كانت الميتولوجيا الإغريقية والرومانية والفرعونية والهندية منبع الإلهام للسينما العالمية لفترة طويلة ، وكانت هوليود تشجع كل الإنتاجات السينماءية التي توظف الميتولوجيا في السرد الفني.
وقد استطاع هذا النوع من السينما أن يستقطب جماهير عديدة من المشاهدين من كل الطبقات الاجتماعية، أحيانا أكثر من أفلام التراجيديا الواقعية .
وإذا كان لكل شعب من شعوب الأرض حكاياته وأساطيره وخرافاته ومعتقداته تؤطر هويته وتشكل من عناصر ثقافته وتصوراته وتصديقاته، فإن حياة الأمازيغ غنية جدا بالأحداث الجسام التي سببها الارتباط القوي بالأرض ، والهوية ، والثقافة ، والوجود. وهذا الصراع الأمازيغي مع الوجود لأجل البقاء، أنتج حكايات وروايات وقصصا وأساطير تروى جيلا عن جيل لحفظ الهوية من كل عناصر المسخ والمحو والاستلاب.
هذه المادة الخصبة من التراث الثقافي الأمازيغي ، وإن كان مادة معروضة على علماء الأنتروبولوجيا والإثنولوجيا لتحليلها ومحاولة ردها إلى الدوافع الدفينة للنفس الأمازيغية ، فقد تناولتها السينما الأمازيغية بشكل فني جمعا وعرضا وتصويرا وتوثيقا ، خصوصا سينما المخرج عبد العزيز أوسايح.
هذا المخرج جعل مشروعه السينماءي ربط الأجيال الحالية بأنماط الفكر والتصور والنظر والعيش المجتمعي للأمازيغ عبر رحلتهم الحياتية في التاريخ.
لقد استطاع عبد العزيز اوسايح تحويل الحكايات القديمة ، والأساطير إلى واقع مشاهد على الشاشة يسترجع به المشاهدون الزمن عبر الصورة والحركة والديكور والحوار …
ففي كل أفلام أوسايح حكايات تراثية ، وحكم قديمة ، وشذرات من تاريخ الأمازيغ ، وإشارات إلى نمط فكرهم وتصورهم، ونجد في فيلم ” زرايفا ” أسطورة ” عيشة قنديشة ” وكيف كان الناس يتصورون حقيقتها ، ويتخيلون صورتها ، ويرتعدون من ذكرها ، وكيف يقاومون الفكر العقلي التاريخي الذي حاول ان يعرفهم بحقيقة هذه البطلة الأسطورية .
ونجد في ” إيسكل ” حكايات قديمة ترتبط بفطنة النساء وقدرتهن على التفوق المعرفي على الذكور …وفي ” أحمد القران ” جملة من الطراءف والحكايات التراثية والحيل القديمة التي وظفها أحمد القران لمواجهة جشع الأعيان وطمعهم ، واعتمدها سلاحه لأجل البقاء.
وهكذا ففي كل أفلام المخرح عبد العزيز أوسايح حكايات قديمة ، وألوان من الثقافة الأمازيغية القديمة بعضها مشترك مع الثقافة المتوسطية والإيفريقية.
نحن نعرف ان كاتب السيناريو الأستاذ الفنان حسين برداوز هو المنقب عن هذه الأساطير والحكايات من مصادر مختلفة ، والمخرج يحولها إلى أعمال فنية خالدة بالصورة والحركة والحوار.
لقد نجح أوسايح في توظيف التراث الأمازيغي في السينما والتعريف به وإعادة التفكير فيه ، وساعده في هذا النجاح الفنانان المتميزان حسين برداوز وعبد اللطيف عاطيف. هذان الفنان ، زيادة على ما لهما من معرفة وخبرة وتجربة وموهبة ، لهما قوة باهرة على التشكيل في صور متعددة من الشخصيات التراثية التي تقتضيها المواقف السردية ، ولهما أيضا القدرة على الانتقال من صورة إلى صورة ، ومن دور إلى دور من غير تكلف ولا تصنع ولا ارتباك ، ينظران إلى تفاصيل الدور اللحظي، ويتمتلان كلياته في شمولية تغطي كل جزءياته.
مزيدا من النجاح والارتقاء لهذا الثالوث الفني ، اوسايح ، برداوز وعاطيف، الذي يشكل عمودا من أعمدة الفن والثقافة الأمازغيين.
*عمر لشكّر