طبيعة تداخل الإزري بالريف
ساهمت إشكالية تحديد الأنماط الشعرية بالريف في إختلاف الرؤى النقدية لدى المهتمين، مما يزيد من صعوبة تصنيفه وتبوبيه وفق موضوع واضح، وذلك لتميزه بخاصية تشابك المواضيع وتداخل الأغراض والأهداف فيما بينها.
إلاّ أن المتمعن في الإزري بالريف سيكتشف بكل بداهة أن فن الغزل والحب والتغني بالمرأة يحتل المساحة الشاسعة من خلال الإنتاج والتداول، ﻫذه الغزارة جعلت منه ﻔنا فريدا يحظى بإﻫﺘﻤﺎم ودعم من الشاعر الأمازيغي، مما جعل هذا الأخير يولي إهتمامه بالمفردات الغزلية والتعابير الرومانسية، يتصيد أجملها وأرقّها للتعبير عن أحاسيسه الملتهبة ومشاعره المتأججة بالرمزية مما يعطي لنا صورا شعرية رائعة تمتزج فيها المواضيع الغزلية والعاطفية بقضايا إنسانية أخرى، وسنحاول هنا أن نقف عند مجموعة من إيزران نـ تايري في علاقتها مع أغراض شعرية أخرى إستأثرت إهتمام الشاعر الريفي.
أولا: الحب والهجرة
لم يتمالك الإنسان الريفي نفسه وهو يودع حبيبته ويقاسم معها ألم البعد والفراق، هذه الأحاسيس الإنسانية الجارفة المليئة بالقلق والتمزقات والحنين؛ والتي أرخت لها ذاكرة الإيزري بكل قوة، فأمسى الإيزري بمثابة مرآة لذات منهارة محملة بعذبات الهجرة ولواعج الحب الممتزجة بخلجات النفْس وفرحةَ اللقاءِ وآلامَ الغربة، ونستطيع من خلال هذه النماذج أن نعيش معا بعضا من هذه الأحاسيس:
– ⵢⴰⵔⴷⵖ ⴰⵇⴰⵔⴼⵜⴰⵏ, ⴱⵓ ⵙⴱⵄⵉⵏ ⵏ ⵔⵇⴼⵓⵔ
ⵎⴰⵎⵉ ⵓⵎⵉ ⵢⵓⵢⴰⵔ ⵢⵊⵊⴰⵢ ⵎⴰⵏⵜⵛⴰ ⴷⴳ ⵡⵓⵔ
– Yardeɣ aqarefṭan, bu sebɛin n reqfur
mami umi yuyar yejjay mantca deg wur
– ⴰ ⵎⵔⵡⵛⵜ ⴰ ⵎⵔⵡⵛⵜ; ⵜⴰⵇⴰⵔⵇⴰⵛⵜ ⵏ ⵜⵣⵔⴰ
ⴰⵇⵇⴰ ⴰⴷ ⵜⵖⴷⴰⵔⴷ ⵍⵍⵉⴼ; ⴰⵅⵎⵉ ⵛⵎ ⵖⴰⵔ ⵢⵣⵡⴰ!
– A Merwect a Merwact; taqarqact n tezra
aqqa ad teɣdared llif; axmi cem ɣar yezwa!
– ⴰⵄⵍⵉⴽ ⵎⵔⵉ ⵖⴰⵔⵉ ⵔⵎⵔⴰⵢⵜ ⵏ ⵓⵍⵉⵎⴰⵏ
ⴰⴷ ⵅⵣⴰⵔⵖ ⵍⵍⵉⴼ ⵉⵏⵓ ⵓⴳⴷ ⵉⵙⵄⴷⴷⴰ ⵔⵉⵢⴰⵎ
– Aɛlik mri ɣari remrayet n Uliman
ad xzareɣ llif inu uged isɛedda riyam
– ⵎⴰⵔⴰ ⵜⵔⵓⵃⴷ ⴰⵍⵉⵎⴰⵏ ⵡⵛⴰⵢⵉ ⵜⴰⴱⵔⴰⵜ ⵉⵏⵓ
ⵏⵛ ⵡⴰⵔ ⵣⵎⵎⴰⵔⵖ ⵉ ⵔⵙⵏⵉⵏ ⴰ ⵍⵍⵉⴼ ⵉⵏⵓ
– Mara truḥed Aliman wcayi tabrat inu
nec war zemmareɣ i resnin a llif inu
ثانيا: إيزران نـ تايري والسخرية
وهي طريقة شعرية معروفة في الريف ترمي إلى التهكم المرير؛ والتندر أو الهجاء الذي يظهر فيه المعنى بعكس ما يظنه المتلقي، طبيعته التلاعب المعنوي بالالفاظ، ويتم ضمن معيارية فنية يتعمد فيها الشاعر أسلوبا ساخط مليء بالسخرية والإستهجان؛ يتم فيها تقديم النقد اللاذع للمتلقي في جو يختلط فيه الجد بالفكاهة والإمتاع. وهي ظاهرة ناتجة عن ترسبات ومواقف نابعة (ربما) عن علاقة عاطفية فاشلة أو ناتجة عن مواقف مشينة وغادرة.
كانت روح الشاعر (ة) الأمازيغي مليئة بهذه الأحاسيس. نكتشف في الإيزران التالية جوهر روح الدعابة ومقدرة الشاعر الريفي في إستغلال ذلك الرصيده اللغوي والمعرفي المحلي؛ فتارة نجد أن الحبيبة تلدغ حبيبها بكلمات مشفرة تبتغي من خلالها التعبير عن أسرار لا يمكن الإشهار بها إلا بواسطة هذا النمط الأدبي بعينه.
– ⵉⴷⵀⵏ ⴰⵛⵡⵡⴰⴼ ⵙ ⵣⵣⵉⵜ ⵜⴰⵃⵓⵔⵉⵜ
ⵎⴰⵏⴰ ⵍⵃⵓⴱ ⵖⴰⵔ ⵜⴳⴳⴷ ⴰ ⵎⵎⵉⵙ ⵏ ⵜⴱⵓⵀⴰⵔⵉⵜ
– Idhen acewwaf s zzit tahurit
mana lḥub ɣar tegged a mmis n tbuharit
– ⵢⵓⵔⵉ ⴷ ⵉ ⵜⵎⵃⵢⵢⴰⵔ ⵉⵙⵇⴰⵔⵇⵓⴱ ⵉⵀⴰⵔⴽⴰⵙ
ⵔⴱⴰⴽⵉⵢⵢⵜ ⵏ ⴽⴰⵣⴰ ⵉⴽⵙⵉⵜ ⵉⴷ ⵙ ⵓⵎⴰⵔⵔⵡⴰⵚ
– Yuri d i temḥeyyar isqarqub iharkas
rbakiyyet n kaza iksit id s umarrwaṣ
– ⵡⴰⵔ ⵅⴰⴼⵉ ⴷ ⵛⵛⴰⵜ pⴰⵚⵉⵢⵢⵓ ⵙ ⵔⵊⴱⵓⴱ ⵏ ⵇⴰⵡⵉⵜ
ⴰ ⵔⴰⵃ ⴰ ⵢⴰⵀⴱⴱⵓⵊ ⴱⴰⴱⴰ ⴰⵇⵇⴰ ⵉ ⵜⵄⴰⵔⵔⴰⵚⵉⵜ
– War xafi d ccat paṣiyyu s rejbub n qawit
a raḥ a yahebbuj baba aqqa i tɛarraṣit
– ⵍⵃⵓⴱ ⵏⵏⵉ ⵏⴳⴳⴰ; ⵉⴼⴼⵖ ⴰⵢⵉ ⴷ ⴰⵏⵓⵔⵉ
ⵎⴰⵄⵍⵉⴽ ⴳⴳⵉⵖ ⵜⴰⴼⵓⵏⴰⵙⵜ ⵉⵔⵉ ⵖⴱⴱⵉⵖ ⴰⵖⵉ
– Lḥub nni negga, iffeɣ ayi d anuri
maɛlik ggiɣ tafunast iri ɣebbiɣ aɣi
ثالثا: إيزران نـ تايري والتطير
كباقي الشعوب الكونية إضطر الأمازيغ إلى التفاعل مع الدجل والتطير والتبرك بالأضرحة كظاهرة فرضتها طبيعة الإعتقادات التي تكيف معها جزء من أفراد المجتمع لخلق المكائد والإنتقام وإثارة فتن البلبلة والحيرة بين الحبيبين وإيقاع الضرر بين الناس أولجلب المحبة بينهما، وهي سلوكيات لا تخلو منها أية علاقة عاطفية.
في هذا المضمار ساهمت التقاليد والرواسب الثقافية المتوارثة والجهل بالعواقب الوخيمة والسلبية لهذه العادات الدخيلة على المجتمع الريفي في إقحام ظاهرة السحر والشعوذة في الحياة العامة. في هذا المعنى، إنتبه الشاعر الأمازيغي إلى كون الدجل له طرق عديدة يمكن لها أن تؤثر في العلاقات العاطفية بين العشاق، وهو ما حذى به إلى نسج مجموعة من الإيزران تبين بوضوح ما مدى تأثيرات هذه الظاهرة، ونسمع إلى الشاعر الأمازيغي في هذه الباقة من الإيزران ينشد قائلا:
– ⵅⵔⵇⵏⵜ ⴰⵢⵉ ⵜⵉⵙⴷⵡⵉⵏ; ⴷⴳ ⵡⴰⴼⴰⵔ ⵏ ⵡⵊⴷⵉⴷ
ⵎⵔⵎⵉ ⵎⵎⴰ ⵢⴹⵡⴰ; ⵟⵟⴰⵡⵖ ⴷ ⵖⴰⵔⴽ ⴷ ⴰⵚⵎⵎⵉⴹ
– Xerqent ayi tisedwin, deg wafar n wejḍiḍ
mermi mma yeḍwa; ṭṭaweɣ d ɣark d asemmiḍ
– ⴰ ⵢⴰ ⵛⵡⵡⴰⴼ ⵉⵏⵓ ⵉⵜⵎⵙⵢⵉⵏ ⴷⵉ ⵔⵊⴱⵓⴱ
ⵡⴰⵔ ⴷⴰ ⵢⵉ ⵜⴳⴳ ⴱⵓ ⵜⵉⵔⴰ ⴰ ⵣⵣⴰⵢⵉ ⵜⴰⵡⵢⴷ ⴷⵏⵓⴱ
– A ya cewwaf inu itmeysin di rejbub
war da yi tegg bu tira a zzayi tawyed dnub
– ⵜ ⵡⵚⵚⴰⵢⵉ ⵢⵎⵎⴰ ⵜⵄⴰⴷⵔⴰⵢⵉ ⴰⵡⵚⵚⵉ
ⵜⵏⵏⴰⵢⵉ ⵖⴰⵔⵎ ⴰ ⵜⵟⴼⴷ ⵃⴰⵍⴰⵡⵉⵜ ⵅ ⵓⵄⵣⵔⵉ
– T weṣṣayi yemma tɛedrayi aweṣṣi
tennayi ɣarm a teṭfed ḥalawit x uɛezri
– ⵅⵔⵇⵏⵜ ⴰⵢⵉ ⵜⵉⵔⴰ ⴷⵉ ⵜⵇⴷⴷⵓⵃⵉⵏ ⵏ ⵓⵖⵉ
ⵅⵔⵇⵏⵜ ⴰⵢⵉ ⴰⴷ ⵡⴹⵉⵖ ⵙⵉⴷⵉ ⵔⴱⴱⵉ ⵢⵓⴳⵉ
– Xerqent ayi tira di tqedduḥin n uɣi
xerqent ayi ad wḍiɣ Sidi Rebbi yuggi
خاتمة
في الختام، لا ندعي في هذه الورقة أننا إستطعنا أن نرسم جزءا من الحجم الحقيقي للإيزري، ولكن يمكن أن نستخلص ممّا سبق أن فن الغزل من بواكير الإبداعات الأمازيغية التي إستأثرت الشاعر الريفي ومن أرقّها وأجملها تأثيرا وإبداعا، هذا التلاحم الوطيد الذي جمع الريفي بالإيزري جعل من هذا الأخير الناطق الرسمي لذاكرة الريف الثقافية والإجتماعية والنفسية المفقودة، هذا الكائن الأدبي المتجذر في عمق التراث الريفي، هذا التراث الرمزي واللامادي هو مسؤوليتنا جميعا، يتحتم علينا الحفاظ عليه كل من موقعه وإهتماماته، ويحتاج الإيزري اليوم قبل فوات الآوان إلى “مرصد” لجمعه وتدوينه وضبطه وإنقاذه وتنقيحه من التحريفات التي تمس بأساليبه وطبيعته الإبداعية الفريدة.
- كاتب وشاعر أمازيغي.
- رئيس جمعية “آيت سعيذ للثقافة والتنمية” بدار الكبداني.
- عضو بجمعة “إيمازيغن بكاتالونيا” بإسبانيا.
- عضو بمنظمة “حركة شعراء العالم” بالتشيلي.
- عضو مؤسس “لإتحاد المدونين الأمازيغ” في الإنترنيت.
الإصدارات:
- «أسواض يبويبحن» مجموعة قصصية بالأمازيغية، المغرب سنة 2006.
- «أسفيدجث» مجموعة قصصية بأمازيغية الريف، المغرب سنة 2008.
- «Nunja tanecruft n izerfan», رواية أمازيغية, المغرب سنة 2009.
- «الإعلام الإلكتروني الأمازيغي مدخل إلى دراسة نظرية وتحليلية» 2011.
- «حتى يزول الصداع» مجموعة قصصية مشتركة 2011.