الصحافي والناشط الأمازيغي أحمد يونس في حوار مع «العالم الأمازيغي»

أحمد يونس

حراك الريف هو امتداد للهوية النضالية الريفية الأمازيغية

بعد مرور حوالي نصف عام على الحراك الاحتجاجي بالريف الذي انطلق لحظات بعد مقتل بائع السمك «محسن فكري» الذي لقي حتفه “طحنا” داخل شاحنة لنقل النفايات بمدينة الحسيمة، في الثامن والعشرين من شهر أكتوبر السنة الماضية.. ستة أشهر مضت عرف خلالها الحراك الريفي، الذي تميز بسلميته وقوة تنظيمه، مجموعة من المنعرجات، من محاولات للقمع والتخوين، إلى حوارات لوزير الداخلية مع المنتخبين، لكن ذلك لم يزد الحراك إلا قوة وتوسعا إلى كل بقاع الريف، ما حذا بالدولة إلى إعفاء عدد من المسؤولين، على رأسهم عامل إقليم الحسيمة، وبعثت وزير الداخلية في الحكومة الجديدة إلى الحسيمة كأول مهمة له بعد التعيين..

في هذا الحوار الذي أجرته «العالم الأمازيغي» مع الكاتب والصحافي أحمد يونس، أحد أبرز نشطاء الحراك الشعبي بالريف، تجدون تحليلا وتفسيرات مهمة يقدمها ضيفنا حول تاريخ ومستقبل الحراك بالريف.

بداية أستاذ أحمد يونس أنت كأحد نشطاء الحراك الشعبي بالريف، هل لك أن تحدثنا عما هي طبيعة الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي كانت وراء اندلاع الاحتجاجات التي عرفتها مختلف مناطق الريف؟

في البداية إن الحراك في الريف ليس أمرا مستجدا بل هو ملمح متجذر تاريخيا، ومرتبط بالبنية الذهنية الجمعية، المؤسَّسة على تجاذبات وصراعات وموازنات ومحطات صدامية موغلة في تاريخ الأمازيغ ككل. والمؤسِّسة لهوية نضالية متوارثة من خلال تنشئة اجتماعية عابرة ل «قارات» تاريخنا، ليس هنا أوان الوقوف لتفصيلها وتشريحها.

للأمر هذا فأنا أعتبر كل الريفيين «حراكيين» ومن أشباههم كل الأمازيغ أيضا، وقد يحصل تمخزن البعض أو تحالفهم مع الأقوى في لحظة تاريخية ما، لكن تتفتق وتطفو هويتهم النضالية الاحتجاجية «الحراكية» في لحظات تاريخية أخرى. وعليه فقد تبنينا هذا «الأنا الحراكي» كهوية واسمة لشعب بأكمله وبتعبير ميشيل فوكو «كقدر تاريخي» بدليل الملازمة…

وبالعودة إلى سؤالكم واعتبارا لما أسلفته، يمكن لي وبنوع من الجزم أن أقر بأن أسباب أي حراك تكمن في «مأثوثية» ذاكرتنا المفعمة بالجراح والإقصاء والغبن والتهميش والظلم والقتل، ذاكرة تتألم لذات تاريخية مكسورة وهي تورث الحراك لجيل عبر جيل.
أما ما يمكن اعتباره سببا مباشرا في تأجيج حراك الريف، من قبيل طحن محسن فكري أو الإقصاء والتهميش وكل ما أسلفته من حمولات ذاكرتنا الغداقة بالندوب، فيصدق اعتباره بالتالي، تلك النقطة التي طفحت بالكيل أو تلك البقعة من الزيت التي أوقفت الفتيلة…

وهذا يعني أن الهوية الاحتجاجية ممتدة وباقية مستعرة حتى وإن كانت في حالة كمون أحيانا، فلا بد لها أن تتقد في لحظة ما، سواء تم تحقيق كل مطالب الريف أو تم تجاهلها والتغاضي عنها، لأن الأمر يحتاج إلى تصفية حسابات عالقة والنظر في أرشيف متكامل من الظلم والاعتداء التاريخي على الريفيين وعلى كل الأمازيغ طبعا …

ماهي أهم المطالب التي تم رفعها للمسؤولين مباشرة بعد وفاة محسن فكرى؟

في الحقيقة أنا لم أساهم في صياغة الملف المطلبي، وقد أسلفت لكم القول بأنه سواء تحققت المطالب أو لم تتحقق، فلن يتغير في الريف ما هو جدير بالتغير. فقد يساهم مثلا تحقيق المطالب في إنعاش المنطقة اقتصاديا نوعا ما، هذه المنطقة التي أنعشت نفسها بنفسها في غياب أي مشروع تنموي يحسب للدولة. وذلك بفضل مجهودات أبنائها، حتى يخال لزائرها أنها قد تجاوزت ركب الفقر الذي تقبع فيه كثير من مناطق المغرب.

أقول حتى وإن تحقق الملف المطلبي، فلابد أن تطفو على السطح عدة عراقيل بحكم الهندسة التي اعتمدها المخزن في الريف والقائمة على التفريغ والتهجير والتجويف. أعني هندسة البنية الاقتصادية التي تركت للتلاعب، تلاعب المافيا بكل تلاوينها، حتى أضحى الريف وعاء لتسويد المال وبورصة للقيم. وعاء فارغا من آليات وأدوات التنمية، إذ أنه في حالة إنشاء معمل مثلا، لابد من استقدام موارد بشرية مؤهلة من مناطق أخرى بحكم أن الريف لا يتوفر على قاعدة أو معاهد لتكوين أطر وتقنيين لتسيير ودفع العملية الإنتجاحية، ما يستوجب الاستنجاد بأطر وتقنيين وحتى يد عاملة من خارج الريف، لما لهذا الأمر من سلبيات قاتلة خصوصا على البنية الذهنية والأخلاقية القيمية التي تؤثث الشخصية الوطنية الريفية (الأمازيغية) وتميزها.

يبدو أن المشكل أصبح إشكالا بمنطق التداخل والتشابك، وبمنطق طبيعته البنيوية، وهذا هو المأخذ الذي سجلته على نقاط الملف المطلبي، وهو إلزامية ووجوب تسييس مطالبنا، ومن ثم المطالبة بإطار سياسي يحمينا من التلاعبات، ويمنح لنا استقلالية العمل دون خوف من الرباط…

وفي هذا الشأن لا أرى (في الوقت الراهن على الأقل) أفضل من المطالبة بالاستقلال الذاتي للريف. أما بخصوص سؤالكم حول أهم مطلب يتضمنه الملف المطلبي، فإنني لا أفضل مطلبا على آخر، ما دمنا لا نملك شيئا من كل ما تضمنه الملف. يعني «نتفو الفكرون ولا يمشي فالت» …

كيف تلقيتم قرار وزارة الداخلية بإعفاء عامل الإقليم؟

إعفاءات مسؤولين بالحسيمة وعلى رأسهم عامل الإقليم، كانت منتظرة كتكتيك تسكيني ومهدئ لجبر الخواطر، فقد عاشت الحسيمة إعفاءات سابقة شبيهة بهاته. أما كيفية تلقيها أو وقعها أو التفاعل معها، فلم تتعد لحظات لوكها وترددها في المقاهي والشوارع، وذلك بنوع من الازدراء والسخرية ونقل الخبر في سبيل نقله ليس إلا …
ولعل أطرف التعاليق على هذه الإعفاءات ومنها إعفاء عامل الإقليم هو ما رددته الساكنة من قبيل: «بدل لحمار بأغيور» …

هل هناك تقصير من طرف سلطات الإقليم والسلطة المركزية في التعاطي مع الاحتجاجات طوال الستة أشهر الماضية؟

لا أعتقد أن هناك تقصيرا في تعامل السلطات المحلية والوطنية مع الحراك، بل هناك دوخة وسعارا وارتباكا وضربة أتتها «شن طن» دون أن تدري، والدليل أنها (أي السلطات) وعرابوها قد جربوا كل ما يمكن – بنظرهم – من إيقاف وإنهاء أو القضاء على الحراك، دون أن يتوصلوا إلى مبتغاهم. جربوا الإعلام المأجور، القمع، الفقهاء، العياشة، الحوارات الماكرة، شراء الذمم، الارتشاء، الإغراء، وغيرها…

أما التقصير الوحيد الذي يسجل للمخزن فهو عدم استعماله للقوة بشكل مفرط، وهذا الفعل يبدو لي نوعا من المهادنة إلى غاية تصويب بندقيته وإحسان تسديدها لتصيب في مقتل، حسب اعتقاده وبرمجته…

أول مهمة لوزير الداخلية الجديد كانت هي زيارته للحسيمة، كيف تفسرون ذلك؟

قرار زيارة وزير الداخلية لفتيت لمدينة الحسيمة كأول نشاط وزاري له، هو أولا قرار غير دستوري، فلفتيت هذا لم تتم مصادقة البرلمان على وزاريته بعد. ثانيا مشاكلنا لا تحبها وزارة الداخلية، المكلفة بالأمن وليس تحقيق مطالب اجتماعية يطالب بها مواطنون. منطق أخرق، قرار أخرق لمخزن أخرق… وهذا يعني أن بعث وزير الداخلية إلى الريف للتباحث في أمر مطالب الساكنة هو بعث الزرواطة ليس أكثر…

ما هي توقعاتكم لمستقبل حراك الريف؟

سأربط جوابي عن هذا السؤال بجوابي على سؤالكم الأول أي أن حراك الريف هو امتداد للهوية النضالية الريفية الأمازيغية التي تشكلت على مر أزمان من التصادم والصراع مع القوى الظالمة الهدامة الماحقة والإقصائية. ويحدث هنا والآن نوع من تطعيمها بثقافة حقوقية مسندة على مواثيق دولية، وإغناؤها بمرجعية ريفية محضة متجلية ومتمظهرة على أفكار مولاي موحند ومنهجيته ومن ثم العودة إلى النهل من نبعها. لأجل إشاعة وعي سياسي بديل، ومحاولة لفك الارتباط بالمرجعية العروبية الاورثوذوكسية الأصولية القادمة من الشرق ومن الفتات الإيديولوجي لليسار العربي المتهالك.

ولهذا التعارض، فقد شاهدنا انتشارا سريعا لأعلام جمهورية الريف ولصور مولاي موحند وترديد واسع لأفكاره ومحاولة إعادة إنتاجها وفق متطلبات المرحلة. وسواء توقف الحراك بشكله الحالي أو امتد عبر أشكال تعبيرية أخرى، فإن الهوية النضالية الاحتجاجية ستبقى ثابتا بنيويا لا يتغير في البنية الذهنية، ما دام أن مبررات وجوده تزداد استفزازا و تضخما وتحرشا…

كلمة أخيرة؟

شكرا لجريدة العالم الأمازيغي المستمرة في نضالها رغم ثقوب الهدم المضاد، وتقدير مني لها على تحريكها للبرك الآسنة ولو بأحجار صغيرة…

وألف شكر وامتنان لساكنة الريف التي أنقذتني من نوع من الاكتئاب النضالي…

حاوره: كمال الوسطاني

شاهد أيضاً

الحسن زهور: النقد الأمازيغي ما يزال في طور التأسيس ويأخذ طريقه نحو الإنتاج والكتابة

من الجنوب الشرقي للمملكة، إلى جامعة القاضي عياض بمراكش حيث نال شهادة الإجازة في الأدب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *