الريف وحوار الطرشان بين الحكومة والقصر

ساعيد الفرواح  

رغم أن المحتجين في الريف صاغوا منذ أشهر أرضية بمطالبهم التي لم تنكر الدولة مشروعيتها، ومع أن الحكومة عبر وزارة الداخلية تتحمل كامل المسؤولية في قمع الاحتجاجات واعتقال العشرات من المتظاهرين مع توجيه تهم سياسية غاية في الخطورة إليهم، إلا انها ظلت لأشهر تقول كل شيء باستثناء عزمها الاستجابة لمطالب المحتجين وإطلاق سراح المعتقلين وأيان ذلك.

وبالموازاة تحركت عدد من أحزاب الحكومة ووزرائها وأحزاب المعارضة وشخصيات سياسية ومدنية مقربة من الدولة بزعم الوساطة بين الدولة والمحتجين، أو تحت عنوان امتلاك رؤية للحل الذي عبر الكثيرون عن كونه في يد الملك وحده بعد فشل الحكومة في كل شيء بإستثناء تعميق الأزمة بتصريحات غير مسؤولة وبقرارات غاية في الاستفزاز.

إن ثمة إجماع على كون الدولة بكل مؤسساتها وبمقربين من المؤسسة الملكية ساهموا في تعميق الجرح الريفي، إلا أن الأسوأ من ذلك هو الغياب الذي يحرص مسؤولوها على تسجيله عن الأزمة وذلك من خلال النأي بأنفسهم عن المسؤولية في إيجاد الحل بل حتى في تعميق الأزمة، لكن لا أحد من هؤلاء طبعا خرج ليتبرأ من قمع المحتجين والزج بالعشرات منهم في السجن، وذلك رغم تناقض عدد من المسؤولين مع أنفسهم، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، هذا الأخير الذي لا يمكن لنا فهم أسفه على قمع مظاهرة العيد مثلا في ظل كونه المسؤول الأول عن أفعال وزيره في الداخلية، وحتى مع أسفه فهو لم يفتح أي تحقيق لمحاسبة المسؤولين عن الإفراط في استعمال القوة والعنف، كما لم يفتح أي تحقيق في اتهامات المواطنين لضباط شرطة بالحسيمة باستغلال الأحداث للإيقاع بمواطنين أبرياء ولم يدلي بأي حجج حول التهم الخطيرة التي وجهت للمعتقلين، كما لم تقدم حكومة سعد الدين العثماني أي اعتذار للمواطنين عن اتهامها للريفيين بالسعي للإنفصال وتلقي الدعم الخارجي على الرغم من اعترافها بكون اتهامها لهم خطأ، وغير ذلك من الأمور التي لم تقم بها الحكومة.

الأدهى من الهروب من المسؤولية مع الحرص على الاحتفاظ بالمناصب لدى مسئولي الدولة المغربية، هو مثلا أن تقوم الجهة التي تتواجد فيها الحسيمة بتنظيم مناظرة للبحث عن الحل، وهو الحل المفروض على المنتخبين من أعضاء الحكومة والجهة والبرلمان إيجاده لأن ذلك هو دورهم ومن أجله يتقاضون رواتب سمينة ويحصلون على امتيازات جمة تدفع من جيوب المواطنين، ولكن على ما يبدوا فالمتحزبين المغاربة يريدون الوصول لمراكز القرار بأصوات المواطنين وللبقاء فيها يحرصون على عدم اتخاذ أي قرار لفائدتهم، بإستثناء القرارات التي يعتقدون أنها تحمي مصالح الفئة الحاكمة، وحين يفشلون أو يخطؤون وتتعمق الأزمة فهم لا يستقيلون وإنما يطالبون الملك بالتدخل على نحو مباشر أو غير مباشر، أو بصريح العبارة يحاولون توريط الملك كما قال مستشاره عباس الجيراري.

ففي أول خروج واضح حول حراك الريف أجرى المستشار الملكي عباس الجيراري حوارا مع يومية الصباح المغربية نشر يوم الإثنين 03 يوليوز 2017، حمل فيه المسؤولية للأحزاب والمؤسسات مستبعدا تدخل الملك في الملف، متسائلا “أين هي الحكومة من كل هذا وأين هي الأحزاب والمؤسسات التي تصرف عليها الملايير.. الجميع يتفرج على ما يجري ويذكون نيران الفتنة أكثر مما هي متقدة”.

واعترف عباس الجيراري بالوصول إلى طريق مسدود بالقول “لقد وصلنا إلى طريق يكاد يكون مسدودا بعد أن فشلت المؤسسات المنوط بها حل المشكل في تدبير الأزمة والوصول بها إلى بر الأمان”، واستبعذ المستشار الملكي تدخل الملك محمد السادس في الملف قائلا “أن الكل ينتظر تدخل جلالة الملك وهذا ليس هو الحل منذ البداية، لا يعقل أن تتخلى الحكومة والمؤسسات عن مسؤولياتها ليتم الزج بالملك في قضايا مثل هاته، ليس سهلا أن يغامر جلالته في ملف شائك لا يمكن توقع ردود الأفعال فيه” مضيفا أن “تصرف الأحزاب والحكومة والمؤسسات بإسناد كل شئ إلى جلالة الملك بحق أو باطل يضعه في موقف حرج”.

أما سعد الدين العثماني رئيس الحكومة فقد قال تزامنا مع ذلك في لقاء خاص بثته القناتين الأولى والثانية المغربيتين يوم السبت 01 يوليوز أنه “إذا توفرت شروط الهدوء والاستقرار في منطقة الريف يمكن أن تكون هناك مبادرات كثيرة لحل الأزمة القائمة، ومن بينها قضية الموقوفين على خلفية هذه الاحتجاجات” لكنه أضاف متناقضا مع قوله أن “إطلاق سراح المعتقلين ليس بيد الحكومة، وأن هذه الأخيرة لا تتدخل في الجهاز القضائي”.

ورغم نفيه لإمكانية إطلاق سراح المعتقلين الذي وضعه المحتجين كشرط أّساسي للحل، فقد قال العثماني أن الأزمة في الحسيمة وعموم إقليم الريف “طالت ولابد لها من نهاية”، (ولا ندري كيف سيتم ذلك دون إطلاق المعتقلين)، مؤكدا أن الحكومة مستعدة لدعم أي مبادرة تتبناها هيئات وجمعيات المجتمع المدني لإنهاء الاحتجاجات بالمنطقة، وأضاف العثماني: “أي مبادرة للحوار مدنية تمت أو تستعد لها جمعيات المجتمع المدني مستعدين لدعمها وسنرى نتائجها”.

وهكذا يصبح حديث رئيس الحكومة غير مفهوم نهائيا، إذ بعد ثمانية أشهر من الحراك ينفي إمكانية إطلاق سراح المعتقلين ويطيل عمر الأزمة التي يقول أنها طالت أكثر من اللازم.. هكذا.. وفي نفس الوقت يعبر عن غياب رؤية لدى حكومته وأحزابها التي يقول عباس الجيراي أنها تستفيد من الملايير، وذلك بحديثه عن استعداد الحكومة للتجاوب مع أي مبادرة مدنية، وكأن المحتجين في الحسيمة كانوا يخاطبون المجتمع المدني وليس الحكومة والدولة طوال أشهر، وكأن المجتمع المدني على دين رجل واحد ويملك حقا الصلاحيات لتقديم الحلول لأزمة عمقتها الحكومة نفسها.

العثماني قال كذلك أن من يحتج يحترمه ويعمل على تحقيق مطالبه، ولا نعرف كيف هل بالقمع اليومي للإحتجاجات أم بإعتقال العشرات من المحتجين وإهانتهم وتعذيبهم في مخافر الشرطة.. وتوجيه تهم من درجة الخيانة العظمى لهم.

إننا وبالمقارنة بين تصريحات المستشار الملكي عباس الجيراري وتصريحات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني يظهر لنا منذ الوهلة الأولى الوضوح التام في تصريحات المستشار الملكي المنسجمة مع الوقائع والأحداث (غياب الملك، غياب مؤسسات الدولة، تبادل الإتهامات بينها…)، هذا في حين يظل رئيس الحكومة تائها بين قول الشئ ونقيضه من جهة ومن جهة أخرى مخالفة القول للواقع.

خلاصة القول فيما قاله عباس الجيراري أن الملك لن يتدخل في الملف وأنه في يد الحكومة ومن يدور في فلكها من أحزاب ومؤسسات مركزية وجهوية، وهكذا يكون قد طوى الحديث الذي ظل يروج منذ أشهر حول تدخل الملك في القضية، وهو التدخل الذي سبق وصيغت فيه مبادرات كثيرة، لكن هل كلام الجيراري منسجم حقا مع الصلاحيات الدستورية للملك الذي يعتبره ضامنا لإستقرار الوطن…

على ما يظهر فالحكومة ومستشاري الملك وباقي المؤسسات تجري حوار “الطرشان” فيما بينها ومع المحتجين الذين وعلى الرغم من وضوح مطالبهم، إلا أن الحكومة وبدل أن تعلن استجابتها لتلك المطالب بما فيها إطلاق سراح المعتقلين بعد أن تكون قد أعدت لذلك مع باقي مؤسسات الدولة بما فيها القصر، إلا أنها تظل تبحث عن الوسطاء مع المحتجين وتلوك نفس الحديث حول وجوب الحوار معهم ولا ندري حول ماذا، وهم الذين يعرف القاصي والداني مطالبهم منذ ثمانية أشهر، لكن وعلى ما يبدوا من تضارب تصريحات المسؤولين السياسيين فالحوار لازم وضروري بيد أنه لا يجب أن يكون مع المحتجين بل بين الحكومة والقصر وباقي مؤسسات الدولة، هذه الأخيرة التي تحتاج حقا للوساطة، وساطة تبدأ برئيس الحكومة سعد الدين العثماني والمستشار الملكي عباس الجيراري اللذان يختلفان جدا ويتحدث كل واحد منهما في واد غير واد الآخر، وبين أودية الحسابات السياسوية الضيقة تتفاقم الأزمة ويتم التضحية بالعشرات من المواطنين الأبرياء.

 

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *