الزمن صفر للتواصل

بشكل قد نعده مطلقا، تفيد النظريات والتطبيقات، أن التواصل يعد 80٪ من من تدبير الأزمة.
وهذا التواصل، أي تواصل الأزمة، له توقيت يسمى “الزمن صفر للتواصل”، ويقصد به التواصل في الأزمنة الأولى للأزمة، بوصف ذلك حتميا ولا غنى عنه، لأنه منتظر من قبل السكان/المواطنين القلقين بشأن التداعيات المحتملة، ومبحوث عنه من طرف وسائل الإعلام المدفوعة برهانات التموقع على مختلف المستويات.
ولعل الخطير في الزمن صفر لتواصل الأزمة، أن اللايقين والفوران الذي يميز الأزمة يقود أحيانا إلى نسيان الرهان الرئيسي لتواصل الأزمة: أن ينظر إلى (المنظمة) باعتبارها محاورا شرعيا في كلامها وفي قدرتها على تدبير الوضعية.
ويمر هذا القبول عبر مواءمة الرسائل مع تصورات وأحاسيس مختلف الفاعلين، ومع الإجراءات والأعمال المتخذة على الميدان. وهذه المواءمة للتواصل خلال “الزمن صفر” للأزمة هو ما يساهم في إدارة فعالة وآمنة للأزمة.
وبصدد أزمة تداعيات الإعلان عن نتائج الاختبار الكتابي لمباراة الأهلية لمزاولة المحاماة (يناير 2023)، في علاقتها بتطبيقات تواصل الأزمة أو إدارة الأزمة بالتواصل، فيستقيم الحسم بالنتيجة التالية: وزارة العدل، لم تفشل فقط في الزمن صفر لتواصل الأزمة، بل أكثر من ذلك، وهو أمر غريب جدا، فشلت، بعد أيام من اندلاع الأزمة، حتى في إدراك مسألة أهم: لكل أزمة دورة حياة؛ ولا يمكن بالمطلق الاضطلاع بتدبير الأزمة، أي أزمة، دون ضبط دورة حياتها.
وتتجلى أهمية ضبط دورة حياة الأزمة، على نحو محدد، في أنها مفتاح أساسي في إدارة الأزمة، إذ أن مرحلة ما قبل الأزمة رديف للاستشعار واتخاذ الإجراءات الوقائية، بينما تستدعي مرحلة اندلاع الأزمة اتخاذ الإجراءات التي تحد من الآثار الضارة والعمل على تضييق نطاقها، دون إغفال مرحلة ما بعد الأزمة، باعتبارها فرصة للدراسة والتقييم واستنباط الدروس ورسم سبل عدم تكرار أزمات مشابهة.
وللتدليل على ذلك، لنأخذ، مثالا، نموذج انتشار الأزمة الذي طوره ميتروف (1994).
يقسم ميتروف دورة حياة الأزمة إلى خمس مراحل رئيسية. أولا، رصد العلامات من طرف المنظمة وإرسائها للتدابير الوقائية، أما الثانية فهي تتميز بالاستطلاع والوقاية، وفي هذه المرحلة تحاول المنظمة معرفة حجم التهديد والعمل على احتواء الآثار السلبية، لتأتي بعدها مرحلة مراقبة الخسائر تبعا لاندلاع الأزمة.
وتعد استعادة الوضع الطبيعي، المرحلة ما قبل الأخيرة، وتتميز أساسا باستئناف العمليات الاعتيادية. لتكون المرحلة الخامسة التي ينص عليها هذا النموذج هي التعلم الذي يتم تعزيزه بتقييم للدروس المستفادة من الأزمة المعاشة.
وإذا ما أردنا قياس ذلك النموذج على أزمة وزارة العدل المشار إليها، فإنه للأسف، يبدو أن الجهة المعنية لم تتعدى، بعد، نصف المرحلة الأولى!
فما العمل إذن؟
أولا يجب إدراك مسألة جوهرية: يتعلق الأمر في جميع الأحوال، بضرورة العودة السريعة إلى السير العادي. وبهذا فإن القاعدة الأساسية تتمثل في أن: تواصل الأزمة الجيد لا يضمن بأن الأمور ستسير على ما يرام، لكن في المقابل، التواصل السيء يضمن بأن تسير الأمور بشكل سيء جدا.
وثانيا، ولأن الجهة المعنية، اختارت أو “تورطت” منذ البداية، في أصعب إستراتيجية لتواصل الأزمة، وهي: الإقرار والاعتراف، فإن استدراك الأخطاء، مازال ممكنا، بالتموضع المتخيل في موقع الأطراف الأخرى (الجمهور، الصحافيين، المعارضة…)، والجواب عن السؤال الجوهري التالي: ماذا يتوقعون من المؤسسة قوله أو فعله؟ والجواب عن هذا السؤال هو ما يجب قوله وفعله في أول استجابة بعد ذلك، ولن يخرج ذلك عن مايلي: تقليل الخسائر، والسيطرة على الحدث بتصويب الأخطاء، ومواجهة التحديات بشجاعة.
ولابد من فهم واقع مر: الذي اختار استراتيجية الإقرار، مستحيل عليه، أن يغيرها بخيار استراتيجية الإنكار، أو استراتيجية التحوير!
وعلى سبيل الختم، قال الشاعر الأمازيغي مولاي علي شوهاد في “تامغرا ووشن”: “آيدا لالي آيرخان أورد أمارك!”.

————
امحمد خيي
ممارس وباحث في مجال التواصل المؤسساتي والسياسي.

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *