قراءة وعرض لحسن ملواني ـ المغرب
الكتاب من منشورات جمعية إيسوراف للفن السابع بأكادير ،ويضم بين دفتيه مقالات توزعت على جوانب مختلفة عن علاقة السينما الأمازيغية بجمهورها ،ومن هذا المنطلق جاء الكتاب في 74 صفحة تضم مقالات باحثين ونقاد مهتمين بالسينما الأمازيغية، وهم إبراهيم حسناوي، محمد زروال، الحسين منزول، علي أوبلال، مسعود بوكرن، وجمال أبرنوص، كتاب أغنوا موضوع الكتاب بمناقشاتهم الرصينة لبعض جوانبه مما جعله إضافة نوعية في البحث السينمائي الأمازيغي.
ومما ورد في كلمة جمعية أيسوراف “منذ وطئت أقدامنا دروب السينما ونحن نحمل على عاتقننا تحدي المساهمة في التوثيق السينمائي. كنا على علم أنه حلم، يصعب تحقيقه بحكم إمكاناتنا المادية البسيطة لكن الغزارة المعرفية التي شهدتها النقاشات التي فتحناها في أنشطة “إيسوراف” السينمائية حفزتنا لنلتحف التحدي ونقتحم دروب الإصدارات معلنين انتقال فعلنا الجمعوي من الشفوي إلى المكتوب، ومنذ بداياتنا اعتبرنا الجمهور ضرورة ملزمة لاستكمال أية دورة نقاش حول السينما ،ذلك أن الجمهور هو المجسد الفعلي لفعل التلقي ،وحضوره من عزوفه هو من يتحكم في فشل أو نجاح أي تجربة سينمائية كيفما كانت”(1)، كلمة تحيل على السياق الذي أفرز أعمال اليوم الدراسي موضوع هذا للكتاب بغية الإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي تهم السينما الأمازيغية في علاقتها بالجمهور من زوايا مختلفة.
ومما جاء في كلمة شعبة الإجازة المهنية أنه عندما بدأت الساحة الفنية الأمازيغية تقوم بتجربة الإنتاج السينمائي كرافد من روافد التعبير اللغوي والهوياتي، وجدت نفسها في مواجهة مشاكل معقدة ،يأتي في مقدمتها مشكل التلقي، ولهذا كانت السينما الأمازيغية المغربية قد عرفت إنتاجا محترما منذ التسعينات، فواجهت جراء ذلك تغيرات كبيرة، ومازالت أسئلة متعددة تطرح نفسها على هذه السينما وعلى جمهورها خصوصا بعد بروز أجهزة المشاهدة الجديدة ابتداء من منتصف القرن العشرين، مما شكل تحديا جديدا (2).
وفي مقدمة بحث الناقد إبراهيم الحسناوي والذي جاء تحت عنوان “السينما والجمهور ملاحظات نظرية” يشير إلى كون استهلاك الفيلم واستغلاله داخل القاعات السينمائية هو التنظيم التجاري لهذه القاعات وأن الهدف الأساسي في السيرورة الاقتصادية الخاصة بالسينما هي أن تجعل من الفيلم سلعة معروضة للبيع والاستهلاك وهذا ما يستوجب كذلك توفر زبناء والبحث عنهم بمختلف الوسائل ان اقتضى الأمر ذلك. وأشار في مقاله حول البناء السوسيولوجي للجمهور إلى كون الحديث عن الجمهور السينمائي يقتضي التفصيل في مكوناته المختلفة المرتبطة بالعانصر السوسيولوجية مثل السن والمهنة والمستوى الدراسي ومقر السكنى. ويرى أن السينما فن وصناعة وسلعة مرصودة للتجارة والتداول. والفئات المتعددة من الجمهور هي التي تبرز المظهر الأساسي لعملية التلقي في السينما والتي تتميز اليوم بظهور نوع من الجمهور الذي يقوم بتحميل الأفلام من مواقع الانترنيت مجانا حيث يصعب التعرف على الأفلام التي يتفرج عليها بكثرة ويصعب الوقوف على العناصر المتحكمة في اختيارها. ويختم بحثه قائلا بأنه “في الوقت الذي نسجل فيه اليوم اندثارا مستمرا لقاعات العرض وتراجع موقع الاندية السينمائية، وغياب السينما في المقررات الدراسية وتدفق الصور التي يبثها التلفيزيون والانترنيت، فهل يمكن الحديث عن وجود أزمة بين السينما المغربية وجمهورها؟ من منهما يقاوم من أجل البقاء؟ كيف يمكن استقطاب الجمهور المغربي إلى القاعات السنمائية؟ كيف نجعل من السينما المغربية مشروعا اقتصاديا ومجتمعيا وثقافيا وتربويا؟(3) أسئلة جوهرية لامس الكتاب بعضا من معطياتها عبر الحديث عن احتياجات ضرورية لخلق جمهور إيجابي في تفاعله مع الفرجة الفيلمية.
أما محمد زروال في مقاله المعنون ب “تلقي الفيلم الأمازيغي والتنوع اللسني بالمغرب، فيشير إلى كون الحديث عن الفيلم الأمازيغي، والسينما الأمازيغية قد أصبح من المواضيع الكثيرة التداول في الملتقيات ذات الصبغة السينمائية في الدول المغاربية خاصة المغرب والجزائر، بل أصبحت موضوعا لندوات وأيام دراسية للجامعات الفرنسية على سبيل المثال. إلا أن الاهتمام الكبير الذي توليه الكثير من الإطارات الجمعوية لهذا الموضوع خاصة في منطقة سوس كفيلة بإزالة اللبس في الاهتمامات الكبرى التي يطرحها هذا الجنس الفيلمي، كما أن هذا العمل الجمعوي يساهم في تنوير الرأي العام وتقديم كل ما هو جديد في محيطه وذلك بالاعتماد على التقنيات الحديثة في الاتصال واللقاءات الثقافية التي أصبحت دورية(4). ويرى بالتالي أن طرح وضع الفيلم الأمازيغي وعلاقته بالجمهور أو أشكال تلقيه يعتبر من هذه الأسئلة البارزة التي يعتبر تناولها بالأمية بمكان،خاصة وأن الفيلم باعتباره وسيطا ومنتوجا ثقافيا وفنيا وتجاريا لا يمكن أن يحقق أهدافه بدون جمهور(5)، وبصدد تلقي الفيلم الأمازيغي داخل المغرب والتنوع اللسني. يرى الناقد محمد زروال أن السينما ارتبطت منذ ظهورها في نهاية القرن 19م بالجمهور فحتي في بدايتها حين كانت الأفلام السينمائية لا تتجاوز دقيقية واحدة كانت أماكن العرض تغص بالجمهور الذي كان يحج لاكتشاف ما يصوره المخرجون. إن هذا كله يؤكد ارتباط السينما بالجمهور فبدونه لا يمكن الحديث عن شيء اسمه السينما هذه الأخيرة بفضل إمكاناتها التقنية واعتمادها على الصورة أعطيت لها الفرصة لمعانقة جماهير واسعة حتى وإن لم تكن متعلمة فبالرغم من أن عمر الفيلم الأمازيغي لم يتجاوز ثلاثة عقود ـ هذا اعتبرنا أن نوع الأفلام المقصودة في هذه الدراسة هي تلك التي اعتمدت في حوارها على الأمازيغية بما فيها أفلام الفيديو. ويميز في هذا العنصر بين تلقي أفلام الفيديو كمرحلة أولى خلال التسعينات من القرن الماضي ثم تلقيها في المرحلة الثانية في وسائط (cd) و(dvd) ثم التليفيزيزن والسينما ،ابتداء من سنة 2002م. وقد قوبل الفيلم الأمازيغي بالانبهار الشعبي وانتشرت بسرعة داخل المغربي بما فيه المدن الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش وفي الخارج خاصة في فرنسا التي احتضنت منذ ما قبل الاستقلال جالية هامة من الأمازيغ القادمين من الجنوب المغربي لكن الملاحظ هو ان الفيلم الامازيغي ظل بعيدا عن اهتمامات نقاد السينما بالمغرب بما يقارب عقدا ونصفا اللهم إذا استثنينا مبادرات معدودة على رؤوس الأصابيع من كتابات نقدية أشارت إلى هذا الجنس الفيلمي بدءا بالناقد الراحل المرحوم إبراهيم أيت حو الذي ينتمي إلى منطقة الجنوب الشرقي وبالضبط قلعة مكونة(5) ص24. وفي هذا الإطار يتساءل عن علاقة التنوع اللسني بهذه الوضعية التي كانت للفيلم الأمازيغية في مجال الكتابة النقدية بالمغرب. موجها المخرجين وكتاب السيناريو قصد الاهتمام بمواضيع جديدة بالفيلم الأمازيغي من باب الاشتغال على تيمات متجاوزة الى مواضيع ذات صبغة انسانية وحداثية ومجتمعية يمكن ان يتفاعل معها أي مشاهد في أي مكان مع الحرض على استثمار التراث الأمازيغي في أبعاده الجمالية والأدبية واللغوية والتاريخية والفلسفية والقيمية دون السقوط في التكرار والبعد الفولكلوري السطحي والتبسيط(5).
أما الحسن منزول في مقاله “الفيلم الأمازيغي ومفارقات الوسائط” فيرى أن جوهر الفيلم وروحه يكمن في كونه فن العرض، وهذه الخاصية هي التي تجعل هدفه الأسمى هو الفرجة التي تتحقق بتحققها جميع الأهداف المتوخاة منه. فالفرجة الحقيقية الناتجة عن افلام متينة البناء وجميلة التقديم هي التي تولد تلك الرغبة لدى المشاهدة واستهلاك المنتوج الفيلمي(…) وما يجعلنا نؤمن بكون دراسة الوسائط في الحديث عن الفيلم الأمازيغي في علاقته بالجمهور تستجيب لشرط الملحاحية والضرورة. هو قوتها التأثيرية على دينامية الصناعة الفيلمية بشكل عام فالوسيط هو الطريق الوحيد لوصول الفيلم إلى المشاهد. وإن السينما الأمازيغية بخاصة والمغربية بعامة سينما لها جمهورها ولا يمكن باي حال من الاحوال قول عكس ذلك لكن في ظل التناقض الذي يعيشه المناتخ السينمائي المغربي من تزايد في عدد الافلام المنتجة سنويا من أفلام عربية وأمازيغية في مقابل الانحصار الدائم للقاعات السينمائية فان المشاهد لا يستهلك المنتوج الفيلمي بالطريقة الصحية.
وبصدد الفيلم التليفزيوني واشكالات المبدان السمعي البصري الوطني يستنتج الناقد والباحث الحسين منزول من ان قناة “تمازيغت” التي يقع على عاتقها الترويج للامازيغية حضارة وتقافة وفنا، تضرب بكل أهدافها عرض الحائط مختزلة الأمازيغية في جانبها اللغوي فقط (الحديث هنا عن الافلام فقط)، ويرى ان القنوات التلفزيونية أو القاعات السينمائية أو الأقراص المدمجة ليست في نهاية المطاف الا مجرد وسائط يمكن استخدامها في صالح الابداع الفيلمي الأمازيغي. كما يمكن أن يكون هذا الإبداع ضحية لسوء التدبير لهذه الوسائط إما بوعي أو بدونه. وتبقى من صميم اهتمامنا كباحثين في المجال، التنبيه إلى هفوات القائمين على هذه الوسائط.في سبيل تصحيح مسارها خدمة للإنتاج الثقافي الوطني وخاصة منه الإبداع الفيلمي.6
أما الباحث علي أوبلال فقد عنون مشاركته في موضوع الكتاب بـ “الفيلم الامازيغي بين قلق صناع الفرجة السينمائية وعزوف الجمهور :أفلام تشلحيت نموذجا “ليعتبر موضوع الدراسات الفيلمية في علاقته بالجمهو من أقدم المواضيع التي تناولتها وأفاضت فيها أقلام النقاد السينمائيين الغربييين عموما، غير دول العالم الثالث(…)، والملفت للنظر أثناء تتبعنا للفيلم الأمازيغي بجهة سوس هو غياب عنصر الطفولة كمشاهد فعال وكفاععل وليس كمادة مستهلكة داخل مشاهد الفيلم حيث نلاحظ أن الفيلموغرافيا الأمازيغية تغيب بشكل صريح الطفولة في خطابها الفيلمي وفي حقيقة الأمر ، فإن رهان كل مجتمع ومستقبله هو الطفولة. لهذا أرى من الواجب أن يعمل المبدع الأمازيغي على تهذيب وتربية الذوق الفني والسينمائي لدى الأطفال باعتبارهم رافد أساسيا يمكن أن يحمل ثقافته وهويته ويسافر بها بعيدا عبر استثمار الفيلم خصوصا واستثمار الأشكال الأخرى للوسائط الإعلامية7.
ومن خلال مهرجانين سينمائيين للفيلم الأمازيغي اشتغل إبراهيم الحسناوي على محور الفيلم الأمازيغي وفعل التلقي، وتراءى له كون الفيلم الأمازيغي حقق إنتاجا ضخما ومتواترا منذ ظهوره في التسعينات من القرن الماضي، مما يثير تساؤلات عن علاقة هذا المنتوج بسياق “التلقي” والاستهلاك والمشاهدة والتداول من قبيل: هل “صنَع” الفيلم الأمازيغي لنفسه جمهورا خاصا وكبيرا ومتعددأ وهل يمكن الحديث عن عن تلق واحد للفيلم الأمازيغي، أم عن عدة تلقيات ومشاهدات؟(…) وهل يمكن الحديث عن توزيع منتظم ومهني يضمن عرض الفيلم الأمازيغي وفق شروط المشاهدة السينمائية المتعارف عليها؟ هل يمكن الحديث عن فيلم أمازيغي” جماهيري أو شعبي؟”8 ص50. ولاحظ كون محدودية اللقاءات السينمائية الخاصة بالفيلم الأمازيغي ونقله إلى الجمهور الواسع، يضاعف من صعوبة الولوج إلى هذه المادة الفيلمية لاسيما بالنسبة للنقاد والدارسين.
يشير الباحث في آخر مقاله إلى كون تحريك الدورة الاقتصادية للسينما لا يقتصر على نوعية الجمهور وحثه على الذهاب إلى قاعات العرض” ما لم تكن هناك سياسة سينمائية تجعل من السينما مشروعا مجتمعيا وثقافيا وفنيا وتربويا واقتصاديا وتنمويا وعمرانيا.8.
السينما الأمازيغية والجمهور ..أية علاقة؟ كان بحثا شارك به الأستاذ محمد بوكرن والذي يرى أن السينما الأمازيغية إن كانت في مراحلها الأخيرة موجهة بشكل مباشر لفئة محدودة من الجماهير وهم الناطقون بلغتها، فهذا يعني أننا رفعنا الحرج عنها تجاه بقية الجماهير التي ستتعامل مع الصورة كمصدر لحوارات ثقافية متعددة، ومع الناطقين بغير الأمازيغية، لتبقى المساحات التي يتحرك فيها الفن السابع الأمازيغي ضيقة المجال، والفضاءات التي أعدها لجمهوره لا تكلف الوضع الحالي سوى مجرد محاولات فيلمية متواضعة تلعب دور الحفاظ على البقاء، أو تمديد مرحلة الفناء .9. (…) وما دجن بعض ما تقدمه شاشاتنا التلفزية من إنتاجات أمازيغية لمشاهديها، دون وضع أي اعتبار لأدنى مقومات الجودة، مما جعلها تغرد خارج السرب، وتقلص من حجم المهور المشكل لقاعدة “الكل” التي ينخرط فيها الأمازيغي وغير الأمازيغي، إلى جمهور “جزئي” يضم الناطقين بالأمازيغية، إلى المرحلة الحالية التي تم فيها تفتيت الجزء المتبقى إلى شرائح مختلفة 10.
الباحث جمال أبرنوص عبر مقاله “الرؤية والرهان في الفيلم الأمازيغي الريفي” يعتقد أن الفيلم الأمازيغي الريفي لم يراكم الفيلم ما يكفي من الأعمال التي تسمح باستقراء سماته ومنازعه وموضوعاته، ولا بإصدار أحكام بخصوص قيمه الفنية والجمالية ولذلك يجدر بالساعين إلى هذا المسعى من النقد والقراءة راهنا، تناول تجارب بعينها، وتجنب تعميم الأحكام. (..) ومن المؤكد أن لإكراهات الدعم المؤسسي وتوجيهاته دورا كبيرا في رسم ميدان اللغة الإبداعية والإنتاجية،وأن لاشتراطات التصوير واختيار الممثلين أثرا في اختيار القصة وشكل التقطيع المشهدي ولغة الحوار. لذلك يحسن عدم الانجرار إلى عقد مقارنات مع الإنتاج الدرامي المغربي العامي بسبب تفاوت الخبرة والتراكم, مثلما ينبغي التنويه، ختاما إلى ضرورة الرفع من حصص الدعم المخصصة للفيلم الأمازيغي طمعا في استدراك قدر من مسافة التأخر التي نتجت عن عقود من الإقصاء والتهميش.11
الكتاب قدم مادته بتركيز وبرصانة عبر أسلوب مفعم بالمعجم السينمائي متمحورا حول الفيلم السينمائي الأمازيغي الذي بدأ يفرض نفسه شيئا فشيئا على الساحة الإبداعية والنقدية المغربية،وقد عرضناه بتلخيص مركزين على أفكاره المحورية, ولن تعفي قراءتنا وعرضنا لفحواه من قراءته كاملا للنهل من مادته الدسمة المفيدة للمهتمين بالبحث السينمائي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
+ السينما الأمازيغية والجمهور، من صناعة الفرجة إلى تشكل المتلقي، أعمال يوم دراسي نظمته, جمعية تيسوراف للفن بأكادير، منشورات جمعية إيسوؤاف للفن السابع.
1 ـ ص 5
2 ـ ص 8
3 ـ ص 14
4 ـ ص 16
5 ـ ص27
6 ـ ص 28
7 ـ ص 48
8 ـ ص 56
9 ـ ص 60
10 ـ ص 62
11 ـ ص 72