السوري سليمان يوسف في حوار ناري مع “العالم الأمازيغي”:
برامج التربية الإسلامية في كثير من الدول خلقت جيلا متعصبا واستفادت منه التيارات الجهادية
الكثير من مشايخ وأئمة المسلمين يرفضون تكفير داعش
أجرت الحوار: رشيدة إمرزيك
خص سليمان يوسف الباحث السوري والمهتم بقضايا الأقليات الجريدة بحوار عن البرامج الخاصة بالتربية الإسلامية التي تدرس في المجتمعات الإسلامية، وشارك قراء “العالم الأمازيغي” العديد من القضايا المتعلقة بالتعديلات التي أدخلتها مجموعة من الدول على هذه البرامج. هذا الحوار يأخذنا في جولة مع هذا الباحث حول الحركات الإسلامية والعلمانية وكيف ظهرت الدولة الإسلامية في العراق والشام وكيف تطورت….
- قامت عدة دول إسلامية أخيرا بإدخال تعديلات على المراجع والمقررات الدراسية الخاصة بالتربية الإسلامية في مستويات التعليم الابتدائي وذلك في اطار الإصلاح الديني ومن بين هذه الدول المغرب، وأرجع العديد من المتتبعين هذه المراجعات إلى أن مضامين النصوص المعتمدة في السابق فيها نوع من التشجيع على الترهيب والتمييز وفي بعض الأحيان العنصرية وما إلى ذلك. كيف تنظرون إلى مثل هذه المبادرات؟
وإن جاءت متأخرة جداً،تعد هذه المبادرات خطوات صحيحة على طريق بناء الانسان المسلم الجديد والمعاصر، لكنها مبادرات خجولة وغير كافية على هذا الصعيد. ويبقى الشك قائماً بجدية ومصداقية الحكومات الاسلامية في الذهاب حتى النهاية في تناول الجذور الحقيقية والجوهرية لظاهرة الارهاب التي بدأت تهدد العالم أجمع، وفي إنجاز اصلاح شامل وجذري لمناهج التربية الاسلامية ولمنظومة التعليم التربوي عموماً، يخلص المجتمعات الاسلامية من آفة الارهاب والعنف الديني، ويضعها على طريقالمدنية والحداثة والديمقراطية والسلام المجتمعي.أنها مبادرات فرضتها وأملتها مستجدات وأحداث محلية وخارجية. تأتي في مناخ محلي واقليمي ودولي يخيمعليه شبح “الارهاب” الممارس من قبل مسلمين متشددين، أكثر من كونها مبادرات نابعة من ارادة سياسية ورغبة وطنية من الطبقات الحاكمة في إحداث تغير نوعي جوهري في مناهج التربية الاسلامية وفي المنظومة التربوية الوطنية ككل. وهي ليست معزولة عن الحملة أو الحرب الامريكية الغربية الدولية على الارهاب التي بدأت في أعقاب هجمات 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة الامريكية. رغم أن عملية تغيير المناهج وتطويرها هي حاجة وطنية ملحة،قبل أن تكون استجابة لرغبات الخارج، حكومات الدول الاسلامية حتى سنوات قليلة كانت ترفض دعوات اصلاح مناهج التعليم التي كان يطلقها بعض السياسيين والمفكرين والمتنورين. هذه الحكومات كانت تتهم هؤلاء بالعمالة للخارج والتآمر على الدولة والاسلام.
العملية التربوية، كباقي القضايا المجتمعية المهمة والحساسة، وقعت ضحية الآيديولوجيات والعقائد السياسية والدينية السائدة والحاكمة والمهيمنة في المجتمعات والدول الاسلامية .فما لم تأخذ حكومات الدول الاسلامية بمبدأ فصل الدين عن السياسية والحكم ، اي تحيد الدولة عن الدين وتحييد الدين عن السياسية العامة والوطنية للدولة، ستفشل كل مبادرتها الاصلاحية، السياسية والتربوية والمجتمعية، ولا طائل منها وستبقى تدور في حلقة مفرغة.إزاء واقع اسلامي مكبل بقيود الدين والموروث التاريخي المتخلف من عادات وتقاليد ومفاهيم بالية، اعتقد بان الحكومات والانظمة السياسية القائمة في الدولة الاسلامية هي غير قادرة وغير مهيأة على القيام بنهضة ثقافية تعليمية تربوية دينية اسلامية حقيقية.
في الماضي شكلت “العقدة أو العقبة الدينية” أحد الاسباب الأساسية لإخفاق وفشل حركات النهضة والتقدم في الدول الاسلامية. اعتقد بأن هذه العقبة الدينية مازالت قائمة. كيف يمكن لحكومات الدول الاسلامية أن تقوم بإحداث نقلة نوعية في مجال التربية والتعليم الديني وهذه الحكومات تخشى إثارة غضب الاسلام السياسي خاصة التنظيمات الاسلامية السلفية والجهادية المتشددة لديها والتي ترفع شعار” الاسلام هو الحل”، إقامة حكومات اسلامية تحكم وفق الشرع الاسلامي. جدير بالذكر ، أن مناهج ومقررات التعليم الديني في مختلف الدول الاسلامية تشرف عليها المؤسسات والمرجعيات الدينية الاسلامية. سلطة المؤسسات والمرجعيات الاسلامية العليا على القضايا التي تتعلق بالشؤون الاسلامية بينها مناهج التعليم هي بمثابة “فيتو” تستخدمه في وجه الحكومات عندما يتعلق الأمر بتجاوز الحكومات الخطوط الحمر، للشريعة الاسلامية. لهذا يصعب لا بل يستحيل على الحكومات الاسلامية ، حتى وإن ارادت، تحقيق وإنجاز إصلاحات وتعديلات جذرية على مناهج التربية الاسلامية، تمس ثوابت وخطوط حمر الشريعة الاسلامية “شرع الله”.. يذكر أن دساتير جميع الدول الاسلامية حتى التي تلك التي تحكمها أنظمة قومية ونصف علمانية مثل سوريا ومصر تتضمن مادة تنص” على أن تتعارض القوانين مع ثوابت ومبادئ الشريعة الاسلامية”. كما أن تنفيذ حكم الاعدام، حتى بحق المجرمين والارهابيين، يتطلب موافقة وتصديق المرجعيات الاسلامية العليا في الدولة التي ينفذ فيها حكم الاعدام، كمشيخة الأزهر في مصر.
- بالمباشر أيمكن أن يكون هذا التعديل وإصلاح المناهج الدراسية له علاقة بالتطرف والإسلام الجهادي الذي تعاني منه العديد من الدول؟
لا يمكن الفصل بين هذه المبادرات والهجمات الارهابية، التي ضربتالكثير من الدول الاسلامية وتنامي خطر التنظيمات والفصائل الاسلامية السلفية والجهاديةالمتشددة،وسيطرت بعض هذه التنظيماتعلى مناطق واسعةفي العديد من الدول الاسلامية( سوريا العراق باكستان افغانستان ليبيا الصومال) . هذه التطورات الدراماتيكية، طرحت قضية التعليمالاسلامي للنقاش والبحث على المستوى الحكومي الرسمي والشعبي في مختلف الأوساط السياسية والثقافية في الدول الاسلامية، ودفعت بالعديد من الحكومات الاسلامية الى اطلاق مبادرات اصلاح مناهج التعليم الاسلامي بهدف الحد من تنامي نفوذ الجماعات الاسلامية المتشددة ومحاصرة منابع الفكر الاسلامي المتطرف.إطلاق هكذا مبادرات إصلاحية هو اعتراف وإقرار من قبل الحكومات والأنظمة الاسلامية بوجود خلل في مناهج ومقررات التربية الاسلامية التي تُلقن للتلاميذ في المدارس الحكومية والأهلية الخاصة. فقد أن نجحت التنظيمات الاسلامية المتشددةفي توظيف واستغلال مناهج التعليم الدينيفي تعبئة وشحن الشبيبة الاسلامية بالفكر الاسلامي المتطرفة والآيديولوجية السلفية.
حقيقة، لولا الضربات الارهابية الموجعة التي تلقتها الكثير من الدول العربية والاسلاميةفي السنوات الأخيرة ،ما كانت أقدمتحكومات هذه الدول على إعادة النظر في مناهج التربية الدينية الاسلامية وطرح مبادرات اصلاح وتعديل هذه المناهج. حتى أن الحكومات الاسلاميةما كان لها أن تصطدم مع المجموعات الاسلامية الارهابية، ما تشعر بخطر هذه التنظيمات على أمنها وسلطتها.في أعقاب اعتداء ارهابي نفذه مسلمون متشددون على فندق نزلاءه من السياح الأجانب في مدينة سوسة التونسية، قررت السلطات التونسية إغلاق عشرات المساجد التي تحرض على الكراهية . إين كانت السلطات التونسية قبل وقوع هذه الهجمات الارهابية؟؟ ولماذا كانت ساكتة على خطباء تلك المساجد المحرضين على الارهاب والكراهية والعنف الديني ضد الأخر الأجنبي الذي تنعته بالصليبي الكافر؟؟..تجدر الاشارة هنا، الى، أن جميع التيارات والتنظيمات والجماعات الاسلامية الجهادية السلفية المتشددة، تضع مبادرات اصلاح وتعديل مناهج التربية الاسلامية في إطار حرب صليبية قديمة جديدة على الاسلام والمسلمين.
- هل في نظرك، أستاذ، التربية الإسلامية التي تلقن لناشئة بالمدارس، لها علاقة بالغلو والتطرف في الدين؟ وهل التلقين الإيديولوجي يولد العنف الإرهابي؟
الاسلام يعلي من شأن الهوية الاسلامية ويعتبرها أكثر عمقاً وشمولاً من جميع الهويات والانتماءات الأخرى. لهذا يحتلّ الدينالاسلامي، مكانة بارزة وأساسية في أنظمة التعليم التربوي والتنشئةالاجتماعية وحتى في التنشئة السياسية. فمنذ قيام ونشأة الدول الاسلامية ، تمحورت مناهج التعليم والتربية الاسلامية حول تعزيز وتقوية انتماء الانسان المسلم لهويته الاسلامية، على حساب انتماء الوطني وهويته الوطنية، وإعلاء شأن الهوية الاسلامية ومكانتها الى درجة القداسة والتطرف في الدفاع واللجوء الى العنف في ردع كل من يمس الإسلام والهوية الاسلامية. وقد استفادت التنظيمات والتيارات الاسلامية الجهادية السلفية المتشددة من هذه المناهج ووظفتها في تعبئة الشبيبة الاسلامية في صفوفها، حتى تنامى دور ونفوذ هذه التنظيمات الاسلامية المتشددة في المجتمعات الاسلامية وبدأت تلجأ الى العنف في الدفاع عن شعارتها وتحقيق غاياتها وبدأ خطر هذه التنظيمات يتعاظم ويهدد أمن واستقرار المجتمعات الاسلامية. من هنا تبدو قوة العلاقة والترابط بين مناهج التعليم والتربية الاسلامية والتطرفالديني والعنف الارهابي الذي تمارسه التنظيمات الاسلامية المتشددة في مختلف الدول الاسلامية.
حقيقة، أن مناهج التربية الاسلامية، في معظم الدول الاسلامية، محشوة بالجمل والأفكار والمقولات الاسلامية المثيرة للأحقاد والعنصرية والكراهية الدينة بين المسلمين وغير المسلمين.في مصر،يُدَرّس طلابالصف السادس الابتدائي في المدارس الحكومية المقولة التالية”المغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى. الاسلام دين الحق وكل دين غير الاسلام باطل” .مثل هذه المقولات ،المشبعة بالكراهية الدينية،توفر تربة خصبة لنمو نزعة التطرف والارهاب في المجتمعات الاسلامية . تقرير مركز الحريات الدينية أنتقد بشدة مناهج وكتب الدراسات الإسلامية المقررة في المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية، على ما تحويه وتتضمنه من أفكار ومقولات مثيرة للفتنة الدينية والنعرات الطائفية. هذا نموذج من فيروسات الكراهية الدينية التي يحق بها الطلاب المسلمون ” أن العالم ينقسم إلى مؤمنين وهم المسلمين ، وكفار هم غير المسلمين”. طبعاً، علينا أن لا نغفل ونتجاهل الاجتهادات الخاصة والدور السلبي لمدرسي التربية الاسلامية ، وهم بمعظمهم من أنصار (الاسلام السياسي) في الاجتهاد وتلقين الطلبة جرعات وشحنات إضافية من العنصرية والكراهية الدينية .
طبعاً، ليست مناهج التربية الاسلامية وحدها المسؤولة عن تنامي ظاهرة التطرف والارهاب في المجتمعات الاسلامية ، ثمة أسباب وعوامل أخرى لا تقل أهمية عن دور المناهج، مثل الموروث الديني والاجتماعي التاريخي المتخلف الحامل لبذور العنف والتطرف ، الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئة القانونية وطبيعة الأنظمة السياسية والحكومات القائمة أو السائدة في الدول الاسلامية. الفقر والجهل والتخلف والاستبداد ، جميعها عوامل تقوي نزعة التعصب والتطرف عن كل من يعيشها ويعاني منها.
يفترض بالنظام التعليمي والتربوي أن يعزز قيم التضامن الاجتماعي والوطني وإرساء المواطنة وقيم التسامح والعدل والحرية وتقبل التعددية الدينية والإثنية. لكن هذه الوظيفة المهمة غائبة عن النظام التربوي والتنشئة في الدول الاسلامية .حتى مقرّراتومناهج اللغةالعربيةوالتاريخ والدراساتالاجتماعية والفلسفية التربية الوطنية في المدارس والمعاهد والجامعات الحكومية في الدول الاسلامية ، غدت مطعمة ومحشوة بأفكار ومقولات وأحاديث اسلامية تتسم بالعنصرية والتطرف.
نهج الحكم وسياسات حكومات الدول الاسلامية، ساهمتبطرق وأشكال مختلفة في تنامي ظاهرة التطرف والغلو الديني في مجتمعاتها.الحكومات الاسلامية وظفت مادة ” التربية الإسلامية” كأداة لمواجهة مد التيارات اليساريةوالعلمانية. حتى أنالحكومات زايدت على الاسلاميين وبالغت في تعزيز وتقوية التعليم الديني وإدخال المزيد من الفكر الإسلامي في المناهج، في محاولة منهالإرضاء الاسلاميين وتجنيب نفسها اتّهامهم لها بأنها تسعى إلى تقويض الثقافة الاسلامية وتهميش الاسلام. الحكومات، ذات الصبغة القومية أو النصف علمانية ،كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر، غضت نظرها عن تغلغل العناصر الاسلامية المتشددة الى المؤسسات التعليمية والتربوية الحكومية وسكتت عن ما قامت به العناصر الاسلامية في توظيفها لهذه المؤسسات في الترويج لفكرها الاسلامي المتشدد واستغلت المناهج في تعبئة الشارع الاسلامي ضد الحكومات والتخطيط للانقلاب عليها.
- في نظرك، هل الإرهاب الذي يعاني منه العالم اليوم هو وليد تربية اسلامية ودينية متعصبة ومتزمتة أم هو مرتبط بفهم معين للإسلام أم لشيء أخر؟
إزاء تشظي العالم الاسلامي الى مذاهب وتيارات وأحزاب ومدارس اسلامية وفقهية، لم يعد مقبولاً الحديث اليوم عن اسلام واحد، رغم إجماع المسلمين على اركان الاسلام الخمسة وعلى أن القرآن الكريم والسيرة النبوية هما مصادر” العقيدة الاسلامية”. هذه التعددية في الاسلام لا تعفي “مصادر الاسلام ” من مسؤولية تفشي وانتشار ظاهرة التطرف والارهاب الديني في المجتمعات والدول الاسلامية.فالتنظيمات الاسلامية الأكثر اعتدالاً ،والتنظيمات الاسلامية الأكثر تطرفاً وتوحشاً، مثل تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والقاعدة، تنهل فكرها وفلسفتها الدينية من ذات المصادر الاسلامية (القرآن الكريم والسنة النبوية) .المصادر والمراجع الاسلاميةهي ذاتها تُدرّس في جامعة الأزهرالاسلامية بمصر وفي بقية الكليات والجامعات والمعاهد والمراكز الاسلامية في الدول الاسلامية. هذه المصادر الاسلامية هي نفسها التي يعتمد عليها بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهم من قادة وزعماء التنظيمات الاسلامية المتشددة في خطابتهم ووعظاتهم الدينية على المسلمين وفي تلقين اتباعهم إسلامهم الخاص بهم. هذا ينتقي من المصادر الاسلامية ما يريد، وذاك ينتقي منها ما يريد، ويجتهد في تفسير الآيات القرآنيةوالمقولات الاسلامية ، المسلم المعتدل والمسلم المتطرف يوظفها بما يخدم توجهاته وأهدافه.
مناهج التعليم الاسلامي محشوة بالكثير من الآيات والمقولات الاسلامية التي تحرض وتشجع على القتل والعنف تحت شعارات وتبريرات مختلفة(الجهاد) وغيرها .هناك مثلا قاعدة شرعية تقول : “لا يُقتل مؤمن بكافر”. يعني إذا قتل مؤمن كافرا لا يُقتل. آيات تطعن في معتقدات غير المسلمين في مصر، أكثر من 12 % من سكانهم هم أقباط مسحيين ، في أحد كتب الصف الثامن آية من القرآن الكريم تقول: “ومَن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين” .وفقاً للكتب المدرسية المعتمدة لمقرر التربية الدينية الإسلامية، ثمة دين واحد صحيح هو الإسلام الذي أنزله الله على آدم وجميع الأنبياء بمَن فيهم موسى وعيسى ومحمد. أصوات فقهاء التكفير والقتل من مشايخ وائمة المسلمين هو أكثر مسموعاً وصداه أقوى لدى الشعوب الاسلامية من أصوات ودعوات الأئمة المعتدلين والوسطيين .الشعار الأكثر رواجاً اليوم في المجتمعات الاسلامية هو “الإسلام هو الحل”. وإلا كيف يمكن لداعش وغير من التنظيمات المتشدد تعبئة هذه الأعداد الكبيرة من المسلمين ومن مختلف دول العالم الاسلامي وزجهم في أعمالهم القتالية الارهابية..ناهيك عن أن الكتب والمناهج المدرسية والتربوية،خاصة الدينية الاسلامية منها، محشوة بأخبارالغزوات والحروب الاسلامية وبسيرة السلاطين المسلمينوأمجادهم وبطولاتهم .هذه المناهج لا علاقة لها بالتنشئة الوطنية وبقيم ومفاهيم المدنية والحداثة مثل( الديمقراطية والعدالة واحترام الآخر والإخلاص والتسامح وحب الوطن والمواطنة والعلمانية والليبرالية وغيرها).والحال هذه كيف يمكن لهذه المجتمعات أن تنهض وتتقدم وتلحق بالعالم المتقدم والمتحضر وهي تلقن أجيالها ثقافة ماضوية متخلفة تمجد الحروب والغزوات..
خطاب المرجعيات الاسلامية العليا والرسمية لا يختلف كثيراً عن خطاب الجماعات الاسلامية المتشددة بل يتماثل مع خطابها في تبرير الهجمات والاعمال الارهابية التي تقوم بها الجمعات المتطرفة . يقول شيخ الأزهر ( أحمد الطيب) أحد أهم المرجعيات الاسلامية السنية “تهميش المسلمين في الغرب أدى لانتماء بعض شبابهم للجماعات المتطرفة”. فضيلة الشيخ هنا يقلب الحقائق و يتجاهل أن هؤلاء الغوغاء الارهابيين هربوا من مظالم حكومات بلدانهم الاسلامية ومن الجوع والفقر الذي كانوا يعانون منه في بلدانهم. أن كلام شيخ الازهر فيه تبرير لا بل تحريض للجاليات الاسلامية على الارهاب والعنف الديني.في الوقت الذي لا تتردد المرجعيات الاسلامية بتكفير المثقفين والمفكرين المتنورين المسلمين وغير المسلمين وفي اصدار فتاوى بهدر دمهم بتهم الاساءة للاسلام بمجرد نقدهم لطريقة تقديم وتعليم الاسلام. كما حصل مع سلمان رشدي وحسن أبو زيد والسيد القمني وفرج فودي والاردني ناهض حتر، الذي قتله اسلامي متطرف امام باب المحكمة بعمان بعد أن أتهمته السلطات الاردنية بتهمة الاساءة للذات الالهية على اثر نشره رسوم على صفحته رغم تأكيده على أنها ستهدف من الرسم توضيح مفهوم الإسلام يين المتشددين للجنة ولم يقصد الاساءة للاسلام. في حين شيخ الأزهر والكثير من مشايخ وأئمة المسلمين يرفضون تكفير داعش الارهابي رغم جرائمه المشينة ،بذريعة أن المسلم الذي ينطق بالشهادتين لا يكفر مهما بلغت سيئاته وجرائمه.
الكثير من المرجعيات الاسلامية ، مثل مشيخة الأزهر ، تؤكد على أن “إلغاء الخلافة ينفي صفة الإسلام عن المجتمعات والشعوب الإسلامية”.. وهي ترى” من واجب المسلمين السعي إلى بعث الخلافة الإسلامية”. هذه الطروحات والطموحات الاسلامية هي، من دون شك، تشجع الشباب المسلم على الانخراط في التنظيمات الاسلامية السلفية والجهادية المتطرفة، مثل داعش والقاعدة، الطامحة لإعادة الشعوب الاسلامية الى عهد الخلافة الاسلامية. هذا الواقع الاسلامي المكبل بأغلال التطرف الديني وبالفكر الظلامي ، يفسر عدم خروج الشعوب الاسلامية بمظاهرات ضد داعش الارهابي، رغم جرائمه المروعة بحق المسلمين قبل غيرهم، كما خرجت ضد الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية والفرنسية المسيئة للاسلام.
نورد بعض الوقائع، ربما تلقي مزيد من الضوء على مدى تعشعش الأصولية الاسلامية وسطوة التطرف الديني في المجتمعات الاسلامية ومسؤولية الحكومات عن ظاهرة تنامي التطرف، حتى في الدول التي تقوم على اسس علمانية وفصل الدين عن الدولة ،مثل تركيا، حيث اغتيل الصحفي التركي، الأرمني الأصل، (هرانتدينك) على يد فتى تركي مسلم،في التاسع عشر من كانون الثاني 2007. لقد زًين المجرم القاتل بالعلم التركي من قبل رجال البوليس الذين سلم نفسه لهم وعٌمل القاتل كبطل قومي من قبل ضباط وجنود الشرطة التركية وأخذوا صوراً تذكارية معه. وقد نقل عن والدة القاتل قولها: “ولدي قام بواجبه، وهو بطل يشبه علي آجا،الذي حاول قتل البابا يوحنا بولس الثاني في عام 1981. وهذا القتل هو هدية من ابني للشعب والأمّة التركية المسلمة”. في مصر، التي طالها ما يسمى باربيع السياسي العربي، مدير مدرسة”جهينة” بمحافظة سوهاج، بداية هذا العام الدراسي 1916-1917، يرفض قبول أوراق التلاميذ المسيحيين في مدرسته، ويقول “لن أقبل أوراق تلميذ مسيحي طول ما أنا في المدرسة”!! هل يمكن أن يتجرأ معلم على قول هذا الكلام الطائفي المسموم ويرفض تسجيل طلبة مسيحيين في مدرسته، ما لم يكن شخص محصن وفوق القانون؟؟
- ما السبيل في نظرك لإنتاج فكر إسلامي متحرر يحترم الأخر وبعيد عن التشدد الديني الذي تعاني منه عدة دول اليوم؟
الفكر الاسلامي المتطرف هو “شر مطلق” لأنه يصبغ بصبغة القداسة (الجهاد ) ، ويمارس باسم الله . التخلص منه يكون باستئصال كل مسبباته والقضاء على الأدوات والوسائل التي يعتمدها أصحاب هذا الفكر في نشر والترويج لفكرهم المتطرف .الخطوة الأولى على هذا الصعيد، تبدأ من الاسرة والمدرسة والمسجد، حيث في هذه المؤسسات والحاضنات تتشكل شخصية وكينونة الأنسان المسلم، الثقافية والنفسية والاجتماعية. للأسف معظم هذه المؤسسات والحاضنات التربوية في الدول العربية والاسلامية مازال دورها شديد السلبية على صعيد بناء “الإنسان المسلم” الحر ، المتسامح المنفتح على الآخر.
لهذا، ثمة حاجة ماسة وضرورة ،لإعادة النظر في اساسيات وأهداف ومنطلقات التعليم الاسلامي والتربية الاسلامية والتنشئة الاجتماعية كذلك في جميع المؤسسات والوسائل الاعلامية في الدول الاسلامية وبكل ما له علاقة بتنشئة الانسان المسلم. على أن يكون الهدف الأساسي والأول للتعليم والتنشئة والاعلام هو تعزيز انتماء الانسان المسلم لوطنه وترسيخ هويته الوطنية وانتماءه الانساني قبل اي انتماء آخر ديني كان أم عرقي أم مذهبي.ينبغي أن يكون تطوير التعليم الديني جزءاً من مقاربة شاملة لإصلاح التعليم في جميع الحقول وعلى جميع الأصعدة والمستويات، بمعنى وضع منظومة تربوية شاملة متكاملة ،تخدم مشروع دولة المواطنة والدولة المدنية، (وطن لكل ابنائه ). لا يمكن بناء مواطن متزن ، مؤمن بقيم حقوق الإنسان، وهو يتلقى ثقافة الكراهية والقتل، ويحقاً بشكل يومي بمقولات تمجد القتل والغزو والجهاد والموت في سبيل الظفر بآخرة سعيدة.
بالنظر للدور الهام والحساس للمؤسسات التربويةفي بناء الانسان وصقل شخصيته، يجب إعفاء رجال الدين من مهمة التعليم الديني في المدارس الحكومية والخاصة الاهلية و تحرير المناهج الوطنية والعملية التربوية والتثقيفية من”العقدة الاسلامية” و تنقية المقررات الدراسية من الأفكار التي تنمي نزعة التعصب والتطرف وتلك التي تحرض وتشجع على القتل وكل أشكال الارهاب. ضرورة وضعمنظومة تربوية وتعليمية متكاملةتساهم في عملية تطويق كل مسببات الغلو والتطرف الديني وفي تجفيف منابع الارهاب . كيف يمكن التحرر والتخلص من الفكر الاسلامي المتطرف والشعوب الاسلامية تنهل يومياً من هذا الفكر بطرق واشكال ومن مصادر مختلفة.. لهذا ضرورة تنقية مناهج ومقررات التعليم الاسلامي في المدارس الحكومية والاهلية من كل المقولات والشعارات والآيات الاسلامية المحرضة على العنف والقتل والتطرف وكل ما يتعلق بالقتال والحروب وغزوات المسلمين .. تفكيك المقولات الدينية وتعرية الخطاب الديني للإسلاميين المتشددين الموجه للإنسانالمسلم والتي به تبرر العمليات الارهابية تحت شعار الجهاد الاسلامي. تطعيم المناهج و المقررات الدراسية بكل ما يعزز ثقافة التسامح والاعتدال و احترام الآخر وحب الحياة وليس حب القتل والموت والجهاد والعيش المشترك بين مختلف الديانات و الحضارات.
مازال الحكم العربي الاسلامي،يتسم بعقلية وسياسات الغازي المحتل، الذي يعمل على طمس جميع الحضارات والثقافات واللغات للشعوب التي غزاها واحتل مناطقها، بمعنى أن هذا الحكم يفتقر الى الروح الوطنية والى الارادة السياسية الطامحة فعلاً لبناء دول مدنية حديثة متقدمة مزدهرة ،على النموذج الأوربي. مناهج ومقررات التاريخ في مدارس الدول الاسلامية تقدم تاريخ المنطقة للطالب وكـأن تاريخ هذه المنطقة بدأ مع العرب والمسلمين ، ولم تسكنها قبلهم شعوب وأمم وديانات أخرى. من شأن هكذا مناهج أن تنتج أجيال متعصبة لتاريخها الاسلامي وتنظر لعداها نظرة استعلاء .المطلوب وضع مناهج تعليم ،تعيد الاعتبار لجميع المراحل والحضارات التي سبقت الغزو العربي الإسلامي للمنطقة ( الوثنية، اليهودية ،المسيحية، الآرامية والسريانية الاشورية، الأمازيغية، القبطية).المجتمعات الاسلامية، حيث مايزال حزب الجامع أكبر الأحزاب والأكثر انتشاراً بين المسلمين ، بحاجة إلى حركة تنويرية دينية ، تخرج الانسان المسلم من الشرنقة الطائفية وتحرره من سلطة المسجد، تعزز وترسخ مفاهيم الحرية واحترام الآخر والعيش المشترك . حركة إصلاح إسلامية، شبيه بحركة( مارتن لوثر) في المسيحية الأوربية. حركة اسلامية ، تخترق المفاهيم والمقولات الاسلامية الجامدة المترسخة في الثقافة الاسلامية والتي لم تعد تتماشى مع روح العصر والحداثة ومتطلبات الأجيال الجديدة في التعليم والتربيةلتصنع وتختار مستقبلها كما ترغب وتشتهي. تعمل على تعزيز وترسيخ مبادئالتسامحوالعيشالمشترك في المنظومة التربوية والتعليمية وفي كل المراحل من ضمنها التعليم الديني في الدول الاسلامية.فلا أمل في اي “اصلاح سياسي” حقيقي في المجتمعات والدول الاسلامية ما لم يسبقه “اصلاح ديني”.
6-هناك من يقول إن تدريس التربية الدينية لأطفال أقل من 8 سنوات في الدول الإسلامية يعتبر انتهاكا لبراءتهم وارهاقا لفكرهم الذي لا يمكن ان يستوعب ما يلقن لهم عن جهنم والعذاب والآخرة والصلاة . ما رأيك؟
يولد الانسان الطفل وعقله صفحة بيضاء . مع الأيام والسنين، تتلون هذه الصفحة بالوان محيطه، بدءاً من الأسرة التي ولد فيها. هذه التلاوين ، من لغة وثقافة وعادات وتقاليد، ستشكل شخصية الطفل و ستحدد ميوله وخياراته المستقبلية. لهذا من المهم جداً أن يلقن الطفل بما يتناسب ويتوافق قدراته العقلية وبما يساعده على فهم واستيعاب محيطه وكل ما يجري في البيئة التي ينشأ ويتربى فيها وأن يُترك له حرية الاختيار والانتقاء وفق ما تمليه عليه رغباته وميوله هو. حين تتناول مقررات التربية الإسلامية للأطفال، الحدود والأحكام الفقهيةفي الإسلام،(قطع يد السارق.. قتل المرتد.. المحرمات في الاسلام .. محاربة الكفار) وتقلينهمبعض المفاهيم والمقولات الاسلامية ، التي يعجز حتى الكبار عن فهما ، مثل ( الكافر ، جهنم والجنة وعذاب الآخرة ، أنصر أخاك ظلماً أو مظلوماًوعن معجزات الأنبياء وسير الصحابى والغزوات والحروب الاسلامية.. ثقافة القتل والانتقام والحرب)، يعد انتهاكليس لبراءة الأطفال وقدراتهم العقلية فحسب وإنما يعد انتهاكاً واختراقاً لارادتهم ولحقوقهم في اختيار ما يرغبون به وفي اختيار شكل الحياة التي يرغبون بها..فبمثل هذه المناهج والمقررات تستلب وتصادر ارادة الطفل وتقييد لحريته ..ناهيك عن أنها ،ستؤثر سلباً عن نفسيته وشخصيته وسلوكه وتوازنه العقلي و الذهني .. قد تدفع بالطفل نحو التطرف والعدوانية والشذوذ والانحراف نحو الجريمة.
………………………….
سليمان يوسف … باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com