتيل في الحي الجامعي ببن عكنون يوم 02 نوفمبر1982، من قبل المتطرفين الإسلامويين في صورة عكست كيفية مواجهة سلطة ذلك الوقت مناضلي الهوية وكذا اليساريين، حيث واجهتهم بتيار إسلاموي رفض الرأي الآخر.
في مطالبتهم بالعدالة وحقوق الإنسان، حاولت جماعة من المناضلين على غرار المحامي علي يحيى عبد النور، أرزقي أيت العربي، هاشمي نايت جودي، وفاطمة أوزقان تأسيس أول رابطة لحقوق الإنسان قبل أن تتم محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية للمدية في 15 ديسمبر 1985 بعد توقيفهم في جويلية من نفس العام، وتصدر في حقهم أحكاما بالسجن تراوحت بين 6 أشهر و3 سنوات.
في النضال من أجل الأمازيغية، يتذكر الجميع فضل النادي الرياضي لشبيبة القبائل في توعية المواطنين وتجنيدهم لدعم القضية، فكانت -ولزمن طويل- لقاءاتها فرصة للجماهير في المدرجات للمطالبة بالاعتراف بهذه اللغة، ورغم محاولات السلطات عرقلة المسار بتغيير تسمية الفريق في العديد من المرات من “جمعية سريع الكواكب”، إلى “جمعية الكترونيك تيزي وزو” إلا أن النادي ظل رمزا من رموز الهوية ولعل ما شهدته مدرجات الحصن الأولمبي في نهائي كأس الجمهورية بين “جي اس كا” ونصر حسين داي في 1977 على مرأى الرئيس الراحل هواري بومدين خير دليل، حيث دوى اسم “الأمازيغ” في المدرجات، وتحدى المناصرون كل العراقيل لإسماع صوت الحق.
لم يتراجع المناضلون لأجل الأمازيغية وواصلوا الدفاع عنها، لتأتي مقاطعة الدراسة في موسم 1995/1994 حيث قرر تلاميذ ولايتي تيزي وزو وبجاية تجميد دراستهم عاما كاملا للمطالبة بإدراجها في المنظومة التربوية، وبعد عام من الجدل استجابت السلطة للمطلب بإطلاق أقسام نموذجية في السنة الدراسية الموالية أشرف عليها أساتذة تلقوا تربصا في صائفة 1995، قبل أن يتم الإعلان عن تأسيس المحافظة السامية للأمازيغية في 27 ماي 1995 وهي التي أسهمت في تعميم تعليم هذه اللغة عبر ولايات الوطن بالتنسيق مع وزارة التربية.
النضال من أجل الأمازيغية عرف محطات من الدم وتضحيات جسام في أحداث “الربيع الأسود” الذي بدأ في 18 أفريل 2001 بمقتل التلميذ قرماح ماسينيسا في ثكنة للدرك بمنطقة آث دوالة بتيزي وزو، لتليه انتفاضات في قرى أخرى من منطقة القبائل أسفرت عن مقتل 127 شابا، وسجلها التاريخ في صفحاته بالمسيرة الكبرى التي شهدتها العاصمة يوم 14 جوان 2001 لتحقق المكاسب بعد سنين من ذلك بإقرار الأمازيغية لغة وطنية ورسمية والاعتراف بيناير عطلة مدفوعة الأجر.
ز. أيت سعيد