السكر في دبلوماسية المنصور الذهبي: الذهب الأبيض الذي عزّز نفوذ المغرب

بقلم: الحسين بوالزيت - صحفي وباحث في التاريخ
بقلم: الحسين بوالزيت – صحفي وباحث في التاريخ

سبق وان كتبت في موضوع السكر والدبلوماسية، عندما كنت في مهمة مهنية في مدينة تيوت التاريخية، بشيء من الاقتضاب، واليوم انوي ان افصل في الموضوع وتحيينه قدر الإمكان. استخلصت ان الحديث عن قوة الدبلوماسية الاقتصادية للسلطان أحمد المنصور الذهبي (1578-1603م)، فإننا لا يمكن أن نتجاهل دور السكر، أو ما يُعرف بـ «الذهب الأبيض”، في سياساته الخارجية. كان السكر أحد أهم الموارد التي استغلها المغرب السعدي لتحقيق تفوق اقتصادي ومكانة دبلوماسية متميزة، خاصة في تعاملاته مع القوى الأوروبية مثل إسبانيا، إنجلترا، وفرنسا.

فكيف تحوّل السكر المغربي إلى أداة سياسية في يد المنصور الذهبي؟ وما هي مصادره وطرق تصنيعه وتصديره؟ وكيف استخدمه السلطان في تعزيز علاقاته مع القوى العظمى؟

أولا: مصادر السكر في المغرب السعدي

توفرت للمغرب خلال العصر السعدي موارد طبيعية وزراعية غنية، وكان السكر من أبرز المنتجات التي ازدهرت في عهد أحمد المنصور بفضل الأراضي الخصبة والمناخ المناسب. وقد كانت أهم مراكز إنتاج السكر في المغرب:

– ماست/ ماسة : الواقعة جنوب أكادير، وهي من المدن التاريخية الأولى في سوس وعموم المغرب، حيث كانت مزارع قصب السكر تمتد على ضفاف واد ماست أو شيخ الاودية المغربية كما يحلو لي ان اسميه دائما، مما جعلها من أبرز مراكز الإنتاج.
– تارودانت: المدينة التي كانت قلب الاقتصاد الزراعي السعدي، حيث ضمت عدة مزارع كتيوت وغيرها إضافة الى عدة معاصر ومصانع لتكرير السكر.
– -مزارع ناحية أكَلميم: التي ساهمت في إنتاج السكر وتصديره عبر الموانئ الجنوبية.
كانت هذه المناطق تزود المغرب بإنتاج وفير من السكر، الذي كان يُعالج في المعامل السعدية باستخدام تقنيات متطورة، مما جعله من أجود أنواع السكر في العالم آنذاك.

ثانيا: تصدير السكر: تجارة استراتيجية بوزن الذهب

كان المنصور الذهبي يُدرك القيمة العالية للسكر في أوروبا، حيث كان يُعتبر سلعة فاخرة تُباع بأسعار مرتفعة، وكان الطلب عليه في تزايد مستمر. اعتمد السلطان سياسة “البيع وزنًا بوزن”، أي أنه لم يكن يقبل ببيع السكر مقابل عملة نقدية فقط، بل كان يطالب بمقايضته بسلع أو معادن ثمينة، وأحيانًا حتى بالأسلحة الأوروبية.

– موانئ التصدير الرئيسية:

• ميناء آسفي
• ميناء الصويرة (موغادور آنذاك)
• ميناء أكادير

ثالثا:أهم زبائن السكر المغربي:

• إنجلترا: التي أبدت اهتمامًا كبيرًا بهذه السلعة، وسعت إلى تطوير علاقتها مع المغرب للحصول على السكر مقابل الأسلحة والذخيرة.
• إسبانيا: رغم العداء السياسي، كانت التجارة بين البلدين نشطة، حيث استوردت إسبانيا السكر المغربي بسبب جودته العالية.
• فرنسا وهولندا: حيث كان السكر المغربي يستخدم في إنتاج الحلويات والمشروبات الفاخرة.

رابعا: السكر كأداة دبلوماسية: المنصور الذهبي والمناورات السياسية

لم يكن المنصور الذهبي يبيع السكر لمجرد تحقيق الأرباح، بل كان يستخدمه كأداة دبلوماسية لتعزيز تحالفاته والتفاوض مع القوى الأوروبية.

– العلاقات مع إنجلترا: كان السلطان يسعى إلى تعزيز التعاون مع الملكة إليزابيث الأولى، حيث قدم كميات من السكر كهدايا لتعزيز العلاقات، مقابل دعم عسكري لمواجهة الأطماع العثمانية والإسبانية.
– العلاقات مع إسبانيا: رغم العداوة التاريخية، استخدم المنصور الذهبي تجارة السكر كورقة ضغط على إسبانيا، حيث كان يوقف التصدير في أوقات معينة لإضعاف الاقتصاد الإسباني.
– العلاقات مع الدولة العثمانية، (تركيا اليوم): حاول المنصور الحد من التأثير العثماني في المنطقة عبر تعزيز تحالفاته الأوروبية، وكانت تجارة السكر أداة مساومة قوية في يده.

خامسا: إرث المنصور الذهبي في تجارة السكر

رغم تراجع هذه الصناعة، يظل عهد المنصور الذهبي نموذجًا فريدًا لاستغلال الموارد الطبيعية في خدمة السياسة والاقتصاد. فقد نجح في تحويل السكر من مجرد سلعة زراعية إلى سلاح دبلوماسي قوي، استطاع من خلاله المناورة بين القوى الكبرى في عصره، وتعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية.

واليوم، ما زالت آثار هذه الحقبة التاريخية حاضرة في الذاكرة المغربية، حيث بقي السكر رمزًا لعصر ازدهر فيه المغرب اقتصاديًا وسياسيًا، بفضل حنكة سلطان أطلق عليه التاريخ لقب “الذهبي”، ليس فقط بسبب الذهب، بل أيضًا بسبب الذهب الأبيض فكيف تراجعت صناعة السكر بعد وفاة المنصور الذهبي بعد وفاة السلطان أحمد المنصور عام 1603م، دخلت الدولة السعدية في اضطرابات سياسية أضعفت سيطرتها على الاقتصاد. تراجعت صناعة السكر بسبب الصراعات الداخلية بين ورثة المنصور والضغوط الأوروبية على طرق التجارة المغربية وظهور مستعمرات السكر في البرازيل وجزر الكاريبي، مما أدى إلى منافسة شديدة وبحلول القرن السابع عشر، لم يعد المغرب القوة المهيمنة في تجارة السكر، إذ تحول الإنتاج العالمي نحو العالم الجديد كما أسلفنا القول أعلاه.

خاتمة:

يظل السكر أو الذهب الأبيض في دبلوماسية المنصور الذهبي حاضرا كعنصر قوي عزّز نفوذ المغرب لآن ذاك. وعندما نتحدث عن القوة الدبلوماسية والاقتصادية للسلطان أحمد المنصور الذهبي (1578-1603م)، فإننا لا يمكن أن نتجاهل دور السكر فيها، فالسياسة الخارجية. في عهده كان عمادها الأول هو السكر كأحد أهم الموارد التي استغلها المغرب السعدي لتحقيق تفوق اقتصادي ومكانة دبلوماسية متميزة، خاصة في تعاملاته مع القوى الأوروبية مثل إسبانيا، إنجلترا، وفرنسا. ونحن نعلم الآن كيف تحوّل السكر المغربي إلى أداة سياسية في يد المنصور الذهبي. كما صرنا نعلم مصادره وطرق تصنيعه وتصديره. وكيف استخدمه السلطان في تعزيز علاقاته مع القوى العظمى فكما سبق وأشرنا الى ذلك فمصادر السكر في المغرب السعدي على غرار مواد طبيعية وزراعية غنية أخرى، كان السكر من أبرز المنتجات التي ازدهرت في عهد أحمد المنصور بفضل الأراضي الخصبة والمناخ المناسب. وقد كانت أهم مراكز إنتاج السكر ماست/ماسة: الواقعة جنوب أكادير، حيث كانت مزارع قصب السكر تمتد على ضفاف واديها التاريخي الدائم الجريان (لم يعد كذلك اليوم مع الاسف)، مما جعلها من أبرز مراكز الإنتاج. تارودانت: المدينة التي كانت قلب الاقتصاد الزراعي السعدي، حيث ضمت عدة معاصر ومصانع لتكرير السكر. مناطق ومزارع ناحية أكلميم التي ساهمت في إنتاج السكر وتصديره عبر الموانئ الجنوبية. كانت هذه المناطق تزود المغرب بإنتاج وفير من السكر، الذي كان يُعالج في المعامل السعدية باستخدام تقنيات متطورة، ومنها الشبكة الهيدروغرافية القوية ومطاحن الماء، مما جعله من أجود أنواع السكر في العالم آنذاك. وكانت عملية تصدير السكر كتجارة استراتيجية زكان يباع وزنا بوزن كما اشارت الى ذلك المصادر السعدية لان المنصور الذهبي كان يُدرك القيمة العالية للسكر في أوروبا، حيث كان يُعتبر سلعة فاخرة تُباع بأسعار مرتفعة، وكان الطلب عليه في تزايد مستمر. اعتمد السلطان سياسة “البيع وزنًا بوزن”، أي أنه لم يكن يقبل ببيع السكر مقابل عملة نقدية فقط، بل كان يطالب بمقايضته بسلع أو معادن ثمينة، وأحيانًا حتى بالأسلحة الأوروبية. ومن بين موانئ التصدير الرئيسية نجد ميناء آسفي وميناء الصويرة (موكَادور آنذاك) وميناء أكادير وكان من بين أهم زبائن السكر المغربي إنجلترا التي أبدت اهتمامًا كبيرًا بهذه السلعة، وسعت إلى تطوير علاقتها مع المغرب للحصول على السكر مقابل الأسلحة والذخيرة. نجد كذلك المملكة الاسبانية فرغم العداء السياسي، كانت التجارة بين البلدين نشطة، حيث استوردت إسبانيا السكر المغربي بسبب جودته العالية كما نجد كذلك. فرنسا وهولندا حيث كان السكر المغربي يستخدم في إنتاج الحلويات والمشروبات الفاخرة.

(يتبع)

اقرأ أيضا

من الثنائية اللغوية الرسمية إلى الفوضى اللغوية الهجينة

في خضم سوق لغوية واقعية وافتراضية متعددة ومتنوعة، تبدو صيرورة التلهيج والتدريج والمعيرة عائقا أمام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *