الريف يجدد التاريخ السياسي لبلاده

بقلم احمد الدغرني

ليس صدفة أن يؤلف محمد سلام موح أمزيان ( ولد بالريف من قبيلة بايت بوخلف، توفي بهولندا ودفن بالريف سنة1995)، كتابا تحت عنوان “مملكة النكور بشمال المغرب” لأن الكتاب يهدف إلى تعميق الفكر السياسي للريف، والرجوع به إلى ذكر مملكة سابقة لقيام “إمارة الأدارسة ” وليس أيضا صدفة أن يؤلف كتابا ثانيا بعنوان “البورغواطيون” وكتابا رابعا تحت عنوان “الخطابي رجل دولة”، ومن عناوين هذه المؤلفات يظهر مخطط سياسي عميق الجذور، لا غرابة أن يكون من لا يعرفه جاهلا، ولو كان يسير الآن سياسة حفدة الأدارسة بالريف….ومحمد سلام أمزيان هو الكاتب الخاص لمحمد بن عبد الكريم الخطابي ومؤرخه الرسمي، وهو رئيس قيادة ثورة الريف1958 -1959.

ولعلم القارئ فان عسكرة الريف بدأت من تعيين أول حاكم للمخزن المغربي بعد إلغاء الحماية الإسبانية وهو الجنرال المشهور محمد بلعربي، وهو حاكم عسكري ومدني في نفس الوقت بهذه المدينة، ولازالت خطبه المثيرة، تحكى من العسكر المتقاعدين الذين شاركوا تحت قيادته في الحرب (1958-1959)،ويحكون خطبه النارية التي ألقاها عليهم بلهجته من الشاوية، “قتلو بنادم ،الدجاج، وتكرفصو حتى يحكي الريافة لولاد اولادهم……”

ونشير في بداية هذا المقال إلى قاعدة أساسية ، وهي أن ما يجري في الريف الآن في سنة 2017 لا يمكن فهمه إلا بدراسة خمسة مشاريع سياسية مرت بمنطقة الريف عبر تاريخ ما بعد غزو العرب لشمال إفريقيا.

أولها: مملكة النكور، التي تأسست سنة 710م في بلاد تامسامان الى1019م تسمى أيضا دولة تامسامان Tamsaman (لاحظوا التقارب في الأمازيغية بين تامسامان وتامسنا)

وثانيها : البورغواطيون نشأت دولتهم سنة 741م في تامسنا الى سنة 1058تسمى أيضا دولة تامسناTamsna

وثالثها: إمارة الأدارسة788الى 974م

ورابعها: جمهورية الريف تأسست في سبتمبر1921 إلى ماي1926

وخامسها: دولة مكناسة بمدينة تازة ما بين سنة917م إلى 1071م وتسع خريطتها جزءا من الجزائر الحالية وكًل شرق المغرب الحالي…

هذه المشاريع الخمسة وما جاء بعدها، تعتبر جذورا سياسية واقعية لما يجري اليوم في الريف، ومن الأخطاء التي ارتكبت في مجال تكوين الشباب المغربي وكل شباب شمال أفريقيا، هو حرمانهم من قراءة دروس حول المشاريع الخمسة التي يدرسها بعض المختصين في التاريخ، لكن من وجهة نظر دينية مخزنية في غالب الأحيان، وبالتالي فقدان معرفة علمية حول الريف وعلاقته بمختلف مناطق شمال إفريقيا، وخاصة ما يعرف حاليا ب”الجزائر” و”المغرب”

وسبب فقدان هذه المعرفة هو هيمنة، من يدعون أنهم “حفدة الأدارسة”، على التاريخ والثقافة والسيطرة على الحكم، ومن ذلك نظرية تدريس التلاميذ أن عمر دولة المغرب يبدأ من قيام إمارة الأدارسة(12قرنا) بينما سبقت الأدارسة إمارة. النكور ب 88 سنة، واستمرت بعد سقوط الأدارسة45 سنة.

من هذه المعطيات التاريخية يمكن استنتاج معنى قوة شباب الحراك بالريف، وهم شباب من الجيل الثالث بعد وفاة محمد بن عبد الكريم الخطابي، رباهم آباؤهم وأمهاتهم على حفظ تاريخ المعارك الحربية وأمجاد الانتصارات والتكلم بالأمازيغية.

ولم يوجد في تاريخ سوس والجنوب الشرقي(اسامر) والصحراء الجنوبية أمثال النماذج التاريخية الخمسة التي ذكرناها في الريف وتامسنا حتى ظهرت دولة المرابطين التي كانت أول دولة وحدوية ظهرت من الصحراء(شنقيط)وأسست إمبراطورية كبرى، بعد احتلال العرب لشمال أفريقيا وانتشار الدين الإسلامي في صفوف القبائل الأمازيغية.

لم يعد المخزن المغربي يتوف على من يستطيع فهم حراك الريف، لأن هذا الحراك هو ظاهرة تاريخية، لا يفهمها إلا من يستوحي أرواح الأجداد والجدات عبر آلاف السنين، ويتوفر على شروط الاستحياء التي منها صفاء الضمير، والارتباط بتاريخ الوطن والعائلات التي تناسلت عن مختلف الممالك والقبائل، ومن يقدم للمضطهدين الاعتذار عن جرائم القتل والسجن والمنع من ممارسة السياسة، وليس فقط الارتباط بدروس مؤسسات التعليم المخزني، وهذا ما جعل مثلا أحد أقدم مستشاري الملك وهو عباس الجراري يصرح بأن ما يجري في الريف يؤدي به إلى قوله “لقد وصلنا إلى طريق يكاد يكون مسدودا” (استجواب مع جريدة الصباح يوم 3/7/2017عدد5348) وأضاف المستشار الذي يتكلم من موقع المخزن العميق “المغرب يبدو وكأنه فقد حكماءه”…..

وهنا يمكن فهم الطريق المسدود من العجزعن إيجاد الحلول لمشاكل الحراك الذي بدأ ينتشر في كل مكان، ولا يستطيع من يسمى حكماء المخزن أن يفهموا أن سلام أمزيان له أبناء وبنات، وأن وزراء جمهورية الريف، من قتل منهم ومن نفي ومن مات لهم أحفاد، وحفيدات، وأن الذين قتلهم الجنيرال محمد بلعربي والجنرال الكتاني وبقية عساكر المخزن المنحدرين من جيوش فرنسا وإسبانيا الذين شاركوا في حرب الريف1958-1959 لهم ورثة يتناسلون وانتشرت أرواحهم في أجسام الشباب الحالي الذي يجدد القيادات السياسية، ولن يغلبهم حفدة وحفيدات القتلة الذي استعادت أرواحهم ما يسمى الآن “المقاربة الأمنية”.

 

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *